انتباه

ماذا تبقى منها؟

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

بعد مرور ٧١ عامًا على قيام ثورة يوليو، يفرض هذا السؤال نفسه، ماذا تبقى من الثورة، بعد كل هذه العقود التى شهدت أحداثًا ومتغيرات وتحولات بلا حصر؟. الشعوب التى تضرب جذورها فى عمق التاريخ، لا تدع تجاربها العظيمة، والمفصلية تمضى دون مراجعة واعية، ونظرة فاحصة متعمقة، هدفها استلهام الدروس المستفادة، السلبى منها قبل الإيجابى، ما أخفقت فى تحقيقه بأكثر مما نجحت فى إنجازه.

ثمة رؤية غايتها الفرز الدقيق لمسار ومسيرة ثورة يوليو عبر محطاتها المتعددة، وقراراتها المصيرية، تقود إلى إجابات مطلوبة ـ بالضرورة ـ للسؤال المحورى عما تبقى منها، وما يتفرع عنه من تساؤلات عدة، من شأن الإجابة عليها، لا التمجيد، ولا جلد الذات، وإنما استثمار ما يتم استخلاصه من عظات وعبر فى دعم التجربة الراهنة، وتطلعات المستقبل.

السؤال المطروح، ليس مطلوبًا لذاته، أو كنوع من الترف الفكرى، أو النزهة فى أروقة التاريخ، وإنما لتحديد بعض العوامل التى قادت لمواقف راهنة، ذات جذور ممتدة، أو استدعاء حقائق يجب أخذها فى الاعتبار، باعتبارها كشافات هادية. على مدى التطور الإنسانى ـ عمومًا ـ والتطور القومى لأمة بعينها، يجب الوعى بأن التاريخ حلقات متتابعة متداخلة، والقراءة الصحيحة له أشبه بعملية صهر ذكى تستبعد الشوائب والخبائث، وتستبقى ما ينفع، وما يمثل استمراره فى المشهد الراهن جدوى حقيقية.

تلك السطور لا يسعى كاتبها لحصر، أو التحديد القطعى لإجابة السؤال، بقدر سعيه للدعوة والتحفيز لكل من يستطيع الإسهام فى تقديم رؤية موضوعية محكومة بقواعد عملية، وأصول منهجية، وفق تخصصه، فقد كانت ثورة يوليو شاملة فى استهدافها للتغيير لكافة جوانب المجتمع ببشره ونشاطاته، وعلى كل الأصعدة والمستويات، من ثم فإن السؤال من التعقيد بالدرجة التى يصعب معها الارتكاز على جهود فردية متناثرة، بقدر ما تتطلب إجاباته جهدًا علميًا جماعيًا، حتى يبلغ هدفه، ويحقق غاياته المرجوة.

وحتى تنضبط الإجابات، فإن توافر الجانب التوثيقى يمثل شرطًا ضروريًا لا غنى عنه، فالنتائج الصحيحة، تسبقها مقدمات سليمة، وتجربة الثورة بكل مفرداتها يتطلب تقويمها الاستناد إلى جميع الوثائق التى صنعتها، عندئذ تكون إجابة سؤال: ماذا تبقى منها؟ أكثر دقة وأمانة.