الشاعرى .. زعيم الثورة الموسيقية l بروفايل

حميد الشاعري
حميد الشاعري

محمد‭ ‬كمال

في العادة ترتبط أسماء المطربين والموسيقيين ببعضهم من خلال ثنائيات شهيرة (أم كلثوم والسنباطي، وردة وبليغ، فايزة وسلطان) أو مجموعة كانت بدايتهم سويا مثل عبد الحليم حافظ ومعه الثلاثي الموجي والطويل ومنير مراد، لكن من النادر أن تجد مبدع موسيقي واحد ارتبط اسمه بجيل كام، يدين له بالفضل المطربين والجماهير سويا، عند التأريخ للموسيقى في الوطن العربي، يجب التوقف عند اسمه، تأثيره لم يتوقف فقط على التجديد الموسيقي أو إحداث نقلات نوعية أو ابتكار توظيفات جديدة لعدد من الآلات الموسيقية، بل أمتد إلى ما هو أبعد، إلى تعديل دوران عجلة الصناعة بشكل كامل.

هو أول من أدخل نظام “التراكات” إلى الوطن العربي الذي تسبب في تغيير صناعة الموسيقى، لأن هذا النظام يعتمد على المزج بين التوزيع الموسيقي والتسجيل، ومن عند تلك النقطة أعيد من جديد تشكيل صناعة الموسيقى في الوطن العربي، هو من قام بتحرير الأغنية العربية من الأشكال الكلاسيكية وأبدلها بقوالب إيقاعية تتماشى مع روح العصر.

ابتكر “المقسوم” وتحول إلى علامة جودة تحمل اسمه، أنه مفجر الثورة الموسيقية الحديثة، الملقب بـ”الكابو”، الشهير باسم حميد الشاعري، الذي سيقوم غدا باحياء حفل موسيقي كبير ضمن فعاليات مهرجان العلمين بمشاركة مع محمد منير، وللصدفة أن أول لحن قدمه الموزع الموسيقي حميد الشاعري كان لمحمد منير عام 1983 والذي حمل اسم “الطريق”، لكن لم يستمر التعاون الفني بينهما طويلا، حيث أن آخر أغنية قدمها الثنائي معا كانت “أكيد” عام 1989 أي بعد التجربة الأولى بـ6 أعوام.

من عنق الزجاجة إلى قبلة الحياة

أخرج الشاعري الموسيقى العربية بشكل عام والمصرية تحديدا من عنق الزجاجة، وأعطى لها قبلة الحياة بعد حالة الركود التي أصابت صناعة الموسيقى على مستويين، الأول متعلق بالإنتاج خلال فترة انتقالية سيطرت عليها الضبابية التي صاحبت انحسار شركات وظهور أخرى جديدة كانت لا تزال تتحسس خطواتها الأولى في السوق وكانت تحتاج فقط إلى الوقت، أما الثاني المرتبط بالجانب الفني وبشكل محدد غياب التجديد وعدم وجود موسيقى تتماشى مع روح العصر الجديد، ويرجع هذا لأن جيل السبعينيات من المطربين معظمهم أنخرطوا واستسلموا للعمل وفق معطيات جيل الملحنين الكبار الموجي والطويل وبليغ الذين كانوا في قمة سيطرتهم وهيمنتهم خلال تلك الفترة.

لم يكن تأثير جيل الملحنين الكبار على المطربين فقط بل أمتد إلى الموسيقيين الشباب الذين كانوا في بداية مشوارهم مثل عمر خيرت وجمال سلامة وعمار الشريعي، ولم يكن أمامهم سوى الهروب للبحث عن نجاح آخر موازي، من خلال تقديم الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات، وهنا فقدت بوصلة التواصل بين الأجيال الجديدة من الشباب، وبين هؤلاء المطربين لأنهم لم يعبروا عن أنفسهم أو مرحلتهم وقدموا أغنيات وفق رؤى قديمة لا تتماشى مع تغييرات المرحلة، ومع منتصف الثمانينيات وظهور جيل جديد من الملحنين الموهوبين بدأ هذا الجيل من المطربين يجدوا أنفسهم معهم ويقدموا أغنيات تواكب العصر، لكنها في نفس الوقت افتقدت إلى وجود شكل موسيقي جديد، وهو الدور الذي لعبه بإقتدار حميد الشاعري.

مفجر الثورة الموسيقية

في نهاية الثمانينات، ورغم التطور النسبي أو الفارق الملحوظ في أغنيات جيل السبعينيات، إلا أن الثورة الموسيقية التي قادها الشاعري أدت إلى تراجعهم مرة أخرى، لأنهم لم يستوعبوا سريعا تلك النقلة الموسيقية الجديدة، وبدأت تسطع أسماء جديدة كانت أكثر مواكبة لثورة الشاعري الموسيقية التي اعتمت على 3 محاور أساسية، الأول التغيير الجذري في نظام التسجيلات، الثاني سيطرة شكل التوزيع المقسوم، ثم الثالث التطوير الكبير الذي شهده نظام “الديجيتال ماستر” والذي ساهم في رفع جودة التسجيلات.

