«الجثة2» قصة قصيرة للكاتب حسن عبد الرحمن

الكاتب حسن عبد الرحمن
الكاتب حسن عبد الرحمن

 كانت حروف متباعدة أشبه برسالة معادلات رياضية ووجدت محروس يدس أنفه من خلفي ويدس عيناه لقراءة الرسالة، ووجدت أذناه تكبر تخرج من رأسه لعدم فهمه الطلاسم الرياضية... ولكن صوتاَ صدر من خلفنا نظرنا خلفنا وكانت المفاجأة...كانت كل ثلاجات الموتى تصفق خلف محروس الذي انتبه إلى الصوت الذي على ضجيجه وبات مزعجاَ يصم الآذان..

كانت أبواب الثلاجات تفتح وتغلق والصوت شديد.. ثم خرجت جميع الجثث مرة واحدة وأصبح المشهد أشبه بأفلام الموتى وكانت جميع الجثث تتقدم نحونا في بطء شديد يصدر عنها أصوات لا يتحملها بشر.. وكأنها تقول نفذ ما في الرسالة..رجعت أنا ومحروس إلى الخلف بسرعة.. إلا أن الفتاة صاحبة الرسالة قد جذبت محروس من معطفه الأبيض من عند يده وأحدثت له جرح في ساعده الأيمن.. غير أن محروس لم يكترث للبالطو خاصته وبروحه المرحة المعهودة قال للجثة.. خذيه أنا لا أريده لكن لن أتركك سأعود إليك وسترى مني ألوان العذاب..ثم خرجنا من باب المشرحة وأغلقنا خلفنا الباب قبل أن تصل إلينا باقي الجثث..

وفجأة عادت الكهرباء إلى وضعها السابق.. فنظرت من فَتْحَة الباب بسرعة على الجثث والغريب إني لم أجد أية جثة كان الوضع كأن شيئاَ لم يكن.. ثم نظرت خلفي لأجد  الدكتور منير بعينيه الجاحظتين يقف وينظر إلينا بدهشة كأننا مجانين.. ثم تدخل محروس في الحديث وكان يرجع إلى الوراء معتقداَ أن الدكتور منير هو الآخر جثة.. ثم أخذ يتحسس منير إلى أن نهره منير وهدده أن يخصم من راتبه ثلاث أيام أن لم يكف عن تلك المزحة السخيفة.. تأكد محروس أن منير ليس جثة متحركة عندما علم بموضوع الخصم.. ثم تحجج إنه يريد أن يدخل الحمام ووثب في الهواء واختفى عن الأنظار.

 

جلست وحيداَ مرة أخرى في مكتبي أفكر ماذا كانت تريد جثة الفتاة وما معنى الحروف والطلاسم المكتوبة في الرسالة.. وكان علىّ أن أفهم معنى الرسالة وأفك طلسمها.. وإلا لماذا كانت جثة الفتاة تتمسك بالورقة ولم تعطيها لي.. وعلى أن لا اخجلها.. نعم هي جثة ولكنها لجأت إليّ.. كانت الرسالة مكتوبة بالحروف والأرقام.. أحضرت اللاب توب خاصتي وأخذت أبحث طوال الليل علني أعرف إجابة وحل لهذا اللغز العجيب.. ترى هل هي استغاثة أم طلب؟ لا أدري!! ثم اهتديت أن أرسلت رسالة لمحروس طلبت منه أن يمر بسور الأزبكية ويجمع لي كل الكتب التي تتحدث عن السحر والطلاسم وما شابه..ونمت وأنا أضع رأسي في أحضان اللاب توب..وغفوت لا أعرف الوقت.. ولكن وجدت حركة غريبة داخل الدولاب من خلفي.. تحركت مسرعاَ إلى الدولاب وأنا أتلمس خُطايا قدم إلى الأمام وأخرى إلى الخلف وبيد مرتعشة تمالكت أعصاب يدي وفتحت الدولاب فلم أجد شيئاَ.

ولكني سمعت الصوت مرة أخرى عندما أغلقت الدولاب وتحركت ناحية مكتبي.. ثم سمعت صوت رسالة آتية من ناحية اللاب توب وكأنها من هاتفي المحمول.. فتحت هاتفي المحمول فلم أجد شيئاَ سمعت صوت الرسالة مرة أخرى فنظرت إلى اللاب توب فوجدت الرسالة هي نفس الرسالة التي كانت في يد الفتاة.. وعندما نظرت إليها لأحل شفرتها ظهر وجه الفتاة فجأة داخل الشاشة فرجعت إلى الوراء من شدة الخوف ووقعت على ظهري أنا والكرسي ثم وقع المكتب فوقي بشدة وارتطم برأسي..ثم إغلاق.

