عاجل

«المقهى» قصة قصيرة للكاتب سمير عبد العزيز

سمير عبد العزيز
سمير عبد العزيز

كعادته بعد أن يتناول طعام  العشاء يرتدي ملابسه ووجهته مقهى الشهبندر القريبة من منزله ...ذهابه إلى المقهى بمثابة نسمة هواء باردة ومنعشة، يستعيد بها روحه التي كانت تختنق أمام ما يصدر من زملائه في العمل من تناقضات وازدواجية في الأقوال والأفعال وينفض عن نفسه ما علق بها من هموم .

يدلف داخل المقهى الذي يحتضن مكانه المفضل  ويجلس على  طاولته المعتادة..الرفاق يستقبلونه بالترحيب ....يحضر  له النادل الشيشة والقهوة .. يرتشف بتلذذ أول رشفة من القهوة  ثم يأخذ نفسا من الشيشة وهو يجذبه بقوة إلى أعماق صدره ليخرج بعدها هالة من الدخان...

 

بجواره وعلى طاولة أخرى يجلس بعض الرفاق يلعبون الدومينو وأصوات هادرة يخرجونها إذا ما لعبوا دورا جيدا فضلا عن صوت ارتطام قطع الدومينو بالطاولة، في زاوية بعيدة عنه يجلس بعض رواد المقهى من الفتية والشباب يشاهدون مباراة لكرة القدم عبر شاشة التلفاز، يجلس أمامه  أحد رواد المقهى في ركن منها اعتاد أن يراه في نفس المكان، وهو ناصر بيومي الموظف  بهيئة البريد في منتصف العقد الخامس من عمره ..نحيف متوسط القامة مستطيل الوجه .. غائر العينين .. ماتت زوجته وتركت له ثلاثة من الذكور في مرحلة الشباب  دفعه حبه لها برفض الزواج من امرأة أخرى بعدها ...

يجلس إلى جواره احمد شيكو شاب في العقد الرابع من عمره .. طويل القامة مستدير الوجه أبيض البشرة  مجعد شعر الرأس وله شارب خفيف ،غير متزوج يعمل نقاشًا ليعول نفسه ويرعى شقيقة الأصغر المعاق ذهنيا وعلى مقربة منهما يجلس أبانوب الشاب الثلاثينى .. معيد بكلية الفنون الجميلة ... اعتاد أن يضع اللاب توب أمامه على الطاولة لينجز أعماله وتحتضن شفتاه مبسم الشيشة..هاجمته غيبوبة السكر أكثر من مرة وهو في المقهى وكان يتم تدارك الأمر بسرعة.

نادى على النادل لتغير حجر الشيشة ..جاءه مسرعا .. رفع الحجر المحترق ووضع الجديد ورص فوقه جمرات الفحم..خلت الطاولة التي بجواره وبعد برهة من الوقت جاء الحاج أحمد الهلالي وهو صاحب محل لبيع قطع غيار السيارات في الخامسة والسبعين من عمره .. قصير القامة مستدير الوجه ذو بشرة خمرية القى عليه التحية وجلس على الطاولة ..كانت علامات الضيق واضحة على قسمات وجهه .. أحضر له النادل الشيشة والشاي وكعادته أعاد رص جمرات الفحم على وجه حجر الشيشة وشد أنفاسا متتالية من المبسم حتى ملأ الدخان فمه وأخرجه من أنفه في خيط طويل .. فضفض معه عن ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات وندرتها...و..و... اكتفي  بالاستماع والنظر إلى هاتفه المحمول يتابع ما ينشر عبر صفحته على الفيس بوك ..جذب انتباهه بوست ينعي صديقا قديما له لم يره منذ سنوات..اعتراه الضيق وتملكه الحزن والأسى ..استدعى النادل ..أعطاه النقود وغادر المقهى .