«دكان صلاح» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

فراج أبو الليل
فراج أبو الليل

استيقظ الصباح حاراً .. يدعو شقق الضيق للهروب للشارع .. الوقت مبكراً .. المقاهي مازالت مغلقة .. تذكرت ترعة الزمر وتلك الزراعات والأشجار المحيطة بتلك المنطقة .. كانت تهدي للشقق السلمون بعض الهواء الرطب .. تم ردم الترعة  منذ زمن بعيد واختفت الزراعة من تلك المنطقة .. تاركة حرارة شمس يوليو تلهب العمارات السكنية بنار الصيف ..

ترددت فى الخروج من الشقة .. الشمس تنتظرني بحرارتها العالية .. الهواء  مقيد لا يستطيع الحركة ولزج أيضاً.. لم أسْألَهُ ما اسمه ؟ .. أعطيته الحساب ..  ومضيت .. لا أدرى لماذا ذلك الدكان الصغير؟  .. هنا سوبر ماركت كبير تتجوله بعربة التسوق .. لكني أرتاح لذلك الدكان .. ربما لبشاشة وجه ذلك الرجل الخمسينى .. وأدبه الجم ..

خرجت للتسوق كعادتي كل مساء  .. الدكان مغلق .. وعدم راحه يعتريني وأنا أتجول في السوبرماركت الواسع .. لا أعلم لماذا خرجت دون أن اشترى شىء؟ .. اتجهت للدكان .. مازال مغلقاً .. آذان المغرب .. بعد الصلاة .. دعانا الشيخ "عرفة" للجلوس وعدم الخروج  .. صلاة الجنازة .. سألت من بجوارى.. من الميت؟ .. ربما شخص أعرفه ..  فقال .. مالك دكان البقالة الصغير " الحاج  صلاح" .. لا أدرى لماذا كل هذا الحزن الذي سرق الدموع من عيناي  ..

رحلت أَرُدِّد أيها الغريب سترحل .. وربما تمنيت ساعتها أن ترحل شمس يوليو بحرارتها ولزوجتها الممرضة أيضاً .. مرت شهور علي رحيل الحاج  "صلاح" .. تم فتح الدكان .. ولكن ليس كما كان ..الأحفاد أتلفوا كل شيء .. تحول لمقهى للإنترنت تحت إدارة ابنه  "سالم " .. 

كلما مررت به  استنشق الماضى .. ولا أدرى هل حباً فى الماضى برمته .. أم أنى اشتاق لشيء ما لا أعلمه .. ربما القرية .. حيث الهدوء والسكينة .. بعيداً عن المدينة اللزجة التى تقتل أصحابها فى سرك العمل والمواصلات المزدحمة .. تلك الحياة السريعة ذات الطعم والرائحة الرديئة .. بحثاً عن الراحة المؤقتة .. كنت بين الحين والآخر أزور قريتي القاطنة فى حضن النيل غرباً  والجبل شرقاً .. ولكنها لم تعد كما عهدتها هي الآخري .. تحولت لقرية مستهلكة تستورد طعامها .. غزت الكتل الخرسانية الأراضي الخضراء بعشوائية متوحشة ..  تركت بعض المساحات الخضراء  المتناثرة من حقول القمح  ..  سيدات القرية الجديدات لم تعد لهن رغبة  في ممارسة  مهنة الزراعة  وتربية المواشي أو حتي الطيور  .. قالها " مبروك" بصوته المتقطع .. إنها الحداثة بكل سلبياتها وإيجابياتها .. 

كانت تلك المرة الآخيرة التي سألته فيها عنهم .. قال ..  هجروا القرية للعمل بعيداً حيث المصنع هناك  فى قاهرة الحجر والضوضاء ... أى شيء انتظره من ماضي ولى بلا رجعة ...عدت إلى شقتي ...أبحث عن هدوء لنفسي التائهة  بين ذكريات الماضى ..  سكبت الهواء فى كَفّ يدي اليمني بقوة حتى لا أتنفس ضباب المدينة .. سحبت الراحة من تلك المساحات الخضراء  في قصص جدي "معبد"  .. رن جرس الموبايل بصوت محمد قنديل (يا حلو صبح ..يا حلو طل)...ولكن أطل خبر وفاة جدي "معبد"...فضممته للذكرى.