«أيكتي».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

الكاتبة فاطمة مندي
الكاتبة فاطمة مندي

عندما بلغت العاشرة مات أبي، بعد عدة سنوات ماتت أمي، وبعد عدة أشهر ماتت جدتي.

كان لزاماً عليَّ أن أقيم في منزل عمي، هيهات على هذا القدر!

سأذهب إلى المنزل الذي كنت لا أحب حتى المرور من أمامه؛

ذهبت آسفة إلى أخر مكان كنت أتمناه.

التقتني زوجة عمي على باب المنزل، بكومة من الغسيل محدثة وبنبرة غاضبة: خذي هذا وأريده شمع مثل ضوء الشمس.

 

عشت مقهورة مثل عمي مع زوجة في بيت مفخخ بالكره، تزرعه لنا في كل وقت، كنت اتخطى كل شيء من أجل دراستي؛ التي أظهرت فيها تفوقاً ملحوظاً، في حين أن بنات عمي يعانون تعثراً دراسياً.

وعندما شببت عن الطوق، كان يتوافد على منزلنا مختلف العرسان لي ذو مراتب مختلفة، رفضتهم جميعاً زوجة عمي، كانت تريد زوج سيء تعاقبني به، بداخلها كل هذا الحقد لي ولأمي الراحلة؛ ولا أعلم لماذا؟

 

ذات يوم، أتى لزيارتنا أحد أقاربها كي يراها قبل سفره خارج البلاد، عندما رآني طلب يدي، وافقت على الفور من هذا الأمي الجاهل الذي يقطن بلد بعيدة يستغرق السفر إليها عدة ساعات.

قالت لنا بصوت جهوري أجش: هنكتب أخر الشهر، ودا قرار وليس اختيار.

بلع عمي حنقه ولكنه اشترط لإتمام العقد أن يشتري لي شقة باسمي هنا.

أُجبرت على معاشرة هذا الأمي الذي لا يجيد حتى الكلام، معظم كلامه فظ وألفاظه نابية، رضيت بما قسمه الله لي.

 عشت معه بما يرضي الله، صابرة محتسبة، وكنت أهيئ نفسي على الانكسار شهر في العام هو شهر إجازته.

أنجبت طفلين، أكرمني الله بتفوقهم، بذلت من أجلهم كل غالي ونفيس.

وفي كل إجازة لزوجي كان يريد أن ينقلنا للعيش مع أهله، وكنت أرفض طلبه.

وفي كل مرة يرسل لنا استقدام شهر أجازة الأولاد، وكنت أرفض.

تحت ضغط الأولاد وافقت على عمل هذه الزيارة إلى مقر عمله في إحدى الدول العربية.

قمنا بعمل الزيارة، قضينا عدة أيام، ولكن تركنا زوجي وسافر إلى القاهرة لاستكمال بعض أوراق له.

بعد عدة أيام أتى محدثاً: لقد نقلت متاعك كله إلى بلدنا كي تذهبي إلى هناك أنت وأولادك للعيش مع عائلتي،

أو تنزلي الي شقتك وتفترشين الأرض، الاختيار لكي.

لم أصدق ما سمعت منه، نظرت له ودموعي تسبقني: هل أخذت متاعي كله.

نظر لي في وهو متفاخراً مبتسماً متشفياً: نعم نقلته الي بلدتنا.

استرسلت دموعي رغماً عني، ووقفت الكلمات متحشرجة في حلقي.

قال في تحد صارخ: لو بكيتي دماء لن أعدل عن قراري.

استعدت اتزاني محدثة إياه: لقد عاملتك بطيبة قلبي، ولم أخونك، لم أتهاون أو أقصر في حقك، وأنت لم تتق الله في تعاملك معي، هل تعلم لقد صنعت لي معروفاً كبيراً،

ووفرت على أجرة نقل هذا المتاع البالي لقد ابتعت متاعا جديدا منذ زمن قريب؛ كي يليق بي وبأبنائي دكاترة المستقبل.

 هل تعلم سأتحدث لك بلغتي التي أتقنها وأتخلى عنها أثناء تواجدك: مازلتُ أُتقن فن الرقص فوقَ الورق

وأُجيد نقش المفردات ونزف المشاعر من فوهة قلمي،

مازلت التصق بحزني في باطن المحابر والتعريج في آفاق شاحبة، واعتاد حرفي على اقتحام علامات الاستفهام والتعجب؟! وشهقات الوجع.

كانت قيودا وسلاسل من نار مستعرة حول خاصرة الوقت وفم المكان،

ودائما أحدث نفسي: لا لن انحني لك أيها الألم، سأصرخ حتى تنبثق براعم التوت في قلبي، وأبحر بشراعي الى ذاك الوادي وتلك التلال، كي أقطف أزهاري ولقد حان وقت حصادها.

لقد أكملت مراحل تعليمي، وتقلدت أرفع المناصب، وأبقيت عليك بجواري، ولم أغدر بك، أنا الدكتورة محاضرة الجامعة، لم أشعرك بجهلك طول سنواتك معي، لم ألفظك وهذا حقي، لم أتحدث معك بلهجتي، بل كنت أتدنى بلغتي إلى مستوى فهمك، الآن وقد أخذت متاعي وغدرت بي لن تر أيكتي.