د. أشرف غراب يكتب: الدين الذى يُريده الغرب!

 د. أشرف غراب
د. أشرف غراب

حتى الآن لم أجد مُبررًا واحدًا لقيام أحد مواطنى السويد بحرق المصحف سوى الصفاقة والوضاعة والخروج عن المألوف، فأين حرية التعبير فى هذا الفعل القبيح، وهل من الحرية أن أحجر على الآخر قُدسية دينه، وأُشوِّه صورته وصورة أنبيائه وأتباعه، وأجعلهم عُرضةً للإساءة فى كل وقتٍ وحين؟.. أليس غريبًا أن تُسب الأديان وتُلعن وتُهان كُتبها السماوية على يد عُشاق الشواذ والإباحية، ومَنْ يكيلون بمكيالين فى الميزان بوقوفهم مع طرفٍ ضد آخر لمجرد خلاف المصالح والمطامع، فإذا كانت السويد ذاتها التى تُهاجم روسيا لأجل أوكرانيا، وتعتبر ذلك حقًا لها، فلماذا لم تُنصف أحد طرفى السودان مثلًا على الآخر أو تتدخّل ولو بكلمة للتهدئة، وأُجيبك بأنها موجودة حيث وُجدت مصالحها.. مصالحها وفقط!!

إذا كان التطرف يظهر لدى شخصٍ فى الدولة، فعلى مسئوليها أن تصده وترده وتأخذ موقفًا مع كل مَن يُخالف مبادئها وأعرافها ويُفسد علاقاتها الدولية بجيرانها أو محيطها وعالمها، لكن الصمت على هذه الأفعال من الجهات الرسمية بها شراكةٌ فى الجريمة، ويُعدُّ إقرارًا للفعل وقبولًا له، وهى لا ترى فى ذلك إلا يقينها وعقيدتها التى تدينها، ولولا مثل هذه الأفعال ارتكبت على مرأى ومسمع الجميع شعوبًا ودولًا، مسئولين وأشخاصًا عاديين، لكان يظن العامة أن السويد بلدٌ متقدمٌ وراقٍ، يحترم الأديان والأعراق والحضارات ويعيش جارًا آمنًا للجميع.

تقليد الدنمارك للسويد فى إهانة المصحف لا يُقلل من شأن كتابنا فى شىءٍ، ولا يخدش حياء ما جاء به وعَرفه الناس عنه، لأنه كلما رأينا - نحن المسلمين- هذه التصرفات الحمقاء سريعًا نعود لنتلوا آياته ونُواصل حفظه وتلاوته، فقد كنا غافلين عنه بالأمس، وبُورك لمن ذكَّرنا بواجبنا نحو قرآننا الذى غفلناه لبعض الوقت، وكم من صور على المراحيض العامة ألصقوها كان أهلها ملء السمع والبصر، وذا شأنٍ من السُمعة والمكانه، لكنه الحقد والضغينة والحسد اللا متناهى الوجود، ويكفى أن نعلم أن كتاب الله طاهرٌ لا ينجس بالأيادى التى تلمسه أو تحرقه أو حتى تُمزقه وتُقطِّعه وتفعل به ما تشاء.

لا ينتهى الأمر عند أولئك المتناقضين فى أفعالهم بدعوة حرية التعبير عند سب كتاب مقدس، ودين يتبعه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ويزيد، وتأجيج مشاعر أتباعه، بل إنهم فى الوقت نفسه، وتأكيدًا على استهدافهم الإسلام بالتحديد أنهم يرتكبون بحق المسلمين ما هو أبشع وأضل سبيلًا، نكايةً لهم وتعنيفًا وازدراءً، حيث يقومون وتحت ذريعة حماية الأطفال، بحرمان بعض الأمهات المسلمات النازحات من بلداهن التى ذرعوا فيها بذور الفتنة وخرّبوها من أبنائهن وبناتهن بالمخيمات التى خصصوها لهن على أراضيهم، وتسليمهم لمؤسساتهم المشبوهة؛ إما لتوزيعهم على من لا يُنجب منهم ليدين بدينه، أو استغلالهم فى الخدمة المنزلية وكثيرًا لنقل الأعضاء، مما يُوحى بنهج الإسلامو فوبيا الذى يأخذونه مسلكًا فى التعامل مع الإسلام والمسلمين فى كل مكانٍ يتواجدون به.

