سبوبة الأكاديميات الوهمية| خبراء النصب و«التجميل»!

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: علا نافع

لم تتخيل ريم أن تصبح واحدة من ضحايا أخصائيى البشرة والشعر الذين انتشروا بشكل كبير مؤخرًا، وباتت مواقع التواصل الاجتماعى وسيلتهم لاصطياد زبائنهم، فبعد أن كانت صاحبة الثلاثين عامًا تستعد لحفل زفافها نهاية الشهر الجارى تحطمت أحلامها وبدأت رحلة علاج مكثفة ربما تمتد لعدة أشهر، إذ تضررت بشرتها وأصيبت بحروق خطيرة أثرت فى وجهها فضلًا عن الآلام التى شعرت بها بعد جلسة ليزر مكثفة لتفتيح البشرة. الغريب أنها بعد تواصلها مع الأخصائية نصحتها بوضع كمادات ثلج ممزوجة بماء الورد على المناطق المصابة دون الحاجة لعلاج طبي.

◄ الفيسبوك يسهم فى انتشارها ورسوم زهيدة للحصول على الدورات

◄ طلب إحاطة بمجلس النواب لمواجهة انتشار المراكز الوهمية 

المؤسف أن هذه «الأخصائية» تحظى بشهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعى، فهى تطلق على نفسها «ملكة التجميل» وتروِّج لبعض الأكاديميات الخاصة بهذا المجال دون أن تحمل أى ترخيص لمزاولة المهنة أو حتى شهادة طبية معترفا بها، كما تروِّج لمنتجات وخلطات علاجية صنعتها بنفسها، وتحقق أرباحًا كبيرة، حيث يتابعها ملايين الأشخاص على حسابيها على «إنستجرام» و«تيك توك».

◄ معالجو الشعر
أما أميرة. س، فهى فتاة عشرينية تعشق علاجات فرد الشعر وتطويله، خاصة أن رأسها يعانى عدة فراغات منذ طفولتها تسبب لها ضيقًا، ما دفعها للتواصل مع إحدى أكاديميات التجميل الخاصة التى لها فروع بمناطق عدة، حيث تضم أخصائيين للتجميل يحملون شهادات خبرة وشهرة واسعة بالقنوات التلفزيونية بحسب رد موظفى الأكاديمية. لم تشعر أميرة بأى خوف أو قلق خلال زيارتها الأولى للأكاديمية، ولاقت ترحيبًا شديدًا من أخصائى الشعر الذى أكد لها خبرته الواسعة فى المجال مستعينًا بصور فوتوغرافية مع بعض الفنانات. لم تهتم بسؤاله عن مؤهله الدراسى أو ترخيص مزاولة المهنة فيكفيها شهادات الخبرة المعلقة على حوائط الأكاديمية التى اكتشفت بعد ذلك أنها مزورة وتم إصدارها من جهات وهمية!

ومع الجلسة الأولى لتطويل الشعر، لاحظت تقصف شعرها وحكة مزعجة تهاجمها من آن لآخر، لكن الأخصائى طمأنها بأن علاجات الشعر قد تسبب هذه الأعراض، إضافة إلى احمرار جلد الرأس نتيجة لتنشيط الدورة الدموية، لكن مع الأيام التالية شعرت بصداع مزمن وظهور بثور طفيلية بمقدمة الرأس ما جعلها تسارع بالذهاب لطبيب جلدية الذى أكد لها إصابتها بمرض جلدى طفيلى بسبب علاجات خاطئة، وسيستغرق علاجه أسبوعين، لتسارع بتقديم بلاغ تتهم فيه المركز بالنصب وانتحال الأخصائيين صفة غير قانونية.

◄ اقرأ أيضًا | «مكياج» وزيرة خارجية ألمانيا يثير الجدل

◄ أكاديميات متزايدة
تزخر مواقع التواصل الاجتماعى، خصوصا «فيسبوك» بإعلانات عن أكاديميات للتجميل تقدم كورسات فى مجالات العناية بالبشرة والشعر بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى الحجامة النسائية، ودبلوم التغذية العلاجية، وفور الانتهاء من الدورة تحصل المتدربة على كارنيه نقابة المهن التجميلية، فضلًا عن شهادات معتمدة من جهات تعليمية خارجية بحسب الإعلان. تتوالى الأسئلة والاستفسارات على صفحة الفيسبوك من قبل الفتيات حول شروط التقديم والميزات التى سيحصلن عليها.