 

عندما أفقت من غيبوبتي وجدت نفسي فوق سرير بالمستشفى وشعرت بألم في رأسي.. تحسست موضع الألم وجدت رأسي ملفوف بضمادة ويدي اليسرى تؤلمني ألم بسيط..ثم نظرت أمامي لأجد عينان كبيرتان تنظران إلى وتقدم لي مرآة لأنظر فيها على وجهي كانت عين محروس..كان يجلس بجواري على سرير المستشفى. نظرت إلى المرآة ووجدت أن وجهي ليس به شيئا إلا خدش بسيط أسفل عيني ورأسي ملفوف بالشاش..ثم نظرت إلى محروس فتكلم.. وقال عندما عدت من الحمام وأنا أجرى من جثة قابلتني داخل المرآة وتخلصت منها بصعوبة فقد أغلقت جميع الأبواب..

 
هي لم تغلق جميع الأبواب هي ألغت جميع الأبواب.. نظرت إليه في دهشة فلم يعيرني أي اهتمام واسترسل وكأنه لم يسمعني.. نعم ألغت جميع الأبواب والشبابيك وتحول الحمام إلى شيئ يشبه البئر جداره أملس..كلما حاولت الصعود أقع مرة أخرى داخله.. وفي أعلى البئر وجدت جثة الفتاة صاحبة الرسالة تمد يدها لتمسك بي..فعرفت إني مَيِّت لا محالة.. فاعتذرت لها وقلت إنني كنت أمازحها عندما هددتها داخل المشرحة ولو كان على البالطو خاصتي فأنا أسامحك وأوصله لك إلى المشرحة.. فابتسمت الجثة وتحولت إلى فتاة جميلة ثم اختفت.. واختفى معها كل شيء.. وعاد الحمام كما كان.. ثم خرجت من الباب مسرعاَ لأني قبل أن أقع في البئر كنت سمعت صوت ارتطام في حجرة مكتبك..دخلت بسرعة إلي مكتبك فوجدت المكتب فقط وكان مقلوبا ولكن عندما دققت النظر وجدتك أسفل منه متكوراَ كأنك قنفذ في ليلة شتاء قارص.

 

ابتسمت كعادتي عندما يتحدث محروس بتلك الطريقة لأنه يخرجني دائما من حالة الغضب التي اكون عليها.. طلبت منه أن يخرج الرسالة من جيبي لأنني لا أقوى على ذلك.. فعندما أخرجها فتحها بفضوله المعتاد ونظر إليها مطولاَ وعلت وجهه الدهشة الشديدة وفرحت جداَ لأنني شعرت أنه أخيرا فك طلاسم الرسالة.. قسمات وجهه تقول ذلك... ولكنني أصيبت بخيبة أمل عندما أعطاني الرسالة وقال ما هذا كأن عفريت كتبها بخط يده أنا لا أفهم شيئاَ.. وناولني الرسالة وتحول وجهه مرة أخرى إلى شيء يشبه السيارة الخربة.. وأيقنت ساعتها إنني كنت على خطأ عندما ظننت أن محروس استطاع أن يحل اللغز.. أخذت الرسالة منه.. كانت عبارة عن أرقام أوقات تكون بجانب بعضها وأخرى فردية..وطلبت من الدكتور أن يسمح لي بالخروج خصوصاَ أن حالتي الصحية مطمئنة مجرد كدمات بسيطة وأنا دكتور وأعرف حالتي جيدا..

 

 وافق الدكتور وطلب مني أن لا أرهق نفسي لمدة يومين فقط.. أومأت برأسي بالموافقة ووعدته وعداَ كاذباَ وخرجت من عنده وانطلقت مسرعاَ إلى مكتبي.

عندما دخلت الحجرة وجدتها مرتبة وكل شيئاَ موضوع في مكانه بطريقة تفوح منها لمسة نسائية.. فقلت برافو عليك يا محروس رتبت المكتب كما ينبغي.. ولكنني سمعت صوت محروس يقول.. لا والله لم أفعلها يا دكتور.. تلفت حولي فلم أجد لمحروس أثر فظننت أن محروس يداعبني

 

كعادته بطريقة ما.. يضع تسجيل في مكان ما.. ولأن محروس يعرف عني إنني لا أخاف من الجثث وما شابه..جلست إلى مكتبي وكأن شيئاَ لم يكن وفتحت اللابتوب وأخذت أبحث في جميع المواقع التي لها صلة بالأرقام والحروف..ولكن سمعت صوتا من خلفي يقول الأرقااام والحروووف.. نظرت خلفي ولم أجد أحدا في الغرفة وفي نفس الوقت دخل محروس الغرفة ويقول.. نعم يا دكتور ماذا تريد.. نظرت إليه في دهشة وقلت ماذا تقصد يا محروس؟

تعالت على وجهه الدهشة وقال لقد ناديتني يا دكتور!

