أصل الحكاية.. "مسجد السيدة نفيسة" عصر ذهبي تحياه مساجد مصر

مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها
مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها

تحظى السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها، بمكانة خاصة في قلوب جموع المصريين، فهي نفيسة العلم سليلة بيت النبوة رضوان الله عليهم.. "أحبت مصر والمصريين فأحبوها".

عصر ذهبي تحياه مساجد مصر مبنى ومعنى، لتظهر في أبهى صورة لها، هكذا يصف الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ما تم في عمارة المساجد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أنه إنجاز غير مسبوق.

الرئيس السيسي: الدولة المصرية تتبنى خطة لتطوير القاهرة التاريخية

واليوم الثلاثاء بعد التطوير، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، يرافقه السلطان مفضل سيف الدين سلطان طائفة البهرة بالهند، مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها، ومن المقرر أن يفتح المسجد أبوابه أمام جموع الزائرين والمصلين والمحبين، يوم الجمعة القادم الموافق 11 أغسطس الجاري.

تعرف على حكاية مبنى السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها :

يقع المسجد في منطقة السيدة نفيسة بالقرب من القاهرة القديمة، وهو من أقدم مساجد محافظة القاهرة لاحتوائه على مرقد السيدة نفيسة بنت الحسن، وهي من أهل بيت رسول الله.

وهو من أشهر مساجد "أهل البيت النبوي" الذي زين أرض مصر، ويقع في منطقة تحمل نفس الأسم في القاهرة.

يعتبر أول مسجد على طريق يعرف بطريق أهل البيت، وهو طريق يضم عدة محطات شريفة منها جامع السيدة نفيسة، ومرقد الإمام علي زين العابدين، ومرقد السيدة زينب بنت الإمام علي، ومسجد السيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة رقية بنت، الإمام علي بن أبي طالب، وسيدي محمد بن جعفر الصادق والسيدة عتيقة خالة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبحسب خطط المقريزي، فإن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة هو عبيد الله بن الصاري والي مصر، من قبل الدولة العباسية، ثم أُعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية، وقبة أضيف إليها، وكتب تاريخ العمارة على لوح من الرخام وُضِع على باب الضريح، يظهر فيه اسم وألقاب الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.

تم تجديد هذه القبة في عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، بعد حدوث بعض التشققات والشقوق فيها، وغطى المحراب بالرخام عام 532 هـ (1138 م)، حتى السلطان الناصر، أمر محمد بن قلاوون الخلفاء العباسيين بتولي مشهد المشهد الغالي.

 حكاية "نفيسة العلم" :

من هي السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها ؟

السيدة نفيسة هي بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، لها مكانة عظيمة في وجدان المصريين.

ولدت السيدة نفيسة رضي الله عنها في 11 ربيع الأول 145هـ في مكة المكرمة، وانتقلت مع والدها إلى المدينة وهي بعمر 5 سنوات، فتعلقت بالمسجد النبوي وكانت تذهب إليه لسماع العلم من شيوخه وأئمته، وبسبب تعلمها الحديث والفقه لقبّها الناس بـ"نفيسة العلم".

والدها الحسن الأنور شيخ بني هاشم رضي الله عنه وأرضاه، دخل عليه مرة إنسان وهو في إمارته، وفي أوج أُبّهتِه، فهابهُ، وقال له : ابن زيد فرض، والله فرض، كأنه يمدحه، ولكنه شبّهُه بالمولى سبحانه وتعالى، فبكى الإمام وقام وسجد لله سبحانه وتعالى ثم قال له : بل قُل ابن زيد عبد، والله فرض.

انظري لهذه الشخصية، وإلى هؤلاء أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقبلون التجاوزات حتى في المدح، جدّها هو الإمام زيد الأبلج ابن الإمام الحسن ابن الإمام علي رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.


السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها بعد أن ولدت بمكة، ذهبت مع والدها إلى المدينة المنورة، التي كان والدها أميرًا عليها، فكان يذهب دائما إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :" يا رسول الله، يا جَدّي، إني راضٍ عن نفيسة"، وهي طفلة صغيرة، إلى أن جاءه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤية بمنامه وقال له :" يا حسن، إني راضٍ عن نفيسة برضاك عنها".

 الخلفية التاريخية لها رضي الله عنها وأرضاها، متى جاءت إلى مصر، وأين نزلت ؟

السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها عندما جاءت إلى مصر نزلت في دار في شارع شجرة الدر، بالقرب من هذا المسجد، بجوار زقاق القاسم.