تواصلنا مع إحدى هذه الأكاديميات الموجودة بمدينة نصر، فأكدت «منة» أدمن الصفحة، أن الأكاديمية تقدم كورسات متنوعة منها كورس «العناية بالبشرة»، ويشمل كيفية تحديد الروتين اليومى لكل بشرة، والتدريب على أجهزة العناية بالبشرة الحديثة، كذلك أجهزة البخار والفاكيوم، أما كورس العناية بالشعر فيتضمن تحديد نوعية الشعر ودورة حياته، والأهم الروتين المناسب له سواء أكان شامبو أو بلسم.

وعن رسوم الكورس قالت: تصل رسوم الاشتراك فى الكورس إلى ثلاثة آلاف جنيه، حيث تمتد المحاضرات لشهرين بواقع ثمانى محاضرات، مؤكدة أن المشرفين على الأكاديميات خبراء فى البشرة والشعر ومعتمدون لدى كبرى الصالونات ومراكز التجميل وأغلبهم يصف علاجات مستوردة ذات جودة عالية.

وأوضحت أنه لا توجد شروط للالتحاق بالأكاديمية وغير مطلوب مؤهل علمى معين، كما أن دور الأخصائيين يقتصر على الاعتناء بالنواحى الجمالية دون أن يصف أى علاجات أو أدوية طبية، فدوره مكمل للطبيب، ولا يتعارض مع عمله الطبى خاصة بعد إنشاء نقابة للمهن التجميلية التى تراقب أى انتهاك للمهنة.. ونفت منة وجود أى شكاوى أو أخطاء طبية ارتكبها خريجو الأكاديمية، بل إن أغلبهم يحمل شهادات خبرة وتقدير من الجهات التى عملوا بها، مشيرة إلى أن صفحاتهم على الفيسبوك تحظى بملايين المتابعين، وتتهافت القنوات الإعلامية على استضافتهم.

◄ شهادة معتمدة 
واحدة من هؤلاء الأخصائيات تروِّج لخبرتها وقدرتها على حل كافة مشكلات البشرة والشعر بسهولة تامة وفى مدة لن تتجاوز الأسبوعين، من خلال الفيديوهات التى تقوم ببثها على صفحتها بالفيسبوك، إذ يتابعها آلاف السيدات اللاتى يصفنها بالدكتورة، ويوجهون لها الأسئلة الطبية المتعلقة بأمراض البشرة والشعر، لترد على الأسئلة وتصف علاجات طبية وخلطات طبيعية قوية، ولم تنته عند هذا الحد بل تقوم بتنظيم كورس كامل يضم علاج البشرة بتقنيات البى بى جلو والميكرونيدلينج، إضافة إلى جلسات تقشير الحبوب وعلاج التصبغات الشديدة والكلف الناتج عن الحمل، كما تنظم أقوى دبلومات العناية بالبشرة بأرخص سعر فى مصر بحسب حديثها مع الحصول على شهادات خبرة معتمدة من كبرى صالونات التجميل والمراكز المشهورة.

الغريب أن الأخصائية أشارت إلى أن الدورة التدريبية تصل مدتها لست ساعات فقط  برسوم تبلغ 200 جنيه إذ تؤكد أنها لا تحتاج شهورًا أو أسابيع كى تصبحى أخصائية تجميل فى الديرمابن والميزوثيرابي، والأهم أنه برعاية واحدة من شركات التجميل الوهمية التى تحمل اسم «»tnova، وفور الانتهاء من الكورس تحصل المتخرجة على شهادة من إحدى الأكاديميات البريطانيات برسوم إضافية ويمكن توثيق تلك الشهادة خارجيًا وبالبحث عنها وجدنا أنها  أكاديمية لا وجود لها من الأساس أيضًا.

ولا تتبع الأكاديمية اللجنة النقابية للعاملين بالمهن التجميلية وعروض الأزياء التى تم تأسيسها مؤخرًا وذلك بحسب بيان اللجنة الذى نشرت فيه الأكاديميات والمدربين المعتمدين لديهم.

