أوتوموبيل الفن

مدحت عبد الدايم يكتب: رشدي أباظة دنجوان الكاديلاك وفارس مغامرات الجاجوار

مدحت عبد الدايم
مدحت عبد الدايم

■ بقلم: مدحت عبد الدايم

لم يكن الفنان رشدى أباظة محبًا تقليديًا للسيارات، بل عاش مولعًا بموديلات عديدة منها اتسمت بمواصفات خاصة، وعلى الرغم من اقتنائه عددًا من السيارات أبررزها: "البيكر" و"الدودج" و"الفولفو، إلا أن قلب "الدنجوان" ظل معلقًا بسيارته "الكاديلاك" ذات الطابع الكلاسيكى موديل 1960، والتى روعى فى تصميمها الموائمة بين انسيابية الشكل والذوق الرفيع، فضلًا عن كونها من أقوى السيارات الأمريكية لاشتمالها على محرك فائق تبلغ سعته ٨ سلندر، ما أهلها لأن تُعرف بسيارة الترف المكشوفة ذات البابين، أو سيارة "عش الحب" بفيلم "الزوجة 13" التى جمعت بينه وبين دلوعة الشاشة الفنانة شادية، حين تهادى صوتها الحالم هامسًا بخفة وعذوبة: "على عش الحب وطير يا حمام .. قول للأحلام أنا جاية قوام" فى واحدة من أروع الأغنيات السينمائية التى صاغ كلماتها الرقيقة مرسى جميل عزيز، وأبدع موسيقاها الرشيقة منير مراد، فيما خصص سيارته "جاجوار" موديل 1963 لمغامرات القيادة، وبلغ حسن ثنائه عليها الذروة لتمتعها بالقوة والمتانة رغم خفة وزنها. 

ولد رشدى سعيد بغدادى أباظة فى الثالث من أغسطس عام 1926 فى المنصورة، لأم إيطالية الجنسية، وأب مصرى ينتمى إلى الأسرة الأباظية ذات الحسب والثراء بمحافظة الشرقية، وحصل على شهادة البكالوريا من مدرسة  "سان مارك" بالإسكندرية، والتحق بكلية الطيران قبل أن يغادرها إلى كلية التجارة، ولكنه لم يكمل دراسته أيضًا جراء عشقه للرياضة وانخراطه فى ممارسة لعبة "كمال الأجسام" وواتته فرصة العمل بالفن عن طريق المصادفة حين رشحه ابن عمه الفنان أحمد أباظة لأداء أحد الأدوار بفيلم "رجل لا ينام" من إخراج يوسف وهبى عام 1948، وأسند إليه المخرج بركات فى العام ذاته دورًا بفيلم "المليونيرة الصغيرة"، ولإجادته: "الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية" سافر إلى إيطاليا عام 1950 بحثًا عن فرصة للظهور فى السينما العالمية، وذلك قبل أن يقتحم عمر الشريف هذا الميدان، لكنه لم يوفق وإن استطاع فيما بعد أن يعمل كدوبلير للأمريكى "روبرت تايلور" فى فيلم "وادى الملوك"، كما اشترك بفيلم "الوصايا العشر" للمخرج العالمى "سيسيل ديميل".

يُحسب لـ "جنتلمان السينما العربية" عدم التفاته إلى حجم الدور المسند إليه، لإيمانه بقدرته الفائقة على تقمص الشخصيات المتباينة، فى إطار حرصه على تنوع أدواره، والمتأمل لمشواره السينمائى يلمس هذا التنوع جليًا فى أفلامه التى بلغت نحو 160 فيلمًا، حيث اتسمت مرحلة البدايات من حياته الفنية بنجاحه فى لفت أنظار المنتجين والمخرجين إلى موهبته كما هو الحال فى أفلام: "الأسطى حسن، حياة أو موت، جعلونى مجرمًا، ارحم دموعي، إنى راحلة، موعد غرام، من القاتل، دليلة، إسماعيل يس فى البوليس، إزاى أنساك، لن أبكى أبدًا، لا أنام، رد قلبي". 