نظرت إليه وقلت لا تبالي يا محروس فهو يوم غريب من أوله على العموم يمكنك أن تصنع لي فنجان من القهوة...أعطاني محروس ورقة كانت في يده وقال..خذ يا دكتور هذه هي الحروف الأبجدية مرتبة كما طلبتها مني منذ قليل عندما كنت في غرفتي.تفضل.

فقلت له أنا يا محروس كنت عندك في غرفتك منذ قليل.. أه تمام تمام..تفضل أنت الأن.. شكراَ شكراَ جداَ مع السلامة.

بالفعل وجدت الحروف موجودة كلها ومرتبة ومنمقة بخط وبشكل جميل يصعب على أمثال محروس كتابتها.. ومن هنا عرفت حل لغز الرسالة.. عندما وضعت كل رقم يماثله حرف فوجدت الكلام كالآتي..(كنزي تحت الأرض).

 

في اليوم التالي كنت قد اتفقت مع محروس أن يلبس ملابس تنكرية.. أو بالأحرى ملابس شاويش في البوليس.. وعندما تقابلنا أسفل سفح القلعة في مكان واسع.. كنت انتظره في سيارتي في هذا المكان للاتفاق على باقي الخطة..أه نسيت كنت قد شرحت الخطة كلها بالأمس لمحروس في مكتبي بالمشرحة..ولكنه بذكاءه العالي والعالمي..قد اتصل بي قبل أن أخلد إلى النوم وقد سأل بضع أسئلة تبينت منها إنه لم يفهم حرفا واحدا من الخطة التي شرحتها له طيلة ساعتين..

 

رأيت محروس قادم علىّ وهو يرتدي ملابس الشاويش، كتمت ضحكة كانت ستخرج من فمي ودعوت الله أن يمر اليوم على خير لأنه كان يرتدي ملابس شاويش شتوية ونحن في عز الصيف وأيضا يلبس في قدمه حذاء رياضي.. ولكن مما أدهشني أنا.. إنه عندما جلس بجانبي في السيارة قال لي هيئتك وملابسك لا تقنع أي أحد أنك ضابط مباحث.. نظرت إليه مطولاَ ومنعت نفسي أن أضربه على وجهه ولكنني كنت احتاجه في تلك المهمة لعلنا نعرف ما سر الفتاة.. ثم قلت له وما سر اندهاشك من ملابسي فأنا ارتدي قميص عادي وبنطال عادي أم لا تعجبك نظارتي الشمسية؟ نظر إلىّ مطولاَ ثم قال بلهجته الساخرة التي فيها مزحة من الغباء لا عليك يادكتور قُد بسرعة ولا تضيع الوقت هيا.. ثم سمعته يقول بصوت ضعيف..ذكي جداَ الدكتور متنكر في ملابس عادية.. أين ملابس الضابط.. نظرت إليه وأنا أقود السيارة بطرف عيني وقلت في ضيق.. ضابط المباحث يا محروس يرتدي ملابس عادية دائماَ وليس زي البوليس المعتاد.. نظر إلىّ غير مقتنع بكلامي وشرد بعيداَ خارج نافذة السيارة..

 

ولا أخفي عليكم سراَ أنا أخذت محروس معي لأنه أدرى بالمكان الذي تعيش فيه الفتاة عن ظهر قلب لأنه كان في منطقة شعبية وهو يعرف مداخلها ومخارجها وسلوكيات الناس في تلك الأماكن تختلف عن الأماكن الأخرى.. هناك الترابط والشهامة وهناك عكس ذلك..كان محروس مرشدي.. يقول لي انحني يسارا ثم يمينا إلى أن وصلنا إلى مكان ضيق.. كانت حارة ضيقة جدا يتعذر على السيارة المرور منها.. طلب مني محروس أن أترك سيارتي وأقفلها جيداَ ثم نادي بعض الأطفال ووضع في يدهم بعض النقود واتفق معهم على حراسة السيارة حتى نعود.. دلفنا أنا ومحروس إلى الحارة الضيقة ومنها وجدنا قهوة فسألت صاحب القهوة على منزل الفتاة.. فبعد أن ترحم عليها أشار إلى منزل صغير يقبع في آخر الحارة.. ولكن قبل أن اصل إلى القهوة نظر إلىّ أحد الشباب وانطلق من مكانه عدواَ واختفى من أمامي.