يحيى حقي يقدم نصائحه للشباب ويدعو للرحمة بالحيوان

الكاتب عبد المنعم معوض أثناء حواره مع يحيى حقي
الكاتب عبد المنعم معوض أثناء حواره مع يحيى حقي

عندما نسمع اسم عملاق الأدب العربي يحيى حقي، تقفز إلى الذاكرة روائع أعماله التى تركها خلفه لمكتبة الإبداع المتفرد بأسلوبه الخاص ومضامينه المصرية الشعبية الخالصة، نتذكر منها على سبيل المثال «قنديل أم هاشم - البوسطجى - أم العواجز - سارق الكحل - كناسة الدكان - فكرة فابتسامة - صح النوم - ناس فى الظل - حقيبة فى يد مسافر - تراب الميرى - انشودة للبساطة - عطر الأحباب - الفراش الشاغر»، وغيرها من القصص والروايات والمقالات التى تضعه ضمن الرواد الكبار، وما يسعدنا أن الكاتب المتميز عبد المنعم معوض اقترب منه وتعود على زيارته بمنزله فى مصر الجديدة، وخرج من مجموع تلك الزيارات بحوارٍ نشرته مجلة «الشرطة»، وقبل ان ندخل فى الحوار نتعرف على عملاق الرواية والقصة الدبلوماسي الذي وُلد فى 17 يناير 1905 ببيت صغير من بيوت وزارة الأوقاف بدرب الميضة بحى السيدة زينب فى أسرة متوسطة من جذور تركية غنية بثقافتها، تلقى تعليمه فى كُتَّاب السيدة زينب، والتحق بمدرسة والدة عباس باشا الأول الابتدائية، وحصل على البكالوريا من المدرسة الخديوية، ونال ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد، عمل بالمحاماة عامين بالصعيد، ونجح فى مسابقة وزارة الخارجية ليبدأ مشواره مع المناصب الدبلوماسية التى بدأها بالقنصلية المصرية فى جدة، ثم فى إسطنبول، ثم فى روما، حتى أصبح مديراً لمكتب وزير الخارجية، ثم سكرتيرًا أول للسفارة المصرية فى باريس، ثم مستشارًا بسفارة مصر بأنقرة، فوزيرًا مفوضًا فى ليبيا، ترك العمل الدبلوماسى عندما تزوج من الفرنسية «جان ميرى»، وعُين بعدها مديراً لمصلحة التجارة الداخلية، وكان أول مديرٍ لمصلحة الفنون، ومستشارًا لدار الكتب، ورئيساً لتحرير مجلة «المجلة» التى احتضن فيها المبدعين الشباب، حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 1969، ومنحته فرنسا وسام فارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا الدكتوراة الفخرية، وفى بداية الحوار معه يقول : 
- أنا وُلدت فى أسرة يٌطلق عليها «أسرة الموظفين» الذين يتسلمون الراتب أول كل شهر، طفولتى كانت سعيدة، والداى ظلا على قيد الحياة إلى أن بلغت سن العشرين، وفى طفولتى لم نكن فى عسرٍ أبداً.

■ يحيى حقي بريشة مصطفى حسين

■ ما ذكرياتك عن الحى الذى وُلدت به فى السيدة زينب ؟
- من حسن حظى أننى وُلدت فى هذا الحى الذى يتميز بروح التدين والعادات الشعبية، وأنا «معجون» بالشعب الكادح الفقير الذى عايشته وتأثرت به فى هذا الحى ونقلت كل شيءٍ عنه فى قصصى ورواياتى، وأعتقد أن رواية «قنديل أم هاشم» خير تعبيرٍ عن ناس هذا الحى. 

■ للبسطاء والعمال نصيب كبير فى أعمالك؟
- نعم.. لأننى شديد الانتماء لهم، تكلمت عن العمال قبل ثورة يوليو 1952 من خلال عامل تم فصله من عمله لأن الآلة أكلت يده ولم يتم علاجه أو يتسلم تعويضاً وطُرد شر طردة وقلت فى نهاية القصة، إنهم بحثوا عن عاملٍ غيره له يد!

◄ اقرأ أيضًا | حكم قضائي ينهي الصراع حول «سينما أوبرا»

■ هل اقتصر تأثرك بحى السيدة زينب فقط؟
- لحى السيدة زينب أثر بحكم مولدى ونشأتى، وتأثرت فى أعمالى بأحياء شعبية أخرى، ابتداء من شارع محمد على والغورية والدرب الأحمر الذى يتميز بالسروجية والخيامية وغيرها من المهن اليدوية، وهذه الأحياء العريقة كانت تسكنها فى وقتٍ من الأوقات الأسر الراقية، ونقلت ذلك فى أعمالى الروائية والقصصية. 

■ ما الذي فتح لك باب الدخول إلى عالم الأدب؟
- نشأت فى أسرة تحب القراءة، وكان متاحاً أمامى كتب التراث ودواوين الشعر، وكتاب «ألف ليلة وليلة» رغم القول الشائع بأن كتاب «ألف ليلة وليلة» ما دخل بيتا إلا لخبط حاله، وأتذكر أننى حفظت فى سن مبكرة قصيدة أحمد شوقى التى يقول فيها «مصر العزيزة لى وطن.. وهى الحمى وهى السكن.. وهى الفريدة فى الزمن.. وجميع ما فيها حسن». 

■ هل تذكر أول قصةٍ نُشرت لك ؟
- لحسن الحظ لم أعانِ قط، كنت أرسل بعض القصص بالبريد للصحف والمجلات فكانت تُنشر، وأنا الآن مدين لصديقى « فؤاد دواره» الذى أشرف على إخراج أعمالى بهيئة الكتاب، فقام بجمع كل ما كتبته من قصصٍ ورواياتٍ لإعادة إصدارها، ومنها أول قصة نشرتها منذ 60 عاماً بعنوان «قهوة ديمترى».

■ هل الكتابة تشكل لك معاناة؟
- الكتابة تتطلب بذل جهدٍ عقليٍ وروحيٍ وعصبيٍ، وقد تشكل معاناةً، لكن متعة اللقاء بالفن لا تساويها أى متعٍ أخرى فى الحياة. 

■ هل الكتابة تشكل لك معاناة أم تجد فيها ما يسرك؟ بماذا تنصح الشباب والكتاب الناشئين ؟
- انصحهم بإتقان اللغة العربية لأنها لغة ثرية، وإتقان اللغات الأجنبية وفى مقدمتها الإنجليزية والفرنسية للاطلاع على الآداب العالمية التى تفتح للشباب آفاق العالم كله، وأنصح كل منهم بأن يكون صادقاً وهدفه الخير والجمال . 

■ قرأت أنك تطيل التأمل فى عيون الحيوان.. لماذا؟
- نعم.. عندما أنظر فى عيون الحيون أرى لغة تؤكد أنه خُلق ليدرك، ودرجة النضج متفاوتة، فلا تستطيع أن تقارن عين الجاموسة التى بها سبات تكسب بها نوعاً من الوداعة بعين الحصان أو عين القط، أنا رأيت «تيس» كانت عيناه كأنها تنطق بالمكر والدهاء، وأنا أناشد كل من يقرأ هذا الكلام بأن يكون عطوفاً على الحيوان، فهو مخلوق عاجز، أسلم نفسه للإنسان فكيف ولماذا يعذبه الإنسان؟!، وما هى المتعة التى يجدها فى ذلك الفعل المشين! عندما كنت أدخل «السيرك» كنت أتألم كثيراً لأننى أعرف أن القرد، أو أى حيوان آخر تم ضربه لما «هلك» لكى يتم ترويضه وإخضاعه وتعليمه ليخاف وينكسر ويؤدى الدور المطلوب منه القيام به لكى يُضحك المتفرج الذى لا يعرف ما يدور فى نفس هذا الحيوان من شعورٍ!

ويقول يحيى حقى: إنه اقترب من عالم «السيرك» عندما كان رئيساً لمصلحة الفنون، وقام بضمه للمصلحة ليجد كل العاملين به الرعاية الحكومية مادياً ومعنوياً، وقال : إنه كتب قصة عن السيرك بعنوان «دنيا» وصف فيها كل الألعاب المتنوعة ولاعبيها.

■ يقال إن الكاتب كلما تقدم فى السن قل إنتاجه ؟
- الكاتب يجب أن يكون صادقاً مع نفسه، لأن الكاتب عندما يجلس ليكتب يكون فى داخله شيء يريد إيصاله للمتلقى بصدق وإحساس إبداعى ممتع، وإذا فقد الكاتب هذا الإحساس فعليه أن يتوقف، المسألة ليست أن أكتب وإنما ماذا أكتب، وأتذكر كاتباً ألمانياً لخص مأساة الكاتب عندما وصف كاتباً كبيراً كلما جلس ليكتب كان يكتب إبداعاً سهلاً موافقاً لما يريده، ثم جاء يوم وشعر أن ما يكتبه ليس هو ما يريده وهنا كانت المأساة !، وأنا فى وقتٍ من الأوقات أحسست أن الجهد المطلوب منى للكتابة لا أستطيع أن أؤديه فتوقفت عن الكتابة. 

عبد المنعم معوض 
مجلة «الشرطة» - ديسمبر 1987