في ذكرى رحيله محطات في حياة "توفيق الحكيم"

 توفيق الحكيم الأديب
توفيق الحكيم الأديب

كتب : وليد علام 

تحل اليوم ذكرى رحيل توفيق الحكيم الأديب الذي عاصر عظماء الأدباء والشعراء، إنه حقاً نابغة قل ما يجود الزمان بأمثاله. 
  
النشأة:
ولد توفيق إسماعيل الحكيم بالإسكندرية عام 1897 لأب يعمل في سلك القضاء في مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، وكان يعد من أثرياء الفلاحين، وأم تركية أرستقراطية كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين
 لكنَ هناك من يقدم تاريخاً آخر لولادته، وذلك حسب ما أورده الدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجي في دراستهما عن توفيق الحكيم، حيث أرَّخا تاريخ مولده عام 1903م بضاحية الرمل في مدينة الإسكندرية.

كانت والدته سيدة متفاخرة لأنها من أصل تركي، وكانت تقيم العوائق بين توفيق الحكيم وأهله من الفلاحين، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي.

مرحلة التعليم:
عندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية حتى انتهى من تعليمه الابتدائي سنة 1915 ثم ألحقه أبوه بمدرسة حكومية، في محافظة البحيرة، حيث أنهى الدراسة الثانوية.

ثم انتقل إلى القاهرة مع أعمامه، لمواصلة الدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي الثانوية، بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية في منطقته.

غراميات المراهقة:
 في مرحلة التعليم الثانوي وقع في غرام جارة له، ولكن لم تكن النهاية لطيفة عليه.. أتاح له هذا البعد عن عائلته نوعاً من الحرية فأخذ يهتم بنواحٍ لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقى والتمثيل، ولقد وجد في تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي ميوله الفنية للانجذاب إلى المسرح.

مشاركته في ثورة 19:

في عام 1919م مع الثورة المصرية شارك مع أعمامه في المظاهرات وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة، إلا أن والده استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أفرج عنه.

عاد عام 1920 إلى الدراسة وحصل على شهادة البكالوريا عام 1921م.  

دراسته الجامعية
انضم إلى كلية الحقوق حسب رغبة أبيه ليتخرج منها عام 1925م، التحق توفيق الحكيم بعد ذلك بمكتب أحد المحامين المشهورين، فعمل محامياً متدربا لفترة زمنية قصيرة، ونتيجة لاتصالات عائلته بأشخاص ذوي نفوذ، تمكن والده من الحصول على دعم أحد المسؤولين في إيفاده في بعثة دراسية إلى باريس لمتابعة دراساته العليا في جامعتها قصد الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق والعودة للتدريس في إحدى الجامعات المصرية الناشئة؛ فغادر إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه (1925م - 1928م). 

زيارته لفرنسا أول مرة:
في باريس، كان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليوناني والفرنسي.

انصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، فاستدعاه والداه في سنة 1927 أي بعد ثلاث سنوات فقط من إقامته هناك، وعاد الحكيم صفر اليدين من الشهادة التي أوفد من أجل الحصول عليها.

وظائف شغلها:
عاد سنة 1928 إلى مصر ليعمل وكيلاً للنائب العام سنة 1930، في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلي، وفي سنة 1934 انتقل إلى وزارة المعارف ليعمل مفتشاً للتحقيقات، ثم نقل مديراً لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، ثم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ليعمل مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي.

استقال في سنة 1944، ليعود ثانية إلى الوظيفة الحكومية سنة 1954 مديرا لدار الكتب المصرية، وفي نفس السنة انتخب عضواً عاملاً بمجمع اللغة العربية، وفي عام 1956 عيّن عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة.

عودته لباريس:
وفي سنة 1959 عيّن كمندوب مصر بمنظمة اليونسكو في باريس.

وخلال إقامته في باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون المسرح الذي كان شُغله الشاغل، واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني، فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.

وقبل عودته إلى القاهرة في أوائل سنة 1960 إلى موقعه في المجلس الأعلى للفنون والآداب، عمل بعدها مستشاراً بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971.

