وبقيت دمائها وحذائها الصغير l «قمر» ضحية زوجة الأب

الطفلة قمر
الطفلة قمر

حبيبة‭ ‬جمال

رحلتها مع الحياة كانت أقصر من اللازم، يمكننا أن نعتبرها سحابة صيف رقيقة في يوم مشمس شديد الحرارة مرت واختفت قبل أن ينعم من حولها بظلها.. كانت قمر وهي بالفعل اسم على مسمى، مجرد ضيفة على الدنيا لم تطل فترة إقامتها فيها سوى ١٠ سنوات، ورحلت بعدها بأيدي الغدر المتجسدة في صورة زوجة الأب؛ التي ذبحتها ومثلت بجثتها بكل خسة وبشاعة، دون أن يطرف لها رمش أو تذرف عليها دمعة واحدة، والسبب المعلن لهذه الجريمة والدافع الرئيسي لها هو الحقد الذي ملأ قلبها نحو هذا الملاك البريء الذي لم يسيء إليها أو لغيرها.. تفاصيل تلك الجريمة البشعة ترويها السطور التالية.

قمر ناصر، طفلة تبلغ من العمر ١٠ أعوام، ملامحها في غاية الجمال، اسمها قمر، وهي بالفعل قمر؛ كأنها وردة جميلة، ذات شعر أسود داكن، طفلة لا تفقه شيئًا في الحياة ولا تفكر إلا في اللعب صيفًا وفي دراستها مع بدء العام الدراسي، لا تعرف للغدر معنى، تلمسها البراءة في كل حركاتها وتملأ نظراتها الفرحة، هي الابنة الثانية لأسرتها والبنت الوحيدة، لذلك حظيت باهتمام ورعاية كل من يعرفها، ضحكتها كانت تملأ أركان البيت، عاشت قمر حياة هادئة مطمئنة مع أسرتها في بيت بسيط بمنطقة شط جريبة التابع لمحافظة دمياط؛ منذ ٤ سنوات تبدل كل شيء في حياة تلك الصغيرة؛ انفصل والدها عن والدتها، وعاشت قمر هي وشقيقاها في بيت جدتها لمدة ثلاث سنوات، حتى توفيت الجدة، ووجد الأب نفسه مسئولا عن ثلاثة أطفال وهو لا حول له ولا قوة، يعمل ليلا ونهارا لدرجة أنه يخرج من البيت كل يوم من الثامنة صباحا ويعود ١١ مساءً، حتى يستطيع أن ينفق عليهم، لم يجد الأب مفرًا من أن يتزوج ويأتي لهم بزوجة أب تكون أمًا لهم، حتى وقع اختياره على ميار عوض؛ تلك الفتاة التي تسكن بإحدى القرى المجاورة لهم، لم يكن ذلك المسكين يدري أنه سيتزوج شيطانة، لا تعرف للرحمة معنى، ولا تعرف الحنية طريقا لقبلها، استطاعت أن تمثل دور الملاك أمام الأب المخدوع، ولما لا وهي تمتلك كل أدوات التمثيل، صغيرة في السن، جميلة الملامح، لكنها للأسف شيطانة تجسدت في صورة إنسان، منذ الوهلة الأولى وهي تكره قمر وتغير منها ومن حب والدها لها، والأب المسكين لا يدري ماذا يحدث مع ابنته طوال اليوم، فزوجة الأب حولت حياة الطفلة لجحيم، وهي لا حول لها ولا قوة، لا تجد والدها حتى تحكي معه أو تعبر عن حزنها؛ فالأب يأتي ليلا منهكا من التعب لدرجة أنه في أوقات كثيرة ينام دون أن يأكل. 

مرت الأيام والشهور حتى أنجبت ميار طفلة، ومن هنا بدأت شرارة الحقد تكبر يومًا عن يوم، حتى اتخذت قرارًا بألا تعيش قمر معهم في نفس الشقة، وكأنه انكتب على هذه الصغيرة التنقل من بيت لبيت، استقر الأمر أن تعيش مع عمها الذي يسكن في الطابق الأسفل، كان يحبها جدا وهي أقرب إليه من نفسه فهي في غلاوة أطفاله، اعتقد الجميع أن الأمور استقرت، لكن يبدو أن ميار أعمتها الغيرة؛ فتجردت من إنسانيتها ارتدت عباءة الشيطان وأصبحت لا تعرف سوى القتل والدم، اشتدت الغيرة بقلبها، وانساقت وراء شعورها الأعمى، تناست أنها أم وأنها تحمل بين أحشائها جنينا.. أخذت تفكر وتخطط كيف تتخلص من قمر، حتى اكتملت الخطة الجهنمية في ذهنها. 