ترسخ اسمه لدى الجماهير بفيلم "تمر حنة" عام 1957، فيما وضعه فيلم "امرأة فى الطريق" عام 1958 فى مصاف كبار النجوم، وتوالت نجاحاته بشكل لافت، وتحققت شعبيته بعد فيلم "صراع فى النيل" 1959، وفى نفس العام استطاع أن يخلع قلوب المشاهدين كممثل متمكن له سطوته من خلال أدائه المبهر بفيلم "الرجل الثاني" وبدا كفتى أحلام العذارى فى فيلم "المراهقات" 1960، وكبطل شعبى محنك بفيلم "وا إسلاماه" عام 1961، وأجاد تمثيل الشاب الأرعن الذى تتحول حياته وتتغير أحواله ويتعمق حسه الوطنى بفيلم "فى بيتنا رجل"، ويقدم واحدًا من أجمل أدواره الكوميدية عام 1962 بفيلم "آه من حواء"، ويجمع بين ما هو كوميدى وتراجيدى فى دوره الخالد بفيلم "الزوجة 13"، ويلعب دورًا استثنائيًا بفيلم "لا وقت للحب" أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة عام 1963، ويبلغ أداؤه القمة بفيلم "الطريق" 1964، ويمضى فى تأكيد سحره وجاذبيته كفتى أول، وو ما كرس له بفيلمى "الساحرة الصغيرة" و" صغيرة على الحب" أمام سندريلا السينما العربية سعاد حسني، وحين بدا له أن مخرجى السينما يعزفون على وتر تلقائيته الكوميدية وسحره لدى النساء كما هو الحال بفيلم "نص ساعة جواز" أمام شادية 1969، وبفيلم "نار الشوق" 1970، حلَّق بعيدًا إلى فضاء آخر بفيلم "غروب وشروق" كاشفًا عن قدرات جديدة لديه، وانتقل من الزوج الذى يرتبط بأقرب صديقات زوجته فى "الحب الضائع" إلى الباشا الثرى صاحب النفوذ الممارس لنزواته فى "شيء فى صدري"، ثم إلى الرومانسية الحالمة فى "ابنتى العزيزة" 1971، ويجسد شخصية الضابط المطارِد لعصابات التهريب فى "ساعة الصفر" 1972، ومنها إلى الشرير الطماع فى "الشيطان والخريف" ورجل الشرطة القائد الحازم فى "كلمة شرف" 1973، والزوج القاسى الأنانى فى "حكايتى مع الزمان" والطبيب النفسى البارع فى "أين عقلى 1974، والدبلوماسى الرافض للانفصال عن زوجته فى "أريد حلًا" 1975، والكوميديان الراقى فى "عالم عيال عيال" 1976، والممثل المكتمل فى " آه يا ليل يا زمن" 1977. 

يرى رشدى أباظة أن قدرات محمود المليجى الفنية تفوق "أنتونى كوين" وأنه أهم ممثل على وجه الأرض، كما يرى أن أقرب أصدقائه إلى نفسه هو الفنان أحمد رمزى الذى يقول عن رشدى أنه طفل كبير، سريع التشاجر إذا ما غضب، لذا فإن أغلب سهراتهما كانت تنتهى فى أقسام البوليس، يقول رمزي: "كان رشدى إذا ما أراد الهروب من البلاتوه - بسبب عشقه للسهر- يقوم بإحضار وجبة للعاملين بالأستوديو من أحد المحال القريبة، تتكون من الفتة واللحم ولية الخروف والشطة، وبعد التهام هذه الوجبة بربع ساعة يشعر الجميع برغبة شديدة فى النوم، فيضطر المخرج إلى تأجيل العمل للغد، لينصرف رشدى إلى سهراته المعتادة"، ومن المواقف المحرجة التى تعرض لها "الدنجوان" أنه بعد النجاح الساحق لفيلم "الزوجة 13" تعاقد مجددًا مع المخرج فطين عبد الوهاب للقيام ببطولة فيلم "مراتى مدير عام" أمام شادية، وحصل على أجره عن الفيلم مسبقًا، وتم تحديد بداية التصوير، وحدث أن ارتبط الفنان صلاح ذو الفقار بالفنانة شادية فى تلك الفترة، فرأى المخرج استغلال ذلك الحدث كنوع للدعاية للفيلم، ولم يخبر رشدى بحقيقة استبداله بصلاح، وفى أول أيام التصوير فوجيء العمال برشدى أباظة يقتحم الأستوديو، فتوارى الجميع خوفًا من ردة فعله، ولكن رشدى – الذى تسرب إليه الخبر- قدم باقة ورد إلى صلاح ذو الفقار، متمنيًا له التوفيق فى أداء الدور، وترك للمخرج مظروفًا رد فيه أجره عن الفيلم، وليظل "الجنتلمان" صاحب الحضور والألق إلى الرمق الأخير، قبل أن يلقى ربه فى 27 يوليو 1980 بمستشفى العجوزة، عقب استئصاله ورمًا خبيثًا من المخ، وذلك أثناء قيامه بتصوير فيلم "الأقوياء".