تبون فى الصين.. نجاح سياسة «فك الارتباط مع الغرب»

الرئيسان الجزائرى والصينى أثناء توقيع اتفاقيات التعامل بين البلدين
الرئيسان الجزائرى والصينى أثناء توقيع اتفاقيات التعامل بين البلدين

 عندما تخطط الدبلوماسية الجزائرية لزيارتين رئاسيتين  للرئيس عبدالمجيد تبون فى أقل من شهر إلى كل من العاصمة الروسية موسكو منتصف الشهر الماضى والعاصمة الصينية بكين غدا الاثنين فهذا مؤشر لا تخطئه العين ولا يمكن أن يغيب عن المراقبين أن هناك تصميمًا من الجزائر على الدخول فى حقبة جديدة تمثل استراتيجية سياسية للمستقبل فالأمر لم يأت صدفة ولكنه تخطيط استراتيجى على مغادرة حقبة فى علاقاتها مع الغرب وفى القلب منه فرنسا وأمريكا والبحث عن توازن مهم فى علاقاتها الخارجية بالشراكة الاستراتيجية مع عواصم جديدة لها دور مهم فى النظام العالمى الجديد الذى يتشكل خلال  السنوات الأخيرة. 


ودعونا نتفق هنا على أن علاقة الجزائر بفرنسا تمر دائمًا بحالة (مد) أحيانًا (وجزر) فى معظم الفترات نتيجة اعتبارات عديدة وخلافات عميقة وأحد أهم مظاهرها تأجيل زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى باريس والتى كانت مقررة منتصف مايو الماضى إلى الشهر الحالى قبل إلغائها دون إعلان ذلك رسمياً وآخر تلك المظاهر التحفظات الجزائرية على إدارة باريس لأزمة مقتل شاب فرنسى من أصول جزائرية فى ظل الظروف المثيرة للقلق بشكل بالغ التى أحاطت بالعملية وبيان وزارة الخارجية الجزائرية عن الحادث الذى وصفته بالوحشية وعبرت عن صدمتها منه والإعراب عن دعم القيادة السياسية للجالية المهاجرة ودعت فرنسا إلى توفير الحماية اللازمة للمهاجرين الذين يعيشون فى فرنسا والتى تقدر ب ٤ ملايين جزائرى وقد تحول الموقف الجزائرى من الحادث إلى مادة للحوار السياسى الفرنسى بعد انتقاد قادة أحزاب يمينية فرنسية متطرفة للموقف الجزائرى واعتباره تدخلاً فى الشأن الداخلى الفرنسى وعلى نفس الصعيد يبدو أن العلاقات بين الجزائر وأمريكا ليست فى أفضل حال نتيجة الخلافات حول العديد من الملفات آخرها الحرب الأوكرانية.    
ودعونا نتعامل مع النتائج التى تحققت من زيارتى الصين والتى انتهت منذ يومين وموسكو فى منتصف الشهر الماضى ولنبدأ بالأخيرة وهى الأولى لرئيس جزائرى من ٢٠٠٨ حيث التقى الرئيس تبون مع نظيره الصينى شى جين بينغ وكبار المسئولين رئيس الوزراء ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى الصينى والزيارة  بكل المقاييس ذات أهمية استثنائية على كافة الأصعدة فى إطار عدد من العوامل وهى كالتالى:


أولاً: ظلت رغبة بكين على لعب دور نشط على صعيد التطورات السياسية فى المنطقة حيث رعت فى مارس الماضى اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران كما استقبلت الرئيس الفلسطينى محمود عباس وطرحت مبادرة لتحريك عملية السلام المجمدة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.


ثانيًا: توقيت الزيارة حيث تم التوافق بين الطرفين على الموعد والذى يرتبط بموعد اجتماع قمة البريكس فى منتصف الشهر القادم فى جنوب افريقيا وتحديداً فى الثانى والعشرين من أغسطس ويسعى الرئيس تبون فى الثقل الذى تمثله الصين فى اقناع شركائها فى المجموعة للانضمام إليها وقد سبق لها أن تقدمت بالفعل بطلب للانضمام فى نوفمبر من العام الماضى وقد نجح الرئيس الجزائرى فى الحصول على دعم بكين بهذا الخصوص وهو ما أعلنته بالفعل الصين فى أكثر من مناسبة أثناء الزيارة ويفسر حرص الجزائر على الانضمام باعتبار المجموعة ركيزة من ركائز النظام العالمى الجديد حيث تسعى الجزائر للاستفادة من بنك بريكس للتنمية.


