من « رد قلبى » لـ « جرى الوحوش ».. صناع الدراما يفتشون فى كلاسيكيات السينما

فيلم جرى الوحوش
فيلم جرى الوحوش

ريزان‭ ‬العرباوى

بعد أن اختفت ظاهرة استدعاء الأفلام الكلاسيكية المصرية وتغيير وسيطها الفنى سواء بتحويلها لأعمال تلفزيونية أو مسرحية, عادت تلك الظاهرة لمغازلة صناع الفن من جديد, حيث أعلن المنتج محروس المصرى عن تحويل فيلمجرى الوحوشللكاتب الراحل محمود أبو زيد والمخرج على عبد الخالق والبطولة لنور الشريف, محمود عبد العزيز وحسين فهمى, لمسلسل تلفزيونى يتم عرضه خلال الموسم الرمضانى لعام 2024 للمخرج عبد العزيز حشاد والمؤلف أحمد صبحى.

تلك الخطوة فتحت الملف من جديد للوقوف عند أسباب البحث فى الدفاتر القديمة واستدعاء أفلام الماضى؟, وهل هى فرصة تمنحها الدراما أو المسرح لتلك الأفلام فى محاولة لإعادة إحيائها من جديد بمنظور وأدوات مختلفة؟, وما مدى التحول الفنى للنص السينمائى الذى تختزل أحداثه فى ساعة ونصف أو ساعتين لتمتد فى عمل تلفزيونى إلى أكثر من 15ساعة ؟.

 من الأعمال التى شهدت هذا التحول الفنى, فيلم “نحن لا نزرع الشوك” للمخرج حسين كمال وبطولة شادية ومحود ياسين, تم تقديمه للدراما فى عمل من بطولة آثار الحكيم وخالد النبوى.

وتم إنتاج مسلسل “رد قلبى” لمحمد رياض ونرمين الفقى, وإخراج أحمد توفيق، بعد أن تم تقديمه فى فيلم عن رواية ليوسف السباعي أخرجه عز الدين ذو الفقار بطولة شكرى سرحان، ومريم فخر الدين وهند رستم.

وهناك أيضا فيلم “الباطنية” لنادية الجندي والذي قدمته تلفزيونيا غادة عبد الرازق، وفيلمى “ الكيف” و”العار” للكاتب الراحل محمود أبو زيد، والأخير جمع نور الشريف، وحسين فهمي، ومحمود عبد العزيز، وقدمه تلفزيونيا مصطفي شعبان، أحمد رزق، وعلا غانم، وأفلام أخرى مثل “لا تطفئ الشمس” وهو رواية للأديب احسان عبد القدوس وإخراج صلاح أبو سيف, بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى, تم تقديمه تلفزيونيا من بطولة ميرفت أمين ومحمد ممدوح وأمينة خليل, كذلك فيلم “الزوجة الثانية” لسعاد حسنى تم تقديمه للتلفزيون فى عمل من بطولة أيتن عامر وعمرو عبد الجليل, وفيلم “بين السما والأرض” الذى تم تقديمه  للتلفزيون من بطولة هانى سلامة.

الوسيط المسرحى كان حاضرا أيضا فى هذه الظاهرة حيث تم تحويل فيلم “زقاق المدق” للمخرج حسن الإمام والمؤلف سعد الدين وهبة وهو رواية للأديب العالمى نجيب محفوظ وبطولة شادية ويوسف شعبان, تم تحويله لعرض مسرحى من بطولة دنيا عبد العزيز, بهاء ثروت وكريم الحسينى ومن إخراج عادل عبده.

أما فيلم “ريا وسكينة” فقد تم تحويلة للدراما التلفزيونية من بطولة عبلة كامل وسمية الخشاب كما قدمته أيضا الراحلة شادية وسهير البابلى للعرض المسرحى.  

