«أم المصريين» تروي مشهد القبض على سعد زغلول باشا

السيدة الجليلة صفية زغلول مع سعد باشا من البداية للنهاية
السيدة الجليلة صفية زغلول مع سعد باشا من البداية للنهاية

عندما نفى الإنجليز سعد باشا زغلول للمرة الثانية إلى جزيرة «سيشل»، زحفت الجماهير إلى «بيت الأمة»، قرأت عليهم سكرتيرة زوجته السيدة صفية زغلول البيان الذى تقول فيه: «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة اعتقلت سعداً ولسان سعد فإن قرينته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها فى المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وتعتبر نفسها أماً لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية»، فهتف أحد قادة المظاهرة قائلا: «تحيا أم المصريين»، ومن يومها أصبح لقبها «أم المصريين»، مع أنها لم تنجب طوال حياتها.

وقد وفدت إلى مصر الآنسة «تيري» مراسلة جريدة «شيكاغو تريبون» لإجراء حديثٍ معها، وقبل أن ترسل الحديث إلى جريدتها سلمت نسخة للسيدة الجليلة التى أطلعتنا على نص الحديث فعرضنا عليها نشره ليطلع عليه الشعب المصري الكريم ويعرف ماذا قالت عن اللحظات الصعبة التى عاشتها وقت اعتقال الزعيم ونفيه، وإليكم نص الحوار كما دار معها. 

◄ اقرأ أيضًا | سعد زغلول: النحاس مناضل وطني مخلص في غاية الوفاء والذكاء

تقول الآنسة تيرى: «استقبلتنى حرم سعد باشا الزعيم الوطني المنفى فى جزيرة سيشل فى بيت الأمة، قادنى الخادم إلى بهو فسيح وأخذت أطالع التحف الفنية الرائعة على الجدران، قطع الصمت وقع أقدام ربة الدار، ردت على تحيتى بابتسامة جذابة، مضيفتى سيدة جميلة، متوسطة القامة ذات بشرة شفافة ناصعة البياض، سحر جمالها مركز فى عينيها اللتين تضيقان كخطٍ مائلٍ عندما تنصت لمن يحدثها، وتلمعان بوهج عندما تتحدث عن آمالها العظيمة، اسمها يعنى الصفاء والنقاء، قالت لى إنها تحب كل الأشياء الجميلة، وتجيد التطريز وشغل الإبرة، ثم انتحت بى فى حجرة استقبال فخمة، وقدمت لى المقعد الخاص بمكتبها الصغير فسرنى أن أضع يديّ على المكتب الذى تصيغ عليه البيانات المؤثرة، سألتها عن مكانة سعد باشا فى حياتها فقالت: « مضى على زواجنا ستة وعشرون عاما ونحن متفقان ومتحابان ولم يحدث خلالها أى خلاف يعكر صفونا.. إنه كل شيء بالنسبة الىّ.. فهو زوجى وأبى وشقيقى».

■ بالتأكيد متشوقة لرؤيته فى المنفى؟
- نعم، لأنه متقدم فى السن، ولم تعد صحته تساعده على تحمل آلام المنفى، وهو يشكو منذ سبعة عشر عاما من داء السكر والسعال المزمن وضيق التنفس.

■ هل يكتب إليكِ ؟
- ارسل إلىّ من عدن 5 أو 6 خطابات، ووصلنى من «سيشل» خطاب واحد، وتصلنى منه برقيات كثيرة ينبئنى فيها عن أحواله.

■ ما رأيك فى المطالبة بإطلاق سراحه أو نقله إلى منفى آخر؟
- من حق مصر أن تطالب بعودة زعيمها، نحن أصحاب حق، ولا يملك أحد أن ينكر حقنا فى الاستقلال، نحن أحرار لا سيد علينا غير إرادة شعبنا الذى آن له أن يحصد نتيجة نضاله، والنصر حليفنا بإذن الله.

■ كيف تمت عملية نفى الباشا وماذا قال لكِ وقتها؟ 
- وصله إنذار فى منتصف العاشرة مساء يطالبه بالذهاب إلى العزبة واعتزال العمل بالسياسة، كأنه موضوع تحت المراقبة، الباشا رفض الإنذار وتجمع الطلاب وعناصر من الشعب أمام المنزل، وصلت قوة عسكرية أطلقت النيران على المتظاهرين العزل، ووقع قتلى ومصابون تم نقلهم إلى داخل المنزل لتلقى العلاج، وظل الحال لساعة متأخرة من الليل، وفى الحادية عشرة خطب الباشا فى المتظاهرين وطلب منهم الانصراف لمنازلهم فأطاعوه، وكنت أسمع طوال الليل مرور الدوريات العسكرية التى تقيم المتاريس على منافذ الطرق، وفى صباح اليوم التالى شاهدت خمسة عشر جنديا بريطانيا فى حديقة المنزل، كان الباشا مستريحا فى فراشه، ارتديت ثيابى وأخبرت الضابط أننى سأرافق زوجى لكنه رفض وطلب نزول الباشا فقلت: «الباشا سينزل عندما ينتهى من ارتداء ملابسه، الباشا ليس جبانا حتى يفكر بالفرار وتستطيع أن تصعد إلى حجرته لتطمئن بنفسك»، فصعد إليه وكأنه لا يصدقنى، ألححت فى مرافقة زوجى ولكن الضابط رفض بشدة، فأمسكت بيد زوجى قبل أن يركب السيارة وقلت «استودعك الله»، لم يسمحوا له بحقيبة صغيرة، وفى اليوم التالى أخذوا أمتعته وسمحوا لخدمه بمرافقته.

■ لماذا لم تطلبى تصريحاً بمرافقته؟
- بعض أفراد أسرتى طلبوا ذلك من السلطة البريطانية للسفر معه، لكنهم لم يصرحوا، وقلت فى نفسى إن الله أراد ذلك لكى أبقى فى مصر لمواصلة النضال وممارسة كافة الضغوط لتحرير زوجى وعودته للأمة التى انتفضت من أجله، ولن تهدأ إلا بالإفراج عنه ومن معه.  

■ ما هو تقييمكِ للحالة السياسية فى غياب الزعيم؟
- أنا غير راضية عن أداء الحكومة الآن ولا أفهم معنى التضييق على الصحافة التى إذا قُيدت وفُرضت الرقابة عليها ومُنعت من نشر نداءات الأمة التى تطالب بعودة سعد باشا من منفاه، فهذا تضييق على الوطن وخنوع وخضوع للمحتل، وسوف يتغير كل هذا بإرادة الأمة.

■ وما رأيكِ فى وضع الدستور؟
- الدستور يجب أن تضعه جمعية وطنية تحوز ثقة مصر كلها ولا تُشكل بواسطة الحكومة الحالية.

■ وما رأيك فى وزارة ثروت باشا ؟
- لقد فشلت سياساته فى الحصول على تأييد الأمة وثقتها وعطفها

■ هل وجهت نداء إلى أمريكا ؟
- كلا.. أظن أن صحفيا أمريكيا تحدث مع سيدتين أو ثلاثٍ من أعضاء لجنة الوفد، وأعتقد أن أمريكا تتمتع بأخلاق شريفة وتحمل لواء الحرية والعدالة والمساواة، وتعمل على أن تعم مبادئها الدنيا كلها، وكلما تمكنت أمة من التحرر فذلك انتصار للمبادئ التى تجاهد أمريكا فى سبيلها.
«اللطائف المصورة» - 30 ديسمبر1921