بفضل الشاعري أصبح الطريق ممهد لمسارين، الأول النقلة الكبيرة التي أحدثها بعض المطربين الذين بدأوا بالعمل وفق تعديلات العصر الجديدة التي أحدثها الشاعري في الصناعة مثل عمرو دياب وسميرة سعيد ومحمد فؤاد، والمسار الثاني ظهور جيل جديد من المطربين أعطى لهم الفرصة جميعا الشاعري ليسيطروا على الساحة الغنائية حتى العقد الثاني من الألفية الجديدة وتتصدر أسمائهم فترة التسعينيات تحديدا.

“في سكوت” ورسم خريطة الطريق

كانت ضربة البداية عام 1989 من خلال أكثر الأغنيات التي حققت شهرة وقتها للكابو وكانت “جلجلي” والتي كانت مجرد البداية التي تنذر بشكل جديد للموسيقى وخاصة المقسوم، ووفق مقولة الممثل الراحل حسن حسني في فيلم “ليلة سقوط بغداد” التي قال فيها “سيب القوس مفتوح” هكذا يمكن وصف والتعبير عن عدد المطربين الذين قدمهم الشاعري وأعطى لهم الفرصة ليشكلوا ملامح مرحلة التسعينيات وما بعدها حتى يومنا هذا.

ثم جاءت أغنية “في سكوت” عام 1991 التي رسمت خريطة الطريق لهذا الجيل، وهي الأغنية التي قدمها الشاعري بمشاركة الشباب وقتها مصطفى قمر “ملحن الأغنية” وإيهاب توفيق وهشام نور، الجيل الذي ظهرت معه الآن كلمة “نوستالجيا”، ذلك الدفئ الذي شعرنا به بعد طرح أغنيتين العام الماضي، هما “قادرين” و”زحمة الأيام”، حيث شارك فيهما الشاعري مع أصدقائه الأبرز وتلاميذه الأنجب من جيل التسعينيات مصطفى قمر وإيهاب توفيق وهشام عباس.

أهم نقلة في مشوار “الهضبة”

ارتبط اسم الشاعري بأول نقلتين كبيرتين في مسيرة عمرو دياب، لأنهما كان الأهم في مشواره الأولى عام 1988 خلال ألبوم “ميال” الذي قدم خلاله الشاعري التوزيعات الموسيقية لأربعة أغنيات من أصل 8 ولحن واحدة، ثم النقلة الثانية لـ”الهضبة” والتي كانت في 1996 مع ألبوم “نور العين” الذي تولى الشاعري مسئولية توزيعه الموسيقي بالكامل، وكان توزيع الأغنية التى حملت اسم الألبوم تحديدا جديدا وقتها حيث أعاد الشاعري التوزيع المعروف باسم “الملفوف” ليظهر على الساحة من جديد، وأيضا الاعتماد بشكل أساسي على المزج بين فاصل الجيتارات الإسبانية الغربية وآلة “الأوكرديون” شديدة الشرقية، بالإضافة إلى التوظيف المثالي للطبول و”البركشن” خاصة في البناء النغمي للأغنية.

إعادة أنماط جديدة

لم يكن “المقسوم” أو “الملفوف” أو “الجيتارات الإسبانية” فقط الأنماط التي أعاد تشكيلها حميد الشاعري، بل أيضا “السالسا” في بداية الألفية مع أغنية “طول عمري” لللبنانية نوال الزغبي، ويحسب للشاعري أيضا تجربته في تقديم أغنيات الموهوب الراحل محمد فوزي بتوزيعات جديدة في ألبوم حمل اسم “حلاوتك يا فوزي”، ونفس الأمر في التطوير الذي شهدته الأغنية الشعبية من خلال تجربة الشاعري في تقديم حكيم لأغنييات مثل “نظرة” ثم “نار”، وأيضا أغنية “لولاكي” لعلي حميدة التي تعد من أكثر الأغنيات تحقيقا للنجاح في التاريخ والتي كانت من توزيع الشاعري نفس الأمر “السقفة” في الخلفية الموسيقية لأغنية “عيني”، وأيضا إقدام “الكابو” على تقديم موسيقى “الكحة” في تجربة فريدة من نوعها خلال ألبوم “قشر البندق” الذي شارك الشاعري في بطولة الفيلم الذي يحمل نفس الاسم مع المخرج خيري بشارة.

اقرأ أيضًا : «حفل محمد منير».. مهرجان العلمين يواصل فعالياته المتنوعة حتى 26 أغسطس


 

;