يوم الجريمة

استيقظت قمر كعادتها مبكرًا، طلب منها عمها شراء الخبز، وإحضار الإفطار، كي يذهب به لعمله كما اعتادت، فخرجت قمر ترتدي فستانا جميلا، تتدلى ضفائرها من خلفها، تجري هنا وهناك كالفراشة الجميلة، لم تكن تلك المسكينة تدري أن هناك من يترصد لها ويتابع تحركاتها، وبينما هي عائدة ومعها الخبز وأثناء صعودها السلم، نادت عليها ميار، فذهبت قمر بكل براءة تلبي طلبها، أدخلتها الشقة وهنا بدأت الجريمة، اطبقت بكلتا يديها على رقبتها تخنقها بكل جحود حتى فارقت الصغيرة الحياة، ولم تكتف بذلك بل حاولت أن تشعل النيران في الجثة، لكنها فشلت خافت من أن يفتضح أمرها، فأحضرت سكينا وطعنتها في قلبها طعنتين، ثم ذبحتها، وحملتها للحمام في محاولة منها لتقطيع الجثة، بشاعة ما بعدها بشاعة، مهما كتبنا ووصفنا لن نجد من الكلمات ما يعبر عن وحشية تلك الجريمة ومرتكبها، فالضحية طفلة لم ترتكب أي ذنب سوى أن والدها يحبها ويعاملها برفق، إذا كنا سنعتبر الحب ذنبًا. 

المتهمة ارتكبت جريمتها بكل ثبات دون أن تهتز مشاعرها أو تذرف دمعة واحدة، وكأنها في تلك اللحظة نزعت ثوب الأمومة، وانتزعت قلبها ووضعت مكانه قطع من الحجارة أو أشد قسوة.. والأصعب أنها ارتكبت الجريمة أمام طفلتها التي لم يتعد عمرها العامين، كانت الشيطانة تفكر كيف تهرب من الجريمة، حاولت توريط عم الطفلة في القضية؛ حيث حملت جثة قمر وألقت بها بالقرب من شقة ذلك العم، ودخلت شقتها تمارس حياتها طبيعيا وكأنها لم ترتكب أي جرم. 

اكتشاف الجثة

قمر بعدما أرسلها عمها لشراء الخبز، ذهب ليفتتح مقهاه وينتظر حتى تعود الطفلة للبيت، وعندما تأخرت شعر بالقلق، فذهب للمخبز وهناك أخبروه أنها اشترت الخبز ثم رحلت منذ أكثر من نصف ساعة، بدأ الرعب والقلق يدب في قلب العم، فذهب سريعا للبيت يسأل عنها، وهنا كانت المفاجأة الصادمة التي نزلت عليه كالصاعقة، عندما وجدها جثة هامدة غارقة في دمائها ملقاة على السلم، مطعون جسدها ومذبوحة، مشهد لن يتحمله أحد، ولن يمحى من ذاكرة ذلك العم، ليسقط فاقدا للوعي بعدما أطلق صرخة فزعت الجميع، وأسرعوا للبيت ليروا ماذا يحدث. 

حالة من الصدمة والذعر انتابت الأهالي، الكل يسأل من قتلها ولماذا، فهي طفلة لا حول لها ولا قوة. 

بلاغ

تلقى اللواء حسام توفيق مدير أمن دمياط، بلاغا يفيد العثور على جثة الطفلة قمر، ١٠ سنوات، من منطقة شط جريبة، مقتولة على سلم منزلها. 

انتقل على الفور رجال المباحث لمحل البلاغ، وتم فرض كردون أمني، وتشكل فريق بحث لكشف اللغز، وسؤال أهلية الطفلة والشهود، فاتهم عمها زوجة أخيه نتيجة معاملتها السيئة للضحية، وبتفتيش شقتها وجد رجال المباحث أداة الجريمة السكين وبه آثار الدماء، فتم اقتيادها للقسم، وهناك لم تصمد طويلا سرعان ما انهارت واعترفت بتفاصيل جريمتها، والسبب الغيرة والحقد، وتم حبسها. 

وعلى سلم منزل الضحية، لم يتبق من أثرها سواء قطرات من دمائها الغالية والحذاء الذي كانت ترتديه هذا ما تبقى من الملاك الصغير، التي منذ لحظة قتلها، غابت شمس السماء على استحياء وكأنها تنعي تلك الطفلة الجميلة التي راحت ضحية زوجة الأب، حالة من الحزن انتابت الجميع وأصبحوا لا يتمنون سوى القصاص العادل وإعدام المتهمة. 

تواصلنا مع حمادة ناجي حماد محامي الضحية، فقال: «الجريمة بشعة بكل ما تحمله الكلمة من معان، فالمتهمة أدلت باعترافات تفصيلية أمام النيابة ثم مثلت جريمتها وسط حراسة أمنية مشددة، وحتى الآن مازال الشيطان يسيطر عليها، فهي معترفة بكل ثبات بجريمة القتل، والسبب هو الغيرة والكراهية الشديدة للطفلة، معللة «والدها بيحبها أوي»، تم تجديد حبسها ١٥ يوما على ذمة التحقيقات، ووجهت النيابة تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لها، ونحن لن نترك حق الصغيرة وسندافع عن حقها بكل قوة ونحن على ثقة بالقضاء والقصاص العادل من المتهمة». 

اقرأ أيضًا : حبس المتهمين بقتل خفير وإصابة شقيقه بالسلام


 

;