صفات السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها :

من صفاتها نصرتها للمظلوم وشدة تمسكها بالعدل، واستغاث بها الناس في مصر من ظلم ابن طولون، فاعترضت موكبه فلما رآها ترجل عن فرسه، فقالت إليه: ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وردت إليكم الأرزاق فقطعتم فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون.

- زواجها من ابن الأئمة 

عندما بلغت السيدة نفيسة سن الزواج تقدم إليها أغلب شباب المدينة المنورة، وكان أبوها يرفض، حتى تقدم إليها إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهما، فقبل والدها هذا الزوج لأنه خرج من بيت علم، وأبوه وأجداده من أئمة أهل البيت.

تم الزواج بين السيدة نفيسة والسيد إسحاق المؤتمن في رجب عام 161هـ، وأنجبت له القاسم وأم كلثوم، ثم قررت التوجه لمصر عام 193 هـ.

- في مصر
عندما علم المصريون بتوجه السيدة نفيسة إلى مصر، خرجوا لاستقبالها في العريش، وصاحبوها من العريش إلى الفسطاط ووصلتها يوم 26 رمضان 193، فاحتفل أهل مصر بقدومها واعتبروا دخولها إليهم في ليلة القدر علامة على الفرح والنصر والسعادة.

ظل الناس يترددون على السيدة نفيسة حتى شغلوها عن عبادتها، فقالت لهم: "كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى".

لما سمع المصريون قولها فزغوا له، وتمسكوا بها، فتدخل الوالي السري بن الحكم، وقال لها: "يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه"، فخصص لها دارًا واسعة، وحدد يومين في الأسبوع فقط لزيارتها، لتتفرغ للعبادة باقي الأيام، فقبلت ذلك وبقيت.

- وفاتها وتمسك أهل مصر بها :

في رجب عام 208 هـ، اشتد المرض على السيدة نفيسة، وظل يشتد حتى لقيت ربها في رمضان عام 208 هـ بعد أن حفرت قبرها بيديها استعدادًا لدفنها.

بكى المصريون السيدة نفيسة وحزنوا أشد الحزن لموتها، وكان يوم دفنها يومًا عظيمًا، تكالب فيه الناس لتشييعها.

وقتها قرر زوجها السيد إسحاق المؤتمن أن يدفنها مع السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ونساء أهل البيت في المدينة المنورة، وهم بأن يخرج بجسدها من مصر قبل دفنها، فوجد اعتراضاً كبيراً من المصريين.

فجمع المصريون أموالاً طائلة وذهبوا بها لبيت السيدة نفيسة وتركوها لزوجها السيد إسحاق، حتى يرضى ببقائها فيهم، فظل رافضًا، فتركوه في المساء.

في صباح اليوم التالي، تفاجأ الناس بموافقته بعد رفضه الشديد، فسألوه لما غيرت رأيك، فقال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال لي: يا إسحاق رُد على الناس أموالهم، وادفن نفيسة عندهم"، وفي رواية أخرى: "يا إسحق دع نفيسة لأهل مصر ولا تنازعهم فيها، فإن الرحمة تننزل عليهم ببركتها"، فتركها، وتحققت رغبة المصريين.


 

وكيف صار هذا المسجد الذي نجتمع فيه الآن بيتها؟

لما ضاق عليها المكان من كثرة الناس في البيت الأول الذي نزلت فيه، شغَلَها الناس عن العبادة، فأرادت أن ترحل عن مصر إلى بلاد الحجاز فجاء إليها حاكم مصر وهو السَّري بن عبد الحكم، وسألها عن سبب رحيلها، وانزعاجها، فحكت له، فخصص لها يومين في الأسبوع، يأتوها الناس، ويعرضوا عليها الأسئلة، ومن يطلب منها الدعاء تدعو له، وخصص لها دارًا وهو هذا المسجد، فسكنت فيه وأصبح دارها إلى أن انتقلت إلى جوار ربها.

وما قصة المقام ؟
 عندما انتقلت رضي الله عنها وأرضاها إلى جوار ربها جاء عبيد الله بن السَّري، حاكم مصر، بعد السَّري بن عبد الحكم - والده الذي وهبها الدار  وبنى فوق القبر شيئا كـ مزار، وكان ذلك أول شيء يُبنى فوق قبر السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها.

