وجع قلب

فقر التعلم والعقاد

هبة عمر
هبة عمر

لم يكن خبر رسوب أكثر من ٦٠٪ من طلبة السنة الأولى بكلية الطب فى جامعة سوهاج مثيرا للدهشة، فهو بلا شك نتاج عوامل عديدة تخص مهام التعليم قبل الجامعى، كما تخص الأسرة والطلاب أنفسهم وأسلوب التعامل مع فكرة التعليم بأكمله.

حين خضت تجربة التدريس والتدريب لطلاب جامعيين على مدى عشرة أعوام كنت ألاحظ تراجع الاهتمام والشغف بالتعلم عاما بعد الآخر، وعبر مناقشات عديدة معهم أيقنت أن الكثيرين يختارون نوع الدراسة إما إرضاءا للأسرة أو للتباهى أمام الآخرين، وأحيانا انصياعا لما يفرضه مجموع الدرجات من ترشيحات، وكان الأقل منهم من يختار نوع الدراسة حبا فيها أو لتحقيق طموح فى المستقبل، وهو مايقودهم للاجتهاد فى التعلم والسعى لاكتساب المعرفة والمهارة والخبرة حتى خارج منظومة التعليم الرسمي، عبر المشاركة فى دورات تدريبية ومتابعة القراءة الحرة فى مجال دراستهم.

لاحظت أيضا تراجع دور الأسرة  فى تنمية ثقافة الأبناء وتشجيعهم على البحث والاطلاع وإرشادهم إلى ضرورة التعلم الذاتى المستمر ، فالأهم هو تحقيق النجاح والحصول على شهادة جامعية والبحث عن وظيفه مضمونة.

وربما يكون أفقر أنواع التعلم هو مجرد الحصول على شهادة دون محتوى يفيد صاحبها ويفيد المجتمع بالتالي، بل إن هناك من حرمتهم الظروف من إكمال تعليمهم ولكنهم علموا أنفسهم ووسعوا مداركهم وأفادوا مجتمعهم أكثر من غيرهم، وسيرة الأديب والمفكر عباس محمود العقاد هى خير دليل، فقد نال شهادة التعليم الابتدائى من بلدته فى أسوان وحالت ظروف أسرته دون مساعدته على إكمال تعليمه، ولكنه علم نفسه بما هو متاح حوله، وإعتمد على حدة الذكاء الذى يتمتع به وصبر على عناء التعلم والبحث والقراءة بدأب فى كل ماطالته يداه، فقرأ فى التاريخ الإنسانى والأدب والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع ،حتى أتقن اللغة العربية واللغة الإنجليزية وأمتلك ثقافه تراكمت عبر السنوات وأهلته ليكتب مقالات بالصحف، ثم يؤسس صحيفة الدستور، ويؤسس مدرسة شعرية لتجديد الشعر، وخاض معارك فكرية وأدبية  ووضع عشرة دواوين شعرية وأكثر من مائة كتاب، وأصبح واحداً من أهم كتاب ومفكرى القرن العشرين بعد أن هزم فقر التعلم والثقافة.