إنها مصر

ثورة يوليو

كرم جبر
كرم جبر

كانت ثورة 23 يوليو صرخة قوية انطلقت من مصر، لتوقظ الدول والشعوب الواقعة تحت ظلم الاستعمار، وكان جمال عبدالناصر أيقونة للحالمين بالحرية والاستقلال.

صعدت الثورة وزعيمها للآفاق بعد حرب 1956، وانسحاب الدول الثلاث إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وكانت نقطة التحول العظيمة التى جعلت مصر فى صدارة الدول الداعمة لحركات التحرر فى العالم.

أما أبرز النكسات فى حياة الثورة، فكانت الانفصال عن سوريا وهزيمة 1967، وشكلا جرحا عميقا لعبدالناصر، ووراءها تحالفات دولية وإقليمية كثيرة لضرب النفوذ المصرى، وعدم السماح لقوة كبرى تظهر فى المنطقة وتقود دولها وشعوبها.

وبداية العداء بين مصر وأمريكا، كانت عام 1960، بعد حضور الرئيس جمال عبدالناصر الدورة 15 للجمعية العامة فى نيويورك، والحفاوة الشديدة التى قوبل بها، وهو ما عبَّر عنه الرئيس ايزنهاور بأن عبدالناصر يحكم نصف العالم، عندما انسحب رؤساء معظم الدول وراء عبدالناصر الذى غادر القاعة أثناء إلقاء مندوب إسرائيل كلمته.

ومنذ ذلك الوقت أدركت واشنطن أن عبدالناصر لا يمكن احتواءه، خصوصاً أنها كانت تنتظر منه أن يصبح حليفاً، عربونا لإجبار دول العدوان الثلاثى على الانسحاب فى حرب 56.

وكان حصول عبدالناصر على صفقة أسلحة من تشيكوسلوفاكيا الواقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتى نقطة فاصلة، وتأكدت واشنطن أن عبدالناصر يفضل الاتجاه شرقاً صوب الاتحاد السوفيتى، وأن آماله وتطلعاته تحول دون أن يكون صديقاً لأمريكا.

وكانت الصدمة الكبرى فى نكسة 1967، وتحول العداء الأمريكى من السر إلى العلانية بالدعم الكامل لإسرائيل سياسيا وعسكريا، وصدقت توقعات عبدالناصر بأن إسرائيل ستظل العقبة الكبرى فى طريق العلاقات المصرية - الأمريكية.

وفى الداخل كانت الثورة نقطة تحول هائلة فى حياة المصريين، وفتحت الأبواب أمام الطبقات المنعدمة للتعليم وتولى المناصب الكبرى، وغيرت الخريطة الاجتماعية بالكامل، وكان مستحيلاً أن يحدث ذلك إلا بثورة لها أهداف ثابتة، وزعيم لديه إصرار وعناد لإعادة توزيع الثروة والسلطة لصالح جموع المصريين.

وأميل إلى الآراء السياسية التى تذهب إلى أن الثورة أخطأت بالقضاء على الأحزاب السياسية ويئست من إصلاحها، والنظرة العادلة تؤكد أن الحياة السياسية كانت زاخرة بالحيوية والحرية، رغم اتهامها بالفساد والديكتاتورية.

ولا أميل لتصديق أن المصريين كانوا قبل الثورة فى أحوال معيشية أفضل، ويكفى مثال واحد هو أن رئيس البرلمان حامد جودة بك طالب فى إحدى خطبه من ملاك الأراضى تحسين أحوال العمال الزراعيين كما يهتموا بعلاج الماشية.

وميزة الثورة وعبدالناصر أنه حافظ على رصيد القوة الناعمة المصرية الذى تكون بعد ثورة 1919، من الأدباء والفنانين والشعراء، ولم يسمح بإقصائهم وإبعادهم، ورفض تماماً مقولة إنهم رجال العهد البائد، مؤكدا انهم ملك لمصر ورمز لتميزها.

ثورة يوليو بعد 71 سنة ستبقى علامة مضيئة فى تاريخ مصر، لها إنجازات وعليها أخطاء، لأنها تجربة حية وخلاقة وتعاملت مع ظروف داخلية وإقليمية ودولية فى منتهى الصعوبة.