مخاوف من تصاعد التوتر بين بولندا وبيلاروسيا

بوتين يحذر بولندا من شن اعتداء على بيلاروسيا
بوتين يحذر بولندا من شن اعتداء على بيلاروسيا

منذ نقل قوات مجموعة فاجنر الروسية إلى بيلاروسيا، عقب التمرد الفاشل ضد روسيا، يساور دول البلطيق (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) بالإضافة إلى بولندا القلق من امتداد محتمل للحرب نحو أراضيها، ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية تطالب دول البلطيق بتحويل قواعد الناتو الموجودة على أراضيها إلى قواعد دائمة.


 فى الاسبوع الماضى تصاعد التوتر بين بيلاروسيا وبولندا بعد اتهام الأخيرة مينسك باختراق أجوائها، وقبل ذلك قالت إنها تحشد مرتزقة فاجنر الروس قرب الحدود البولندية، بهدف زعزعة استقرار الجناح الشرقى لحلف الناتو، الأمر الذى قد ينزلق لصراع مسلح بين البلدين قد يصل لحرب عالمية ثالثة.


وأرسلت وارسو طائرات مروحية، ونحو ألف من جنودها إلى الحدود بعد اتهامها بيلاروسيا بانتهاك مجالها الجوى وحشد مرتزقة فاجنر على الحدود المشتركة،  وقال الجيش البولندى إن طائرات هليكوبتر تابعة لجيش بيلاروسيا عبرت الحدود البولندية؛ مما زاد من التوترات. وتم استدعاء القائم بالأعمال فى بيلاروسيا لتقديم تفسير. من جانبه نفى الجيش البيلاروسى أى انتهاك من هذا القبيل واتهم بولندا، العضو فى حلف الناتو وأحد أكثر مؤيدى أوكرانيا حماسة فى صراعها مع روسيا، باختراع هذا الاتهام لتبرير زيادة عدد قواتها على الحدود.


وتدرس وارسو مع ليتوانيا التدخل العسكرى المباشر فى أوكرانيا، وحصّنت حدودها مع بيلاروسيا بسياج على مسافة 186 كيلومترا وبارتفاع 5.5 أمتار، كما قامت بنشر صواريخ «هيمارس» الأمريكية، وتنوى شراء أنظمة الدفاع الجوى الأمريكية «باتريوت» بنحو 15 مليار دولار. وأعلنت زيادة كبيرة فى الإنفاق الدفاعى بمعدل 4% من إجمالى الناتج المحلي. 


وسمحت بيلاروسيا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستخدام محدود لأراضيها كنقطة انطلاق لغزو أوكرانيا، لكن رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، أقرب حليف لروسيا لم يشرك قواته بالحرب. يرى المحللون انه من خلال نشر قوات من كل من الغرب (كاليننجراد) والشرق (بيلاروسيا) ، ستكون روسيا قادرة بشكل فعال على عزل دول البلطيق عن حلفائها فى الناتو فى وسط وغرب أوروبا. وقد يسمح هذا لبوتين بغزو دول مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا . وهو ما قد يدفع القادة الغربيين فى الكتلة لإعادة التفكير فى إستراتيجيتهم للأمن القومى فى مواجهة بوتين.
فإذا نشرت روسيا قواتها فى فجوة سوالكي،  -وهو شريط رفيع من الأرض بين بولندا وليتوانيا، طوله 60 ميلًا ويمثل أهمية استراتيجية لحلف شمال الأطلسى والاتحاد الأوروبى وروسيا وبيلاروسيا.-، فمن المحتمل أن يؤدى ذلك لرد فعل عسكرى فورى من دول الناتو الأخرى ،. ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تشير إلى أن روسيا مستعدة لتصعيد مواجهتها مع الناتو إلى حرب واسعة النطاق والمخاطرة بتصعيد نووى من كلا الجانبين.


بيلاروسيا هى الدولة الأقرب سياسياً وتاريخياً لروسيا، وبولندا هى أكثر دول أوروبا الشرقية عداءً لموسكو، وهى الآن أبرز داعمى أوكرانيا؛ إذ تعد ثالث دولة من حيث حجم المساعدات المقدمة لكييف بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وعلى قدم المساواة مع ألمانيا ذات الاقتصاد العملاق. كما أن جزءاً كبيراً من الأسلحة والذخائر التى يقدمها الناتو لأوكرانيا تأتى عبر الحدود البولندية،
فى الأسبوع الماضي، اتهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بولندا بأنها تضمر طموحات إقليمية تجاه بيلاروسيا، وقال إن روسيا ستعتبر أى هجوم على جارتها بيلاروسيا هجوماً عليها. ويعتقد أن روسيا تحتفظ بنحو 10 آلاف جندى فى بيلاروسيا وأجرت الدولتان تدريبات مشتركة بانتظام كجزء من تحالفهما العسكري، ولكن ما لم يتم التركيز عليه فى الإعلام الغربى المنتقد لرئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو أنه يبدو أنه رفض ضغوطاً من بوتين لإرسال قوات للمشاركة فى حرب أوكرانيا، فهو حريص على الحفاظ على استقلاليته عن روسيا، إضافة لتركيزه على الوضع الداخلى والاقتصادى.


كانت الحدود بين بولندا وبيلاروسيا بالفعل ساحة للتوتر قبل عامين، بعد أن بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا فى الوصول، سعياً لدخول الاتحاد الأوروبى عن طريق العبور لبولندا، وكذلك ليتوانيا. بغض النظر عن موازين القوى بين البلدين فإن كليهما يستند بالأساس لقوة حلفائه الكبار، فروسيا فى جانب بيلاروسيا، وأمريكا والاتحاد الأوروبى فى جانب بولندا، مما قد يعنى أن حرباً بين البلدين قد تعنى حرباً بين روسيا والناتو أى حرب عالمية ثالثة محتملة. لوكاشينكو هو حليف بوتين الأقرب بلا منازع، وبيلاروسيا هى بلد شقيق لروسيا كما أن اقتصاد مينسك يعتمد على موسكو بشكل كبير خاصة بعد معاقبتها من قبل الغرب. فى المقابل، بولندا تعد الركيزة الأساسية لاستراتيجية أمريكا لخلق قوة مناوئة لموسكو فى أوروبا الشرقية فى ظل الضعف الشديد لدول البلطيق الثلاث التى تشارك وارسوا الحماس فى العداء لموسكو، مقابل الحذر الذى تتسم به سياسة دولة مثل رومانيا تجاور أوكرانيا وتشارك روسيا فى البحر الأسود رغم أنها تعد من أكبر دول شرق أوروبا سكاناً. ورغم حرص كل الأطراف على تجنب سيناريو وقوع حرب بين بيلاروسيا وبولندا، قد تؤدى بدورها لتورط روسيا والناتو، ولكن لا يمكن استبعاد أن ينزلقا إليه خاصة أن الطرفين يتبادلان التصعيد.