معان حقيقية

محمد الحداد يكتب: دثرني ياوطني زمليني يا مصر

محمد الحداد
محمد الحداد

■ بقلم: محمد الحداد

كنت أبحث فى شوارع التاريخ عن وجهك ياوطني؟ رأيت ملامحك فى وجوه الغرباء

لم تبق على جسدي الواهن المرهق مساحة صغيرة لم تصرخ بالشوق اليك بلهفة.. وحين تهت فى غربتى جمعت كل أحزانى على كفى وانتظرت معجزة ان أسرق منك حضنا غامرا وأنا أسير فى المدن.

بكيت في فلسطين.. حين تجولت فى عين مريم وتذوقت العنب فى سلوان ومررت بنغزة فى صدري اسمها غزة العزة وجنين.. طولكرم.. نابلس.. وبيت لحم القدس العتيق بزيتونها المناضل وعنبها الثائر زحفت الى الأرض الطيبة .. وحتى حين تسللت تحت تكعيبات العنب وأشجار الزيتون في مزارع شبعا بالجنوب اللبنانى الحر وبيروت .. وحملت قلبك يا وطنى حينما كان يجب على ان اتخفف من احمالي

كم كنت حزينا وانا بعيد عنك ولم يواسينى الا طيفك وحده فى كل بلاد الدنيا البعيدة التى سافرتها وحملت طيفك بقلبي.. سافرت ثم عدت وعاد طيفك معي.. وحده طيفك كان نائما على وسادتى بجواري في فنادق العالم صوتك وحده كان يأتينى كرجع للصدى من بعيد وانا سائح غريب فى بلاد بعيدة وغريبة

حاولت أن أقبض على طيفك كما أردتك أن تكون وكانت سماء شواطيء البوسفور المظلم ممطرة كئيبة حزينة.. الرياح لا تفارق سماء الحزن هنا ولا يأتى الربيع ابدا.. فى لندن وباريس ومدريد وروما وكارلوفيفارى وميونيخ وبون وبرلين

سأخلع وقارى وأكتب عن أولئك الذين ماتوا وهم يعتقدون انهم تجاوزوا كل المصاعب والمحن والاحزان ومنحونا هبة التفكير بهدوء .. ادمنت احتساء الصمت

من اليمن السعيد ملأت صفحات من الحزن ومن العراق المزدهر نقلت كل التمزق والتشرذم والضياع

من ليبيا الكرم هربت فى صحراء الخوف ومن سوريا اغلى بقاع الشام صورت الحزانى والثكالي واليتامى والجوعى والمرضي

من لبنان رجعت باكيا على أسوأ لحن بعد ان كان اغنية للحياة ومن السودان الغنى بالخير وجدتنى خائفا هاربا بين وديانه تحت وطأة الرصاص الطائش .. ولم يتبق لى غيرك يا وطنى باتساع الدنيا

دثرنى ياوطني .. زمليني يا مصر .. كنت حزينا ومازلت اكتب دما وانزف عشقا وحزنا وبكاء فبرغم كل شيء أحبك يا اغلى وطن يا وطنى يا وطن الخير والامن والامان