تحدى ومسئولية

وبالنسبة للمشروع الجديد وتحويل فيلم “جرى الوحوش” لمسلسل تلفزيونى, فقد أكد السيناريست أحمد محمود أبو زيد على هذه الأنباء, نافيا ما تردد بشأن رغبة المؤلف محمود أبو زيد فى تحويل الفيلم لمسلسل قبل وفاته, ويقول: “الفكرة جاءت بناءا على رغبة الجهة الإنتاجية فى تحويل تلك الأعمال السينمائية لنسخة تليفزيونية, طبقا لرؤيتها لمدى صلاحيتها وتوافر العناصر المطلوبة لاكتمال هذا المشروع الفنى, فلم تكن رغبة الوالد قبل رحيله على الإطلاق”.

وعن إسناد المهمة لمؤلف آخر, يعلق قائلا: “قدمت سابقا المعالجة الدرامية لفيلمى “الكيف” و”العار”عند تقديمهما للدراما التلفزيونية وكلاهما للراحل محمود أبو زيد, واكتفيت بالتجربتين، إضافة إلى إنشغالى بأعمال أخرى حالت دون تفرغى لتقديم التجربة الجديدة لفيلم “جرى الوحوش”, كما أن المؤلف أحمد صبحى والمخرج عبد العزيز حشاد لهما رؤية مميزة للعمل بمعالجة درامية ممتازة وبلورة الفكرة بشكل معاصر مع الاحتفاظ بمضون الفيلم, وعندما أطلعت عليها وجدتها مكتملة الأركان, فما المانع من ذلك؟, بالعكس شجعتهم على استكمال المشروع بعد اتمام كافة الإجراءات القانونية المطلوبة, فلم يتم اتخاذ أى خطوة إلا بعد اكتمال تلك الإجراءات, فأفلام والدى ليست حكرا لى, وأولا وأخيرا هى أعمال تعتبر من التراث السينمائى ومن حق أى صانع فنى أن يضيف إليها.

وعن اختيار الأبطال، يقول: هى مسألة ليست من اختصاصى فهى تفاصيل إنتاجيه تجارية بحتة خاصة بالقائمين على العمل, وما يهمنى فى المقام الأول هو الموضوع وكيفية الطرح, وأثق فى اختياراتهم فبالتأكيد هدفهم السعى نحو الأفضل فى الترشيحات لممثلين محترفين, وعملا بمقولة الأديب العالمى نجيب محفوظ “لا تسألنى عن الشريط السينمائى.. إسألنى عن القصة المكتوبة”, عندما كان يتم تحويل أعماله الأدبية الى أعمال فنية, والنتيجة النهائية سواء النجاح أو الفشل فهى نتيجة عائدة لصناع العمل الجديد.

ويتابع قائلا: فكرة الاقتباس السينمائى ليست جديدة إلا أنها قد تواجه تحديات وانتقادات, ومع ذلك أرفض الاتهام بالإفلاس, وأرى أن من يطلق هذه الاتهامات فهو ينظر للموضوع بأفق ضيق, فالتجربة بمثابة اختبار صعب جدا للمؤلف والمخرج وكل العاملين بالمشروع، فهم يعلمون جيدا أنهم فى بؤرة الضوء وتحت مجهر النقاد والجمهور وبصدد منافسة من نوع خاص, منافسة للعمل الأول الذى هو بالتأكيد عمل ناجح راسخ فى وجدان الجمهور, وبالتالى هو مطالب بتقديم عمل يضاهى نجاح العمل الأول لضمان تحقيق عنصر الجذب المطلوب وشد انتباه المشاهد لمتابعة نفس التيمة برؤية جديد, فهو ليس فشلا أو إفلاسا بالعكس هو قوة وتحدى ومسئولية، ليس بإمكان أى مخرج أو مؤلف أو ممثل تقديمها, وفى نفس الوقت مسألة العمل على فيلم بأحداث مختزلة فى ساعة ونصف ليتم تحويلها لمسلسل مدته على الأقل 15 ساعة دون مط أو تطويل، فحجم الإبداع والجهد المطلوب هنا أكبر بكثير ويتطلب كاتب محترف متمكن من أدواته, لذلك أرفض مصادرة الأحكام والحكم على التجارب قبل تقديمها أو الاتهام بأنه إخلال بالتاريخ والتراث الفنى السينمائى, فهى ليست تابوهات لا تقبل التغيير، والفن تواصل وإضافة, وأبسط مثال قصة “روميو وجوليت” التى تم تقديمها مرارا وتكرارا وبأشكال فنية مختلفة, هل هناك من زعم بإفساد التاريخ؟, فكل التيمات العالمية الناجحة تم تقديمها أكثر من مرة وبوجهات نظر مختلفة، وفى كل مرة كانت تعتبر إضافة فنية حافظت على التيمة الأساسية، ولكن ما بين السطور هناك خيال خصب للمؤلف والفنان.

ويضيف: الأعمال السينمائية هى كائن حى بذاته فى وجدان الجمهور ولكن هناك أجيال كثيرة لم تشاهد تلك الأعمال فهى فرصة لزيادة المعرفة بها, فالفضول قد يدفع البعض للبحث عن الأصل لمشاهدته وبذلك هى مساهمة فى إحياء العمل من جديد, فالتلفزيون غول لايستهان به وتقديم نسخة تلفزيونية فى عصرنا هذا أرى أنها أهم وأكثر تحدى, والأهم الاتقان فى الصنع لكى يحقق الهدف المطلوب”. 

نظرية خاطئة

اختلف الناقد الفنى طارق الشناوى فى الرأى، حيث يرى أن أغلب التجارب إن لم تكن جميعها أسفرت عن أعمال متواضعة بالمقارنة مع العمل السينمائى, ويقول: “المشكلة أن نجاح الأعمال السينمائية قد يدفع البعض للاعتقاد أن هذا النجاح نظريا سيؤدى إلى نتيجة حتمية مؤكدة بنجاح المسلسل, وفى حقيقة الأمر هى نظرية خاطئة، فهذا النجاح يعتبرأول طعنة وأكبر مشكلة تواجه تلك الأعمال وقد يبدو نظريا أنه عامل إيجابى إلا أنه فى باطنه عامل سلبى, وبشكل تلقائى يتحول هذا النجاح إلى ترمومتر أوحدة قياس دقيقة, على سبيل المثال فيلم “الزوجة الثانية” عند تقديمه للدراما التلفزيونية، أصبح المرجعية الأساسية هنا هوالفيلم للمخرج صلاح أبوسيف والذى تم تقديمه فى الستينيات, وتلقائيا تبدأ المقارنة بين أداء الممثلين, فكان من الصعب تقبل ممثل يجسد شخصية “العمدة” صلاح منصور والذى جسده عمرو عبد الجليل، أيضا شخصية سعاد حسنى والتى قدمتها أيتن عامر، وعلا غانم فى دور سناء جميل, فالمقارنة هنا ليست فى صالح العمل الجديد, لأن الجمهور لديه مرجعيه من الصعب تبديلها بقالب فنى آخر, ورغم ذلك أنا لا أصادر على أى عمل ومن حق الجميع خوض التجربة والحكم بعد المشاهدة, لكن من الناحية العلمية والنظرية هى تجارب محفوفة بالمخاطر.

ويضيف: نفس الأمر ينطبق على تحول الفيلم لعمل مسرحى, فقد تمت مشاهدته كعمل سينمائى على سبيل المثال عند تحويل فيلم “زقاق المدق” لمسرحية، فالمقارنة لم تكن فى صالح العمل وستظل المقارنة مشكلة لأنها خاضعة بشكل مباشر لذاكرة حية, وسيتذكر الجمهور تلقائيا شخصية شادية ويوسف شعبان ومن بإمكانه تقديم أداء تمثيلى بهذا الإتقان والإبداع, فهناك تفاصيل من الخطأ الدخول فيها.