تأثر الحكيم بالمسرح الفرنسي وسمي تياره المسرحي بالمسرح الذهني لصعوبة تجسيده في عمل مسرحي
وكان توفيق الحكيم يدرك ذلك جيداً حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية: "إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة. كان الحكيم أول مؤلف استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية لكن بعض النقاد اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد روايته عودة الروح.

الحكيم الأديب:
يعد الحكيم من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية ومن الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، كانت للطريقة التي استقبل بها الشارع الأدبي العربي إنتاجاته الفنية، بين اعتباره نجاحًا عظيمًا تارة وإخفاقا كبيرا تارة أخرى، الأثر الأعظم على تبلور خصوصية تأثير أدب توفيق الحكيم وفكره على أجيال متعاقبة من الأدباء، وكانت مسرحيته المشهورة أهل الكهف في عام 1933 حدثًا هامًا في الدراما العربية فقد كانت تلك المسرحية بدايةً لنشوء تيار مسرحي عرف بالمسرح الذهني. بالرغم من الإنتاج الغزير لتوفيق الحكيم فإنه لم يكتب إلا عدداً قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح فمعظم مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالمًا من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي 

شخصيته كأديب:
الحرب العالمية وكبار الأدباء شكلت جزء كبير من شخصيته الأدبية فقد عاصر الحربين العالميتين 1914 - 1939.

وعاصر عمالقة الأدب في تلك الفترة مثل مصطفى صادق الرافعي وطه حسين والعقاد وأحمد أمين وسلامة موسى. وعمالقة الشعر مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وعمالقة الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد والقصبجي، وعمالقة المسرح المصري مثل جورج أبيض ويوسف وهبي والريحاني. كما عاصر فترة انحطاط الثقافة المصرية (حسب رأيه) في الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية وقيام ثورة يوليو 1939 - 1952. هذه المرحلة التي وصفها في مقال له بصحيفة أخبار اليوم بالعصر «الشكوكي»، وذلك نسبة إلى محمود شكوكو.

رأيه في لاعبي كرة القدم :
عندما قرأ توفيق الحكيم أن بعض لاعبي كرة القدم دون العشرين يقبضون ملايين الجنيهات قال عبارته المشهورة: «انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم، لقد أخذ هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام إخناتون».

مناصب تقلدها:
رئيس اللجنة العليا للمسرح بالمجلس الأعلى للفنون والآداب سنة 1966.
مقرر للجنة فحص جوائز الدولة التقديرية في الفنون.
نائب فخري بمجلس الأدباء.
رئيس للهيئة العالمية للمسرح
عضو في المجلس القومي للخدمات والشؤون الاجتماعية.
رئيس لمجلس إدارة نادي القصة.
رئيس للمركز المصري للهيئة العالمية للمسرح.
كاتب متفرغ بصحيفة الأهرام القاهرية.

جوائزه:
قلادة الجمهورية عام 1957.
جائزة الدولة في الآداب عام 1960، ووسام الفنون من الدرجة الأولى.
قلادة النيل عام 1975.
الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975.
أطلق اسمه على فرقة (مسرح الحكيم) في عام 1964 حتى عام 1972
أطلق اسمه على مسرح محمد فريد اعتباراً من عام 1987.

الوفاة:
توفي: يوليو 26, 1987 (عن عمر 88 عاماً); القاهرة، مصر

الحكيم لم يكن مجرد رجل عاش لنبكي عليه حين يموت، ولم يكن مجرد كاتب زميل لنفتقد رحيله، ونرسل الدمع مرارًا من ورائه، وليعتب بعضنا على بعض أنه لم يحضر جنازته أو مأتمه، أو أنه «تقاعس» عن أداء «الواجب».

توفيق الحكيم في الحقيقة ظاهرة، لم يكن لها وجود قبله في الأدب العربي، هو حقا فريد من نوعه ببراعته وقدراته.

المصدر مركز معلومات أخبار اليوم