في كل عام كان والدا الطفل «مارتان» يصطحبانه في القطار إلى منزل جدته ليقضي عطلة الصيف هناك ، وبعد توصيله إلى منزلها يتركانه ويعودان في اليوم التالي.
ثم في أحد الأعوام قال لهما : أصبحت كبيرًا الآن .. ماذا لو ذهبت وحدي إلى منزل جدتي هذا العام؟
وافق الوالدان بعد نقاش قصير وفي اليوم المحدد وقفا على رصيف المحطة يكرران بعض الوصايا عليه .. وهو يستمع اليهما على مضض قائلا « لقد سمعت ذلك منكما ألف مرة.
وقبل أن ينطلق القطار بلحظة ، اقترب منه والده وهمس له في أذنه.
«خذ هذا لك إذا ما شعرت بالخوف أو بالمرض» ووضع شيئًا في جيب الطفل.
جلس الطفل وحيدًا في القطار دون اهله للمرة الأولى ، كان يشاهد تتابع المناظر الطبيعية من النافذة ويسمع ضجة الناس الغرباء تعلو من حوله.
حتى رئيس القطار تعجب ووجّه له الأسئلة حول كونه وحيدًا دون رفقة والديه.
حتى إنّ امرأةً من بين الركاب رمقته بنظرة حزينة مشفقة .. فارتبك «مارتان» وشعر بأنه ليس على ما يرام.
ومع مرور الوقت شعر « مارتان» بالخوف يتسلل إلى قلبه الصغير ، فانكمش داخل كرسيه وامتلأت عيناه بالدموع.
في تلك اللحظة تذكر همسات أبيه وأنه دسّ شيئا في جيبه لمثل هذه اللحظة.
فتّش في جيبه بيد مرتجفة وعثر على الورقة الصغيرة.
فتحها ووجد فيها هذه الكلمات :» لا تخف يا ولدي، أنا في العربة الأخيرة بالقطار».
هنا فقط تسرب الدفء والشعور بالأمان إلى قلب الصغير بعد أن أدرك أنه ليس بمفرده وأن والديه في نفس القطار حتى لو لم يكونا معه في نفس العربة.
كذلك هي الحياة .. علينا أن نطلق العنان لأجنحة أولادنا .. نساعدهم على التحليق عاليًا بلا خوف من السقوط على الأرض.
نعطيهم الثقة بأنفسهم ونمنحهم القدرة والجرأة على اتخاذ القرار المناسب ، ولكننا يجب أن نكون دائما متواجدين في العربة الأخيرة طوال وجودنا على قيد الحياة مصدرا للأمان لهم.
علينا أن نراقبهم دائما من بعيد لنطمئن فقط انهم بخير دون أن نتدخل في حياتهم بشكل مباشر .
الانغماس الزائد في مشكلات الابناء واتخاذ القرارات الحاسمة نيابة عنهم يجعلهم ضعيفي الإرادة غير قادرين على تحمل المسئولية ويدفعهم للاعتماد على والديهم بشكل مطلق في كل صغيرة وكبيرة.
وكم من أبناء عانوا في حياتهم بعد رحيل أحد الوالدين أو كليهما ، حيث وجدوا أنفسهم فجأة في مهب الريح بعد أن اعتادوا على وجود أب أو أم يتخذ جميع القرارات ويحل جميع المشكلات.
عزيزي الأب .. عزيزتي الأم.
لا يستطيع أحد أن يمنعك من حب أبنائك والخوف عليهم ورغبتك أن تكون حياتهم سهلة ومريحة ، ولكن يجب أن تحرص أن تظل دائمًا خلفهم وليس أمامهم .. تعلم أن تبقى دائما في العربة الأخيرة من قطار حياتهم.