◄ منتحل صفة
فيما يقول الدكتور محمود نور، إنه  مع انتشار مهنة أخصائى البشرة والشعر فقد المرضى ثقتهم بالأطباء خاصة أن أغلب العاملين بتلك المهنة يطلقون على أنفسهم أطباء و«خبراء تجميل» بل ويصفون علاجات دوائية قد تودى بحياة المرضى فى بعض الأحيان، فالأكاديميات التى تتولى تدريبهم لا تشترط شهادة تعليمية معينة بل إن أغلبهم يحمل شهادات متوسطة، مشيرًا إلى أنهم يستغلون مواقع التواصل الاجتماعى للإعلان عن أنفسهم باعتبارهم أطباء تجميل ويقدمون فيديوهات حول طرق العناية بالبشرة والشعر.

ويشير إلى أن المراكز والأكاديميات التى تضم هؤلاء العاملين تعد بؤرة لانتشار أمراض شديدة الخطورة كالإيدز والثعلبة، والسنط التناسلى، كما أن تقنيات التقشير الكيميائى التى يلجأون إليها تسبب حروق الوجه والجلد بل وتؤدى لأنواع مختلفة من سرطان الجلد، مؤكدًا أن مسمى أخصائى البشرة والشعر لا يجوز إطلاقه إلا على من لديهم خلفية طبية أو دراسة طب التجميل والأمراض الجلدية.

ويضيف الدكتور يحيى دوير، عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة: بالطبع زادت مؤخرًا أعداد أخصائيى البشرة والشعر الذين لا يحملون أى شهادات طبية مما يشكل عبئًا على أطباء الجلدية والتجميل، خاصة مع عدم وجود تراخيص لديهم لمزاولة المهنة مما يصبح من الصعب وجود رقابة مشددة عليهم أو على الأكاديميات التى يتخفون تحت ستارها، مشيرًا أن العيادات الطبية والمستشفيات هى التى تخضع للرقابة من قبل وزارة الصحة. ويطالب دوير وسائل الإعلام بالتحقق من الصفة القانونية للأشخاص الذين يتم استضافتهم وتقديمهم على كونهم خبراء تجميل وبشرة.

◄ المهن التجميلية
من ناحية أخرى يوضح أحمد سليم، رئيس مجلس إدارة اللجنة النقابية للمهن التجميلية أنه تم تأسيس اللجنة النقابية لتضم العاملين بالمهن التجميلية ومصممى الأزياء بعد أن زادت أعدادهم بشكل كبير وتخضع لإشراف مباشر من وزارة القوى العاملة والجهاز المركزى للمحاسبات، وتوفر اللجنة خدمات مهمة منها إثبات المهنة فى البطاقة، وتقديم دورات تدريبية يقدمها أطباء مختصون، ويؤكد أن اللجنة توضح من آن لآخر أسماء المدربين والأكاديميات المعتمدة لديهم منعًا لانتحال صفة غير قانونية أو الانتساب للجنة، إضافة إلى خدمة التحقق من الشهادة التدريبية التى تقدمها أكاديميات التجميل.. وعن أعداد أخصائيى البشرة والشعر يؤكد أنه لا يوجد رقم رسمى لهم خاصة مع تزايد أعدادهم يومًا تلو الآخر، لكن هناك شروط لابد أن يخضع لها الأخصائى أهمها عدم كتابة روشتة طبية أو احتواء المكان الخاص به على أجهزة ليزر أو سرنجات حقن، وإذا ما خالف الأخصائى تلك الشروط يتم طرده من اللجنة أو تقديم شكوى رسمية فيه.

◄ طلب إحاطة 
وكان النائب أيمن أبو العلا رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية ووكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قد تقدم بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، موجه إلى الدكتور وزير الصحة، بشأن انتشار مراكز للعناية وعلاج البشرة غير مرخصة ولا يشرف عليها أطباء جلدية، كما يتواجد بها أشخاص تحت مسمى «أخصائى البشرة والشعر» دون إشراف طبى، رغم أنهم يتعاملون مع جلد وشعر الإنسان، مضيفا أن انتشار تلك المراكز أصبح ظاهرة، فتلك المراكز لا تشترط للعمل داخلها، الحصول على مؤهل طبى، وإنما مجرد الحصول على دورات تدريبية تتراوح مدتها بين أيام وشهور.