ومن المُضحكات المبكيات أن السويد والدنمارك أنفسهما يدعمان حملات الشواذ بالبلاد الإسلامية والعربية، ويُطالبان بتقنين أوضاعهم قانونيًا فى هذه البلدان، لنشرهم فيها وإطلاق أيديهم لإفساد النزعة الدينية والتنكيل بأخلاق أتباعها وسِيرهم، ويضخان المزيد من الأموال بأفلام ومسلسلات كرتونية، وبرامج وإعلانات فيها السم منزوع الدسم، على مسامع الكبار والصغار لتدمير البنية البشرية وتفكيك روابط الذوق العام وجعله ضعيفًا أمام حجب بصره عن رؤيتها، وزيادةً فى النوايا الخبيثة المستهدفة سبهما للاعبى تلك الدول بملاعبهم الرياضية، وإجبارهم على ارتكاب أفعال يرفضونها أخلاقيًا ودينيًا، وكلهم للأسف مسلمون لا غيرهم!

السويد والدنمارك نموذجٌ مصغّر للحرب القائمة، وهناك تكتلات تعبث فى الخفاء، حتى إنهما فى كل مرة يُلقيان باللوم على أشخاص وطوائف، رغم أنهما يرعيان ذلك بأنفسهما وتحت سمع وبصر أجهزتهما الأمنية وفى حراستها، ولتجميل الصورة وإظهارها على غير حقيقتها تُعلنان فى وسائل الإعلام عن وقائع مماثلة لحرق التوراة والإنجيل، لكنها لم تحدث ولن تحدث، إذا المستهدف معروف مسبقاً ومتفق عليه، ونحن كمسلمين لا نُريد حرقًا لأى كتاب مقدس ونرفض إهانة وسب أتباع أى دين.

كل ما حدث ويحدث يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الغرب أعمى لا يرى إلا أطماعه ومصالحه ودينه الذى يخدم أهدافه ومصالحه، وأنه من اخترع المؤامرات والخطط والذرائع والمكائد والأحقاد عبر الزمن، يُريد تابعين خاضعين خانعين له، لا دينًا يعظهم بهذا حلال وذاك حرام، أو يحثهم على التعامل مع جنسهم البشرى باحترام وأدب، ويدعوهم للتكافل والتعاون وإن قرأوا فى كتابه "لكم دينكم ولى دين"، لقد أصم الغرب أذنيه عن الحق، وحجب رؤيته عن الجيد الحسن، وأضاء أنواره المصطنعة لكل الموبقات؛ لإيمانه القوى بشريعة الغاب، وأن الغلبة للأقوى وليس للأتقى.

مصر دائمًا رمانة الميزان فى المعادلات الصعبة، ويكفيها وأزهرها الشريف ومؤسساتها الدينية الرسمية الأخرى صدحها بالحق، وإعلان استنكارها الشديد اللهجة، وحث رجالات الدين فيها بمقاطعة المنتجات والسلع لهذه الدول التى تتخذ الأموال والمكاسب ديدنها، والأرباح منهجها وسبيلها، وكما يُقال عض يدى ولا تعض رغيفى، فإن هذا ما يجعلهم يفكرون كثيرًا قبل ارتكاب الحماقات النكراء، ويتوقفون حمايةً لمصالحهم، فليس معقولًا إطعام من يحاول افتراسنا من ثمارنا وأراضينا وأموالنا.. حفظ الله كتابه، وحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء.