« والله أبدًا » .. الهضبة فى مغامرة أندلسية

عمرو دياب
عمرو دياب

محمد كمال

مفاجأة جاءت بمثابة الصدمة الجميلة وقعت على جمهور عمرو دياب، بعد طرح أغنيته الجديدة والله أبدا ، فقد اعتادوا دائما على أن الهضبة مغامر مبتكر يسعى إلى التجريب خصوصا على مستوى التوزيعات والأشكال الموسيقية، لكن الصدمة الجديدة جاءت في اختيار الكلمات حيث أقدم الهضبة للمرة الأولى في تاريخه على الغناء باللهجة العربية الفصحى، بل والجنوح إلى استخدام أبيات شعرية من الشعر الأندلسي في افتتاحية الأغنية الجديدة، لدرجة جعلت الكثيرون يعتقدون أن عمرو دياب استخدم الذكاء الاصطناعي على اعتبار أن نجاحه خلال مشواره الذي بدأ منذ 40 عاما وتربعه على القمة منذ ما يقرب من 30 عاما تحقق بسبب قدرته على مواكبة العصر.

استعان عمرو دياب في مقدمة أغنية “والله أبدا” بأبيات شعرية من قصيدة “أضحى التنائي بديلا من تدانينا” للشاعر الأندلسي أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي القرشي الملقب باسم “ابن زيدون”، والذي عرف عنه حبه وولعه بـ “ولادة” ابنة الخليفة المستكفي، وتعتبر قصيدة “أضحى التنائي بديلا من تدانينا” إحدى قصائد الرثاء التي كتبها ابن زيدون لابنة المستكفي.

تتحول (كالمعتاد) أغنيات عمرو دياب إلى ترند بمجرد طرحها الذي يصبح حدث في حد ذاته، ورغم أنه طرح ثلاث أغنيات مؤخرا، لكن أكثرهم رواجا واحتلال مساحات من حالات الشد والجذب كانت “والله أبدا”.

على مدار مشوار عمرو دياب نجد أن هناك ولعا خاصا بالموسيقى الإسبانية قديما على مستوى الألحان والتوزيعات الموسيقية، وحاليا في 2023 من خلال العودة إلى أحد شعراء دولة الأندلس “إسبانيا قديما” والاستعانة بكلمات إحدى قصائده ممزوجة بكلمات عامية معاصرة من تأليف وألحان عزيز الشافعي وتوزيع عادل حقي.

وإذا عدنا بالتاريخ للوراء قليلا وتحديدا مع بداية التسعينيات سنجد أن الهضبة كان أول من قدم واعتمد بشكل كبير على الجيتارات الإسبانية في التوزيعات الموسيقية الخاصة بألبوماته.

وكانت البداية عام 1994 من خلال ألبوم “ويلوموني”، صحيح أن هذا الألبوم من أقل ألبومات الهضبة تحقيقا للنجاح الجماهيري ويبدو أن الفكر الجديد الذي أقبل عليه الهضبة لم يتماشى مع ذوق الجمهور وقتها، الذي كانت التوزيعات المقسوم هي الأكثر تحقيقا للنجاح، فقد اعتمد عمرو دياب في الأغنية “الهيد” التي حملت اسم الألبوم “ويلوموني” على خط كبير من الجيتارت الإسبانية من تلحين عمرو طنطاوي الذي تولى أيضا مسئولية العزف وقدم التوزيع الموسيقي حميد الشاعري.

ويكمل عمرو دياب مغامرته الموسيقية مع النزعة الإسبانية مع بداية الألفية، وتحديدا مع الموزع الموسيقي طارق مدكور في ألبوم “قمرين” ثم يأتي التحول قليلا تجاه الجيتارات الإسبانية الممزوجة بنزعة لاتينية التي تسمى “لاتين ميوزيك” في ألبومين متتالين، هما “تملي معاك” ثم “أكتر واحد “ وفي الألبوم الثاني شهد ظهور قوالب موسيقية من اشتقاقات الموسيقى الإسبانية واللاتينة على غرار “الريجي” و”السالسا اللاتينية”.

لم تكن تجربة الغناء بالفصحى جديدة على الساحة المصرية، لكن منذ فترة طويلة لم يقدم أي مطرب مصري على خوض تلك التجربة، لكن بالعودة إلى جيل التسعينيات مرة أخرى تظل المغامرة الأهم والأشهر لهشام عباس عام 2000  في ألبوم “حبيبي ده” من خلال أغنية “يا من هواه” التي كتب كلماتها الشاعر “المصري” هيثم بركات ولحنها محمد رحيم ومن توزيع حميد الشاعري.

يوجد تشابه أساسي بين الأغنيتين يجعل المقارنة بينهما حتمية وهو أن اللجوء للهجة الفصحى كانت في البداية ثم الجنوح بعد ذلك للهجة العامية، لكن عند المقارنة يجب التوقف عند أربع نقاط تحمل فوارق مهمة بين التجربتين بجانب الفاصل الزمني الذي يفرق بينهما وهو 23 عاما.

النقطة الأولى هى أن الكلمات باللهجة الفصحى في أغنية هشام عباس كانت أصلية لمؤلفها هيثم بركات – شاعر مصري أعماله قليلة - ولم تكن مأخوذة من شاعر قديم آخر والتي قالت في بدايتها (يا من هواه عاش دوما في خيالي .. وبحثت عنه في الجنوب والشمال .. يا حبيبي يا من عشت في خيالي .. وكفانا بعدا في سهر الليالي) عكس أغنية “والله أبدا” لعمرو دياب التي استعان خلالها بأبيات شعرية لشاعر قديم.

النقطة الثانية وهي الخاصة باللحن وهو الأمر الذي يرجح كفة أغنية هشام عباس، فقد احتوى لحن أغنية (يا من هواه) الذي قدمه محمد رحيم على 8 مقامات دفعة واحدة، وهو ما لم يتواجد في أغنية الهضبة التي اعتمدت على جملة لحنية واحدة تتكرر على مدار الأغنية.

أما النقطة الثالثة وهي تظهر جليا في أغنية “والله أبدا” عدم الارتباط في المعنى بين الكلمات الفصحى (واللَه ما طلبت أَهواؤنا بدلا منكم وما انصرفت عنكم أَمانينا.. أضحى التنائي بديلا من تدانينا.. وناب عن طيب لُقيانا تجافينا)، وما بعدها في الجزء الخاص بالكلمات العامية وهو جعل الشعور بأن الكلمات الأندلسية مقحمة وبلا توظيف حقيقي، وهو ما يجعل الأمر يبدو وكأنه مجرد فكرة للهضبة في التواجد على قمة الترند وإحداث حالة جدال واختزال النجاح في مسألة الاستعانة بكلمات من الشعر الأندلسي، وهو ما أدخل الأغنية بشكل عام والكلمات العامية بشكل خاص في بعد لا تتحمله او أكقر مما تستوعبه الكلمات البسيطة التي صاغها عزيز الشافعي بالعامية.

على النقيض نجد أغنية “يا من هواه” لهشام عباس فالانتقال من الجزء الفصحى إلى الكلمات العامية جاء بسلاسة ومنطقية وجاءت الكلمات العامية مكملة ومعبرة عن بداية الأغنية بالفصحى، خاصة الجزء الخاص بجملة “استنينا مكتوبك ومجانشي والقلب لما حبك مجانشي”.

تتعلق النقطة الرابعة بالفواصل الموسيقية التي حملت في أغنية “والله أبدا” نقطتين سلبيتين، أولا  عدم ارتباطها بالكلمات بشكل عام، وثانيا طول مدة تلك الفواصل مما جعل هناك فصل في التواصل بشكل كامل مع الأغنية خاصة في الجزء المتعلق بالتنقل من الفصحى إلى العامية.

كما أن طول مدة الفواصل الموسيقية جعل زمن الأغنية يتجاوز الدقائق السبع، وهي مدة تعتبر طويلة وغير متماشية مع طبيعة العصر بشكل عام وأغنيات عمرو دياب الأخيرة بشكل خاص التي لا تتجاوز مدتها الدقائق الثلاث.

وفي مسألة مدة أغنيات عمرو دياب ومساحة الفواصل الموسيقية هو أمر اعتاد دياب عليه منذ بداية ألبوم “تملي معاك”، حيث الاعتماد على فواصل تتألف موسيقيا خصيصا للأغنية لدرجة أن الهضبة هو أول ما كتب على أغلفة ألبوماته جملة “موسيقى الفواصل”.

 كان عمرو دياب  يترك في نهاية معظم أغنياته مدة يقوم خلالها الموزع بإعادة الجملة الموسيقية في الفواصل وأحيانا ومع طارق مدكور تحديدا يقوم بتفريغ اللحن من الموسيقى، لكن كل هذه التجارب كانت تحدث في أغنيات لا تتجاوز مدتها الأربع دقائق، لهذا لا تحدث حالة الفصل الكبيرة التي حدثت مع أغنية “والله أبدا” التي تتجاوز الـ7 دقائق وخلقت شعور بعدم توافق الكلمات مع الموسيقى المقدمة.

في كل الأحوال يحسب لعمرو دياب أن له السبق في مسألة غناء كلمات من الشعر الأندلسي رغم ان تاريخ الغناء المصري يحتوي على تجارب لمطربين كثيرين أقدموا على الغناء بالفصحى، وبالتأكيد أشهرهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ونجاة، وأيضا أشهر التجارب في الأعوام الأخيرة التي قدمها عمر خيرت في مسلسل “الخواجة عبد القادر” مع أغنية “والله ما طلعت شمس ولا غربت” من كلمات الشاعر العراقي أبو المغيث الحسين بن منصور المعروف باسم “الحلاج” أحد أهم شعراء الدولة العباسية.

حتى ان أم كلثوم عندما أقدمت على غناء نسختين من قصيدة “أراك عصي الدمع” كانت للشاعر أبو فراس الحمداني وهو ينتمي للدولة الحمدانية في سوريا، لكنها لم تقدم على الغناء لأحد شعراء الأندلس مثلما أقدم الهضبة في مغامرته الأندلسية الجديدة.

اقرأ أيضًا : تامر حسين: عمرو دياب «نمبر وان» مصر والعرب


 

;