رحلة «عادل إمام» بقلم «غريب»

رحلة «عادل إمام» بقلم «غريب»
رحلة «عادل إمام» بقلم «غريب»

فى إطار أنشطة الدورة السادسة عشرة  ل المهرجان القومى للمسرح المصرى أصدرت إدارة المهرجان مجموعة من الكتب المهمة على رأسها الكتاب الخاص ب الفنان الكبير عادل إمام الذى تحمل الدورة الحالية اسمه، الكتاب عنوانه «عادل إمام.. شاهد شاف كل حاجة» من تأليف الناقد الفنى الكبير أشرف غريب، والكتاب يقع فى مائتى صفحة، ويضم مقدمة وثمانية فصول وملاحق تتضمن القوائم الكاملة لأعمال الفنان الكبير فى المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون إلى جانب ملف كامل لصور «عادل إمام» فى الفن والحياة، ويقول المؤلف أشرف غريب: حقق الزعيم كل ما حقق على مدى ستين عاما متكئا على أمرين أولهما الالتحاف بالناس، والتدثر بهم، ولم لا وهو واحد منهم، أتى من بينهم؟ هو ابن شوارع كما يعبر عن نفسه بخفة دمه المعهودة، ومن أتى من بين الناس يصبح من السهل عليه الوصول إليهم، والتأثير فيهم، وهذا يجسد تعقيب أديب نوبل نجيب محفوظ معلقا على تجربة عادل إمام بأن الشارع لا يختار إلا من ينجح فى ضبط أوتاره على أفراحه وأحزانه، وهذا ما فعله -بالضبط- «عادل إمام».

اقرأ ايضاً| بشائر الجمهورية الجديدة لعشاق القراءة ..الكتب ستصل إليكم فى أماكنكم

أما الأمر الآخر الذى ضمن لعادل إمام الحفاظ على مكانته الخاصة طوال كل هذه السنوات هو قدرته اللافتة على إدارة موهبته، أو بالأحرى إدارة نجوميته، إذ عرف متى يتقدم ومتى ينسحب، متى يقبل ومتى يرفض، متى يظهر ومتى يختفى، متى يرد على الشائعات، ومتى يتركها تتبخر من تلقاء نفسها، بمعنى أدق متى يتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.. ويضيف غريب: عادل إمام غير المنفصل عن هموم وطنه لا يحمل على كتفيه فقط مسيرته الحاشدة، وإنما هو فى ذاته تاريخ أمة.. لقد عاصر الرجل المولود عام 1940 ملكين، أحدهما لم يحكم، وتسعة رؤساء جمهورية، ثلاثة منهم مؤقتون، وفترتان انتقاليتان، وأربع حروب خاضها المصربون، وثلاث ثورات غيرت وجه مصر والمنطقة بأسرها، وهو فى هذا كله عاش وانغمس، شاهد وتفاعل، لم يأخذ موقف المتفرج فى حياته، بل كان إيجابيا إلى أقصى درجة، ولذلك عندما فكرت فى عنوان لهذا الكتاب لم أجد أفضل من «شاهد شاف كل حاجة».


ويتناول الفصل الأول سنوات النشأة والتكوين فى حياة النجم الكبير أو كما يسميها مؤلف الكتاب «سنوات ما قبل الشهرة، وكيف أثرت نشأته الشعبية فى ذوقه العام، وكيف تقلب على كثير من الأفكار «الأيدلوجية» من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وصولا إلى تخرجه فى كلية الزراعة، وبداية اقترابه من الحياة الفنية، فيما خصص الفصل الثانى لعلاقة عادل إمام بأسرته لا سيما والده ووالدته وتأثيرهما فى تكوين شخصيته، وكذلك إخوته وزوجته وأبنائه الذين يعتبرهم ثروته الحقيقية، أما الفصل الثالث فيتعرض بالنقد والتحليل لتجربة عادل إمام المسرحية والسمات العامة لها التى من بينها قلة عدد مسرحياته التى قام ببطولتها منفردا (أربعة عروض فى 47 عاما)، وطول مدة سنوات عرضها ثم إلحاحه على فكرة البطل الذى يجد نفسه منغمسا أو حتى متورطا فى التعامل مع واقع مخلتف مفروض عليه سواء بإرادته، أو من دون، أيضا اختلاف طبيعة الصراع فى أعماله المسرحية، فهو ليس بين أفراد بقدر ما هو صراع بين مبادئ وقيم أتى بها البطل وبين أخلاقيات أخرى، وجدها فى الواقع الجديد الذى فرض عليه، إضافة إلى استفادته من تجربته المسرحية فى تسجيل مواقف سياسية ستظل مقترنة به إلى الأبد.


ثم يستعرض المؤلف فى فصل آخر رحلة عادل إمام فى السينما بين عامى 1964 و2010، وكيف كانت هموم الوطن وقضاياه حاضرة وبقوة فى تلك التجربة، خاصة بعد أن زادت جرعة السياسة فى أفلامه مع بداية عقد التسعينيات، وهناك فصل مهم آخر عبارة عن مقارنة عميقة بين تجربة «عادل إمام» وتجارب الأربعة الآخرين الذين نسميهم «العظماء الخمسة» فى تاريخ الفن العربى أو نجوم الشباك الكبار: أنور وجدى، ليلى مراد، عبد الحليم حافظ، وسعاد حسنى، ولأن «إمام» وعلى مدى رحلته الطويلة كان ولا يزال صاحب رأى ووجهة نظر، لم يترك هما إنسانيا أو قضية عامة أو حتى أمرا شخصيا إلا وأعلن فيه موقفه صريحا واضحا دون أدنى مواربة.. فإن الفصل السادس من الكتاب يضم مجموعة من الآراء أو الأقوال التى أدلى بها وتشكل فى النهاية ملامح شخصية هذا الفنان الكبير وقناعاته الخاصة، وفى الاتجاه المعاكس يأتى الفصل السابع متضمنا آراء العديد من الأسماء المهمة فى عالم الفن والأدب والصحافة فى تجربة الفنان الكبير، قبل أن يختتم المؤلف كتابه الممتع بمجموعة من المقالات أو الشهادات التى كتبها أصحاب الرأى التى تلخص مواقفهم من تجربة عادل إمام العريضة فى الفن والحياة.


وهكذا تؤكد تجربة عادل إمام-كما صاغها أشرف غريب فى كتابه-أنه لم يكن يوما «شاهد ما شافش حاجة»، وإنما كان فاعلا ومتفاعلا مع كل ما مرت به مصر من أحداث فنية أو عامة.