ثالثًا: جمعت الزيارة بين الاقتصاد والسياسة وإن كانت الكفة لصالح الأول حيث جاءت تشكيلة الوفد المرافق للرئيس تسعة وزراء جميعهم مسئولون عن ملفات اقتصادية ما عدا وزير الخارجية وتم التوقيع على ١٩ اتفاقية تعاون فى مختلف المجالات منها الطاقة والزراعة والاستثمار فى الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية وقد أعلن الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون فى نهاية الزيارة عن استثمارات صينية فى بلاده تصل قيمتها ٣٦ مليار دولار فى كافة القطاعات كما شهدت الزيارة انعقاد مجلس الأعمال الجزائرى الصينى والتاريخ يكشف عن تواجد الصين منذ عام ٢٠٠٩ على لائحة أول شريك تجارى ممول للجزائر بقيمة تسعة مليارات دولار كما وصل حجم استيراد الجزائر خلال العشرين عاما الأخيرة إلى ١٠٥ مليارات دولار. الزيارة نجحت فى تحديث اتفاقية الشراكة مع بكين الموقعة فى عام ٢٠١٤ وتم خلالها مناقشة الفرص والامتيازات التى يوفرها قانون الاستثمار الجديد فى الجزائر والاتفاق على استثمارات صينية فى قطاع الطاقة والبنية التحتية وكذلك فى الفوسفات كما أن البلدان يرتبطان باتفاقيات الخطة الخمسية الثانية للشراكة ٢٠٢٢ - ٢٠٢٦ والتى تم توقيعها فى نوفمبر من العام الماضى والخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق وخطة التعاون فى المجالات الرئيسية الممتدة حتى العام القادم أما الزيارة فقد شهدت توافقاً تجاه العديد من القضايا السياسية مثل الحرب فى أوكرانيا ودعم الجزائر للصين الموحدة والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وفى افريقيا.  


وتأتى زيارة تبون للصين على نفس خط ما جرى فى مباحثاته فى موسكو منذ حوالى شهر وهى الأولى من نوعها لرئيس جزائرى منتخب منذ ١٥ عامًا وكانت هناك دعوة مفتوحة منذ عام ٢٠١٩ ولكنها تأجلت بسبب كورونا والتى مثلت منافع متبادلة للطرفين، الجزائر سعت إلى تأكيد أنها دولة ذات سيادة لا تقبل المساومة فى قراراتها السيادية وتلتزم بمبدأ الحياد الإيجابى فى النزاعات الدولية وتسعى إلى حجز مكان لها فى النظام العالمى الجديد الذى يتشكل حاليا كما استثمرت روسيا الزيارة فى التأكيد على عدم صحة نجاح الحصار الدولى عليها كما نجحت الزيارة  فى تطوير العلاقات بين البلدين على الصعيد الاقتصادى عبر تطوير اتفاقية التعاون الاقتصادى الموقعة عام ٢٠٠١ إلى توقيع وثيقة التعاون الاستراتيجى دعمت العلاقات بين الجانبين سياسيا واقتصاديا ويصل حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار كما أن روسيا هى أكبر مورد للسلاح إلى الجزائر وتحدثت بعض التقارير على التوقيع على عقود تسليح بقيمة ما بين ١٢ إلى ١٧ مليار دولار كما نجحت الزيارة فى دعم الموقف الجزائرى الحريص على  سرعة الانتهاء من ملف الانضمام إلى مجموعة البريكس وكانت فى مقدمة أهداف الزيارة وهو ما أكد عليه الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون وقال تحديدا إن بلاده تريد التعجيل فى دخول المنظمة والخروج من هيمنة الدولار واليورو لما يشكل ذلك من فائدة كبيرة على الاقتصاد والمجموعة تضم كلا من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وتسعى الجزائر للانضمام كعضو مراقب كمرحلة اولى ثم العضوية الكاملة بعد ذلك خصوصا أن القمة القادمة ستعقد أعمالها فى بداية الشهر القادم فى جنوب افريقيا. 


وبعد فإن زيارتى الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون إلى موسكو ثم بكين أثارت ردود فعل قوية خاصة على صعيد أمريكا والتى يقلقها بالفعل زيارة بكين أكثر من روسيا فالعلاقات بين الجزائر وموسكو تمتد لعقود ومنذ بداية الاستقلال ولكن مخاوفها من الرغبة الصينية فى لعب دور سياسى فى مناطق نفوذ تقليدية لواشنطن والتى سعت  لفرملة التحرك الجزائرى من خلال دعوة وزير الخارجية الأمريكى انتونى بلينكن لنظيره الجزائرى أحمد عطاف لزيارة واشنطن فى أقرب وقت ممكن وفقا لارتباطات والتزامات كل منهما وهناك دعوة لعقد الدورة السادسة للحوار الاستراتيجى الجزائرى الأمريكى ومنتدى الأعمال خاصة أن أمريكا تسعى لأى محاولات لوقف ذلك التقارب وتوسيع التعاون فى مجالى الطاقة والأمن وقطاعات أخرى