«لوجو على جلباب بلدي» قصة قصيرة للكاتب مصطفى مختار

الكاتب مصطفى مختار
الكاتب مصطفى مختار

 ضجت الدار بالزغاريد، وتجمع أهل القرية والأصدقاء مهنئين باجتياز نفق الثانوية العامة، وقد ساقنى مكتب التنسيق للالتحاق بكلية التجارة جامعة القاهرة، وقد نجحت مساعى حضرة العمدة وأعيان البلدة فى حجز مكان لى بالمدينة الجامعية.

 

 ومن حسن الطالع أن تضم المدينة ملاعب الجامعة ومركزها الرياضى فى نفس السياج، مما سهل مهمتى للانضمام إلى فريق المصارعة الرومانى التي كنت أمارسها فى مدرستى الثانوية، المساعى الحميدة، وقبل انتهاء العام الدراسى استطعت اعتلاء قمة المصارعة فى الجامعة، مما جعل كابتن عاطف مشرف الفريق يتحمس لى بشدة، ويقوم بترشيحي لخوض بطولة الجمهورية، والتى اجتزتها بسهولة واقتدار.

 

 وفى خلال شهور أصبحت بطل إفريقيا الذى لا يشق له غبار، وبناءً على رؤية خاصة للكابتن عاطف مدربى وأبى الروحى، وتزكية من أخيه الذى هاجر منذ زمن إلى أمريكا، اقترح على الانتقال إلى المصارعة الحرة، سعيا للعالمية، وإيمانا منه بقدراتى وتكوينى الفولاذى.

بالفعل اصطحبنى كابتن عاطف بعد تقدمه بإجازة مفتوحة فى رحلة طويلة إلى أمريكا، حيث يعمل شقيقه مدربا محترفا في أحد معاقل هذه اللعبة، ناشدا المهمة الشاقة.

 

استطعنا فى فترة وجيزة ـ بمعاونة شقيق كابتن عاطف ـ التعرف على أحدث أساليب اللعبة وأسرارها، وبفضل الله ومساندة كابتن عاطف وشقيقه أحرزنا الدرع الأغلى فى أكثر الألعاب عنفاً وقسوة، وصارت صورى تتصدر غلاف أكثر من جريدة ومجلة، وكذلك أصبحت فتى أحلام الكثير من الشقراوات الحسناوات.

 

انكمشت ساعات التدريب، وتقلص التركيز أثناء تعليمات مدربى القدير بعد اتساع رقعة الاستيعاب لتطول بعض الجميلات من جميع الجنسيات، وانتهى الأمر بمأساة غير متوقعة، حيث أصبت فى مباراتى الأخيرة إصابات بالغة أدت إلى نسبة عجز مسبقة الإصرار والترصد بالرغم من محاولات تدخل حكم المباراة غير الجدية، واللا مجدية.

 

 بعد رحلة علاج لم تصلح كثيرا ما أفسده منافسى السفاح، عدت إلى القاهرة بخفى حنين، وعاود الكابتن العظيم  الإشراف على فريق الجامعة، وبدأ رحلة جديدة فى البحث عن بطل بديل يقوم بإعداده وتهيئته لخوض  البطولات.

 

 تذكرت أيامى فى قريتى الطيبة، وتذكرت عويس وورشة الحدادة التى يعمل بها، واسترجعت قوته وقدراته التى تفوق عشرة ريختر، وكيف كنت أشعر بالضآلة حين أحاول منازلته، وكيف استطاع أن يدفع وحده (لورى) محملاً بحديد التسليح، على الفور توجهت إلى بلدتى بمصاحبة كابتن عاطف ناشدين لقاء عويس الذى لم يرجعه عن قرار رفضه مصاحبتنا إلى رحلة المصارعة إلا استجدائى وتوسلاتى للثأر ممن أعجزنى، لم تكن مهمة كابتن عاطف شاقة فى تجهيز رجل منحته السليقة وحياة الفطرة بنية صخرية جعلته يتجنب السلام على الآخرين يداً بيد.

 

 فى غضون شهور قليلة تم إعداد البطل بعد إلمامه بقوانين اللعبة، تم استخراج جواز سفر للبطل وانطلقنا فى رحلة ثأرية إلى أمريكا بصحبة كابتن عاطف، لم يكن صعبا على هذا الفتى الفولاذى اعتلاء القمة  وتلقين منافسى القديم درسا قاسيا.

 

ذاع صيت البطل الذى لم تمتد جولات منازلته لأكثر من دقائق، وكانت القاضية هى سمة جميع مبارياته، حتى أطلق عليه عويس كلاى، نسبة إلى بطل الملاكمة الأسطورى محمد على كلاى.

 ورغم تعثر طريق الشقراوات للوصول إليه، وتعدد مطبات القيم والتدين التى يتحلى بها،  إلا أن إحداهن استطاعت أن تستدرجه إلى ليلة حمراء بعد مزج عصيره بكمية وافرة من حبوب الهلوسة، واضطر عويس إلى خوض مباراته الاستعراضية مع بطل العالم فى التايكوندو وهو مشوش الفكر، مزغلل العينين، مسترخى العضلات، وقد أوشك عويس على الاستسلام لولا أنه استطاع اخيرا الإمساك بهذا البهلوان، وكانت القاضية، حيث عكست ميكرفونات الحلبة صوت تكسير ضلوع الشبح، بعد أن طوقه عويس بيديه الفولاذتين، ولم يستطع أحد فك الحصار إلا بعد دمج جميع الأضلع فى كتلة هشة من العظام المفتتة، كتلة تحتاج لإعادة صياغتها مركز صيانة متكامل وكم من المسامير كفيل بتأسيس ورشة نجارة.

 

 توج عويس بطلا لأبطال العالم، ورغم زهوة الفوز وبريق الشهرة وتزايد سعى الشقراوات، إلا أنه فاجأ الجميع بقرار اعتزاله، وعودته إلى بلدته، ولجوئه إلى مقام الشيخ زعيزع، ساعياً للتطهر من زلته، ووقوعه فى الخطيئة، الغريب هو إخفاق الجميع فى محاولات ثنيه عن هذا القرار، وعدم الخضوع إلى جميع الإغراءات المالية من قبل الفضائيات للفوز بإجراء حديث أو حوار معه.

 

أخيراً استطعت بمعاونة كابتن عاطف إقناعه بإجراء حوار مع إحدى القنوات مقابل مبلغ مالى مبالغ فيه، يمكنه من إقامة مستشفى ومسجد كبير بالقرية، وكذلك نجحنا فى اجتذاب توقيعه لتسويق اللوجو الذى يحمل صورته لصالح إحدى الشركات العالمية، ولكنه اشترط أن يقتصر اللوجو على الجلباب البلدى.

 

 صرت أداوم على الصلاة مع عويس فى المسجد الكبير، وأيقنت أن طريق الشيطان مهما طال يظل قصيراً، أما طريق الله فهو يفتح أبواب رزق لا نهاية لها، فقد فاقت شهرة عويس كل الحدود، كما فاقت ثروته جميع المخيلات، بعد أن غزا الجلباب البلدى القارات الخمس، مرصعا بلوجو الأسطورة : عويس كلاى المصرى.