وكيف تطور القبر إلى المسجد الحالي ؟

بعد المزار، جاء عبيد الله بن السَّري بن الحكم، وبني قُبّة فوق قبرها، وظل هذا الأمر إلى أن جاء أمير الجيوش بدر الدين الجمالي سنة 482 هجريا، وبنى قُبّة كبيرة للسيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها - بدر الدين الجمالي هو من يُنسَب إليه حي الجمالية الذي يُقال عنه أنقذ مصر من المجاعة التي تعرضت لها" .

بعد ذلك أًعيد تجديد القُبّة في عهد الخليفة الفاطمي، وهو الحافظ لدين الله، سنة 532 من الهجرة، وكسا المحراب - المقام من الداخل – بالرخام .

ثم جُدِّد المقام في سنة 1170 من الهجرة في عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا، وهو من بني مسجد بجوار المقام، وفي عام 1320 من الهجرة حُرق المسجد - وهو المسجد الحالي - وأعاد بنائه الخديوي عباس حلمي الثاني، أما الخديوي عباس حلمي الأول فجدد الضريح نفسه من خشب إلى مقصورة نحاس ظلّت إلى أن نُقلت منذ عامين إلى مسجد سيدي بن عطاء الله السكندري.

لماذا اشتهرت صاحبة المقام رضي الله عنها وأرضاها بنفيسة العلم ؟

نفيسة العلم لأنها كانت تتعلم العلم في المدينة المنورة، وتجلس في مجالس الفقه، وكانت تلميذة للإمام مالك، وقد أعطاها الله علوم الشريعة بعد أن اجتهدت في تحصيلها، وأفاض الله عليها من العلم اللّدُنّي، وهي العلوم التي يمنحها الله للصفوة من خلقه، لذلك اشتهرت السيدة نفيسة ولقِّبت بنفيسة العلم، أي أنها حصّلت العلوم.

لمن لا يعلم .. ما هو العلم اللدُنّي ؟

هو العلم الذي يأتي من لدّن الله عز وجل، يهبه لمن يشاء من عباده، قد يستخدمه المُتلقّي في فهم موقف من المواقف، أو تفسير آية من آيات الله بفهم يُنبّئ عن عمق كبير يتحصل من هداية الله، ذُكر في قصة موسى والعبد الصالح الخضر، قال تعالى :(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) صدق الله العظيم.

وما قصة رسول الإمام الشافعي ؟

لما جاءت مصر التقت الإمام الشافعي، كان هو أيضًا تلميذا للإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يأتيها في رمضان يصلي بها صلاة التراويح، وكان يطلب منها الدعاء، وكانت تُثني على عبادته، وعلمه.

الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، كان عنده داء في بطنه، فكان كلما مرض يبعث إليها رسولاً يطلب منها الدعاء، وكانت تدعو له بالشفاء، آخر مره جاء هذا الرسول إلى السيدة نفيسة لم تدعو فيها بالشفاء، وإنما قالت رحم الله الشافعي، أو يرحم الله الشافعي كان يُحسن الوضوء، فلما جاء الرسول إلى الإمام الشافعي عَلِم أنه سينتقل إلى جوار ربه، فالسيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها واحدة من بيت النبوة.

من هو زوجها رضي الله عنها وأرضاها ؟

زوجها اسحق المؤتمَن بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين، هو جَدُّه سيدنا الحسين، وهي جدها سيدنا الحسن اللذان هما سِبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما تزوج بها الإمام اسحق المؤتمَن قال العلماء : اجتمع في بيتهما نوران، نور الإمام الحسن ونور الإمام الحسين .

وما قصة دفنها في مصر بدلًا من بلاد الحجاز موطن نشأتها ؟

عندما انتقلت إلى جوار ربها رضي الله عنها وأرضاها، جاء زوجها لأنها قد أرسلت إليه أثناء المرض أن يأتي، جاء ليحملها إلى البقيع لتُدفن هناك فمن عادة بني هاشم وأهل بيت النبوة والعرب أن نسائهم لا يُدفنوا إلا بجوارهم، وهناك كانت نشأتها، فأراد أن يحملها إلى البقيع لتدفن هناك فحزن المصريون، وذهبوا إلى زوجها يطلبوا منه أن تبقى السيدة نفيسة وتُدفن في مصر، وذهبوا إلى حاكم مصر، وعرضوا عليه عطايا، لكنه رفض، فلمّا نام في تلك الليلة زوجها إسحق المُتوّج، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يا إسحق دع نفيسة لأهل مصر فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها.