«سامحيني» قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

نجوى عبد الجواد
نجوى عبد الجواد

وقف أمام المرآة، أخذ يهذب شعره ولحيته،على عجلة من أمره؛ لقد تأخر عن العمل. يربط رابطة العنق، يتأكد من إحكامها يرتفع نظره أعلاها قليلا يحدق فى المرآة ماهذا؟! كيف لم يلحظ؟!

شعيرات بيضاء تغزو لحيته. يرفع عينيه فزعا إلى شعر رأسه لقد تمكنت منه الشعيرات البيضاء أيضا. يا إلهي قطار العمر يجري بأقصى سرعته. وأنا لا أملك إلا أن أراقبه. أعباء تثقل كاهلى وكأنى خلقت لألهث. يزيد تحديقه فى المرآة، يشرد ذهنه، ينطلق من داخله صوت يهم بالحديث. يفزع من أنت ؟

أنا نفسك. مرحبا أيها العجوز.

لا. لست عجوزا مازلت شابا ألا ترين؟!

ماذا أرى؟

شكلي، مظهري، نشاطي وهذه شعيرات بسيطة لا تمثل مشكلة.

وقلبك ماذا عنه؟ هل مازال شابا هو الآخر؟! .

ليس لدي وقت للتفكير فى قلبى أو جسدي؛ لدي مسئوليات وأعباء، وأحباء لهم علىّ حقوق.

وحقي أنا؟!

وما حقك؟!

تضحك، تعرف حقوق الآخرين وتغفل عن حقوقي؟!

الآخرون هم أحبتي.

لن تعرف الحب قبل أن تحبني.لقد أهملتني وتغافلت عن حقوقي، أجهدتني وكلفتني فوق ما أستطيع.

لا تبالغي، أنت فى حالة جيدة، وما تفعلينه واجب عليكِ.

دائما الواجب فأين الحق؟

أى حق؟!

حق الحياة.

أى حياة؟

حياتي أنا التي من صنعي أنا.

حياتك هى حياة أحبابك، ووجودك فى وجودهم، وسعادتك مصدرها سعادتهم.

لا، وجوي مستقل، وسعادتي تنبع من داخلى، ولى حقوق مثلهم.

أتعبتني.

تخيل معى أنك بدأت تمنحنى حقوقى،

ماذا ستغير في حياتك؟

أتخيل؟

نعم.

تخيُل فقط.

سأقلب حياتى رأسا على عقب سأختار من يجعل قلبي ينبض، وفكرى يتحرر، سأتنقل في المكان وأقفز خارج الزمان، سأعمل بروح الهواية، وأستعيد الشغف الذى فقدته. سيكون لحياتي معنى، لوجودى قيمة، سأحيا، سأحيا.

جميلة هذه الحياة؟

نعم.

هل يمكن أن تخطو خطوة نحو التنفيذ.؟

تنفيذ! قلتِ تخيل فقط.

وسعدت بهذا التخيل لماذا لا تنفذ؟! صعب، بل مستحيل.

كن عادلا وأعطني حقى.

للأسف لا أستطيع. إذا أعطيتك حقك أخللت بحقوق أحبتي.

لو كانوا أحبة ما ظلمونى.

 أنا من اخترت.

إننى أعانى.

لايعلمون أنك تعانين.

أعلِمهم إذن.

فات الميعاد.

مازال في الوقت متسع

. هى خطى كتبت علينا.

لا نحن من نختار. جرّب، حاول.

تعوّدوا، وصار عطائى حقا لهم لن يتنازلوا عنه.

قل لهم إنني أرهقت، وهرمت، وأبحث عن قليل من الراحة وتذوق طعم الحياة.

لا، لا أستطيع، سيف حبهم مسلط على رقبتى.

أنت ظالم.

للأسف أعلم.

 سامحيني.

لن أسامحك، لن أسامحك.

وأفاق من شروده على دموع تنهمر وتتخلل لحيته لتصل إلى رابطة العنق التى يمسك بها. مسح دموعه بيد مرتعشة، وهرول بعيدا عن المرآه، لقد تأخرت. يوم شاق طويل ينتظرنى كالعادة.