ويستطرد الشناوى: هناك مشكلة أخرى تواجه هذه النوعية وهى أن الفيلم أحداثه مختزلة فى ساعة ونصف وتحويلها لـ ١٥ ساعة هو فى حد ذاته مشكلة, فقد يضطرالمؤلف لإضافة خيوط ثانوية قد تكون ثقيلة جدا على المشاهد لملئ الفراغ الزمنى وعدد الساعات المحددة للمسلسل, فكلها تأثيرات سلبية على العمل الفنى وليست فى صالحه.

 ويختتم حديثه قائلا: الأعمال السينمائية حية ترزق ليست بحاجة إلى إعادة إحياء، وبالنسبة للجيل الذى لم يعاصر مولد تلك الأعمال نفس الأمر ينطبق علينا فلم نعاصر “زقاق المدق” فى السينما إلا أنه حفر فى الذاكرة من خلال عرض الفيلم على شاشة التلفزيون.

شروط معينة

وتقول الناقدة الفنية عزة هيكل: “يختلف التناول للأعمال الفنية من وسيط لآخر, فالروايات الأدبية من الممكن تحويلها لدراما تليفزيونية أو أفلام سينمائية باختصار أحداثها حتى من الممكن تقديمها للمسرح,  لكن عندما يكون الفيلم بقصة واحدة ويتم تحويله لعمل تلفزيونى يعرض على مدار ٣٠ حلقة, فمؤكد أن هناك خلل وضرر سيلحق بالعمل وسيفقد التجانس فى الإيقاع وترابط الأحداث, ومع أن استخدام السينما فكرة جيدة إلا أنها تتطلب شروط معينة فى اختيار الفيلم، فالعمل لابد وأن يكون لنص ثرى, لأن قماشة  الدراما عريضة تحتاج إلى العمق الذى يولد الأحداث, وقد يكون السبب فى عدم استمرار بعض الأعمال وإندثارها هو الاخفاق فى اختيار العمل المناسب.

وتضيف: هذا طبعا بالإضافة الى قدرة الكاتب على هذا التحول دون الاخلال بالأحداث والشخصيات, والفرق بين صناعة السينما والدراما التلفزيونية واضح جدا, فالأخير يحتاح إلى خطوط درامية أكثر، وتشعب فى الشخصيات وأبعادها الاجتماعية وصراعها النفسى, لكن الفيلم قصة واحدة قد تدور محور الأحداث حول البطل.

وتتابع: دائما ما أكرر نحن نعانى من فقر فى الإبداع الفنى، صحيح لدينا ممثلين ومخرجين بقدرات فنية هائلة، إلا إننا نعانى من الفقر فى الكتابة، فالأعمال الإبداعية الجيدة تكاد تكون منعدمة لعدم امتلاكنا للكاتب المبدع, طبعا باستثاء البعض، مثل عبد الرحيم كمال وأيمن سلامة وغيرهما, لذلك كل ما يتم تقديمه فى هذا النطاق للأسف يتلاشى أثره سريعا, فالمؤلف يمكنه بالفعل تحويل الفيلم السينمائي إلي مسلسل تليفزيوني، إذا كان متمكنا من أدواته، فهو يستطيع إضافة خيوط درامية وحبكات وشخصيات جديدة، فلا يشعر المشاهد بأي تطويل.

وتستطرد: لا يمكن الحجر على الإبداع ولكن المعضلة هنا أن هناك أعمال إرتبط بها المشاهد ورسخت فى الوجدان، وعند تغيير الوسيط الفنى الخاص بها من الممكن ألا تحظى بالنجاح المطلوب بسبب المقارنات والمقابلات فى النص والصورة الذهنية التى تشكلت، والمقارنة مع الفنانين الكبار، كلها أسباب تؤدى إلى الإخفاق.

والعمل الثانى يضر نفسه إن لم يكن التحول الفنى لنص سينمائى حمال وثرى بالأحداث يقدم بمنظور متطور  دون أن يكون الهدف تعبئة شرائط فقط. 

اقرأ أيضًا : محمد هنيدي عن «الذكاء الأصطناعي»: بحب الواقع والحقيقة


 

 

 

;