الألغام الأرضية خطرًا مستمرًا فى جنوب لبنان

يعمل خبراء المتفجرات على تطهير الأرض من ماضٍ قاتل
يعمل خبراء المتفجرات على تطهير الأرض من ماضٍ قاتل

أسقطت إسرائيل 4 ملايين قنبلة عنقودية على لبنان فى حرب 2006، وقبل ذلك خلفت عقود من الحرب الأهلية فى لبنان إرثا من مئات الآلاف من الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، وبعده الحرب السورية. انتهت الحروب وظلت الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة منتشرة حتى اليوم، ولا تزال تشكل خطرا على حياة الناس.

 


تناول تقرير لمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية قصة تلك الألغام الأرضية، التى لا تزال الملايين منها منتشرةً فى لبنان، ومن يتولى مهمة إزالتها ومنع أضرارها الفتاكة، ومدى تأثر تلك المهمة بالأزمة اللبنانية الحالية.


خاض لبنان بين عامى 1975 و1990 حرباً أهلية، احتلت إسرائيل خلالها مساحات واسعة من جنوب البلاد، تاركةً مئات الآلاف من الألغام المضادة للأفراد والدبابات على الأراضى اللبنانية، وذلك بطول الحدود الفاصلة بين البلدين على مسافة 120 كيلومتراً.. وفى عام 2006، اندلعت حرب لمدة شهر بين إسرائيل وحزب الله اللبنانى، وشهدت تلك الحرب إسقاط إسرائيل ما يصل إلى 4 ملايين قنبلة عنقودية على لبنان، حيث أسقطت إسرائيل 90% من تلك القنابل فى الأيام الثلاثة الأخيرة من القتال.. وعند سقوط القنابل العنقودية نحو الأرض، تنطلق منها عدة متفجرات أصغر على مساحةٍ واسعة، وهى سلاح محرم دولياً. ولم تنفجر نحو مليون من تلك المتفجرات حسب التقديرات، بينما تكون هذه الحاويات المعدنية الفتاكة بحجم علبة المشروبات الغازية، ويمكنها أن تظل خاملةً فى الأرض لسنوات.. فى الآونة الأخيرة، أسفر امتداد الصراع فى سوريا عن احتلال مسلحى تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة لبعض أجزاء شمال شرق لبنان مؤقتاً، تاركين خلفهم عبوات ناسفة فى المناطق التى كانت خاضعةً لسيطرتهم برأس بعلبك وعرسال.


انسحب الجيش الإسرائيلى من جنوب لبنان عام 2000، وأصبحت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تشرف على منطقة عازلة صغيرة اليوم -وهى منطقة بعرض طريق ترابى تمثل الخط الأزرق. وبدأت أنشطة إزالة الألغام فى لبنان عام 2000، عندما كانت التقديرات تشير إلى تلويث نحو 37 ألف فدانٍ من أراضى البلاد بالألغام الأرضية والذخائر التى لم تنفجر بعد. وعكف الجيش على تنفيذ عمليات إزالة الألغام فى البداية. بينما بدأت الجهود الإنسانية لإزالة الألغام بعد عامٍ واحد، عندما دشّنت منظمة Mines Advisory Group البريطانية عملياتها فى البلاد، وقد جرى تطهير أكثر من 80% من الأراضى الملغومة، لكن العمل على الألغام المتبقية لا ينجز بالسرعة الكافية.
يعانى لبنان اليوم من أزمة اقتصادية متصاعدة، لذلك فجهود إزالة الألغام مهمة لحماية الأرواح، وضمان الأمن الغذائى والتنمية الاقتصادية على حدٍّ سواء، حيث يرغب ملاك الأراضى فى زراعة قطع الأراضى الملغومة للاستفادة منها، بينما يغامر آخرون بدخول المناطق الملغومة لجمع الحطب أو العثور على الخردة المعدنية.
لكن القيام بذلك محفوف بالمخاطر، فمنذ بداية الأزمة المالية فى البلاد فى عام 2019، تضاعف تقريبًا عدد الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا بسبب الألغام أو الذخائر غير المنفجرة سنويًا.


منذ عام 2019، زادت الأمور سوءا، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98 بالمائة من قيمتها أمام الدولار. ووفقًا للأمم المتحدة، تضاعفت معدلات الفقر-حيث يعيش أكثر من 80 %من سكان لبنان الآن تحت خط الفقر.. وفى الوقت ذاته، يعجز البرلمان المعطل عن التوافق على رئيس جديد للدولة منذ شهور.. ولكن بالرغم من انهيار الدولة اللبنانية المشلولة، استمرت أعمال إزالة الألغام حتى الآن بلا هوادة، وذلك بفضل الجيش اللبنانى الملتزم والمنظمات الإنسانية الدولية العاملة فى إزالة الألغام، وكذلك المئات من العاملين اللبنانيين فى مجال إزالة الألغام.


وتُعَدُّ Mines Advisory Group واحدةً من عدة منظمات تعمل على إزالة الألغام فى لبنان. وتعمل جميع تلك المنظمات تحت مظلة المركز اللبنانى للأعمال المتعلّقة بالألغام، وهو مركز تابع للجيش اللبنانى. إذ يُشرف الجيش على الجهود الإنسانية لإزالة الألغام فى البلاد ويُنسّق بينها. حيث يُحدد الجيش المناطق الأولى بالتطهير، ويُكلِّف منظمات إزالة الألغام بالعمل، ثم يُجرى تقييمه النهائى قبل إعلان المناطق التى صارت آمنة.


لكن رواتب الجيش فى لبنان انهارت بانهيار عملة البلاد، وأسفر ضعف الأجور عن زيادة معدلات الهروب من الخدمة. وتقول مجلة فورين بوليسى إن معدل الهروب من الخدمة لم يؤثر حتى الآن على المركز اللبنانى للأعمال المتعلّقة بالألغام، أو على التزام الجيش بإزالة الألغام، وذلك بناءً على وتيرة العمل التى رصدتها المجلة فى منطقتين لإزالة الألغام.. علاوةً على ما سبق، تعتمد أنشطة إزالة الألغام على المانحين الأجانب. إذ تراجعت الالتزامات المالية الدولية المخصصة لإزالة الألغام فى لبنان من 19.7 مليون دولار عام 2019، إلى 12.1 مليون دولار فى 2023. ويُمكن القول إن الحرب فى أوكرانيا، والسياسات المحلية للدول، والأحداث الجيوسياسية الأوسع نطاقاً لعبت دورها فى تشتيت انتباه بعض المانحين وتقليل الدعم.


وتدعم النرويج، والولايات المتحدة، وهولندا، وفرنسا، واليابان عمليات منظمة Mines Advisory Group فى لبنان. وكانت المنظمة تدير 15 فريقاً لإزالة الألغام فى الوقت نفسه أواخر عام 2020. لكن عدد الفرق انخفض إلى 9 فقط فى أوائل 2023.