دراسة خطيرة تكشف عن العالم الغامض للهنجرانية

جماعات الغجر في مصر
جماعات الغجر في مصر

محمود صالح

  فى هذا العالم الغريب المثير.. الرجال ليسوا قوامين على النساء..

الرجال هنا مهمتهم هى الجلوس فى المنزل، العناية بالأطفال، تجهيز الطعام للزوجة، وفى المساء التسكع بين المقاهى، وتدخين سجائر الحشيش.

أما الفتاة أو الزوجة، فمهمتها مختلفة تمامًا، وهى الخروج من المنزل فى الصباح الباكر للبحث عن الرزق، ولكنه ليس رزقًا حلالا.

زمان كانت الهنجرانية لا تظهر إلا فى حافلات النقل الجماعى، الآن نجدها امام البنوك، محلات الذهب، تحترف التمثيل للإيقاع بالضحايا لسرقة ما معهم من أموال، وليس شرطًا أن يكون الضحية رجلاً او امرأة، المهم أن تعود إلى منزلها بأموال لا تكفى فحسب لسد احتياجات بيتها، وإنما لوضع أرصدة فى البنوك، على أن يخصص جزءًا منها لما يشبه صندوق تبرعات مهمته سد احتياجات اسر المقبوض عليهم.

عالم غريب ومثير يكره فيه الرجال «خلفة» الاولاد، لان الولد حسب قوانينهم «عار» لا يجلب المال، أما البنت فهى بالنسبة لهم الكنز المنتظر، حتى فى حال زواجها فمهرها يتخطى احيانًا المليون جنيه، كواليس واسرار غريبة ومثيرة تكشف عنها الدراسة التى قام بها الدكتور نبيل صبحى، والتى نكشف تفاصيلها خلال السطور المقبلة..

في دراسته «جماعات الغجر في مصر: دراسة أنثروبولوجية في الشخصية الغجرية والتكامل الاجتماعي»؛ والتي ضمها فيما بعد إلى كتابه «جماعات الغجر في الوطن العربي»، قدم أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، الدكتور نبيل صبحي حنا، شروحات مستفيضة عن «الهنجرانية»، وأوضح في دراسته عدة حقائق عن حياة الغجر، عاداتهم وتقاليدهم، وأشهر المهن التي يمتهنون بها، كالنشل والسرقة والرقص. وكيف أنهم حافظوا على نمط حياتهم قرونًا عدة، دون تغير.

أسماء عدة أطلقت على الهنجرانية، كالغجر، والنوّر، والحلب، لكن على كثرة مسمياتهم، فإن طباعهم شبه واحدة، وتقاليد حياتهم ثابتة، وحتى إن بدا عكس ذلك، فالطبيعة الغجرية تميل كل الميل إلى إخفاء حقيقتها حتى لا تتعرض لأذى وحتى لا تحوم حولها الشبهات.

هذا ما أوضحه الدكتور نبيل صبحي حنا، في دراسته التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه، واصفًا حياة الهنجرانية بالعالم الغريب الغامض، والسري، والذي يحكمه قانون خاص، وعادات وتقاليد غريبة في الزواج والطلاق والعمل.

حياة الهنجرانية

أوضح نبيل صبحي حنا، أن الهنجرانية يمتهنون في حياتهم كل سبل العيش الإجرامية الخطيرة، وأن مواصلة القبض عليهم وتتبع تحركاتهم لم ترجعهم عن هذه الطرق التي يسيرون فيها، وإن هدفهم الوحيد هو المال، وكلهم - بلا استثناء - تحكمهم قوانين الطائفة، والتي يعتبرونها فوق الجميع، ملتزمون بهذه القواعد أشد الالتزام، ولا يجرؤ أحد منهم على عدم تطبيقها.

كل تفاصيل حياة الهنجرانية كوم، وطبيعة الإناث في حياتهم كوم آخر، وهذا ما أوضحه «حنا»، حيث أفاد في دراسته أن البنات لهن وضع خاص، وأنهن مقدمن على الرجال، وأن إنجاب البنات من شأنه إدخال الفرحة والسرور على قلب الأسرة، على عكس إنجاب الذكور. الأمر الثاني أن مهرهن أعلى من بنات الأثرياء، على الرغم من دمامة وجوههن وفظاظة أسلوبهن، وأرجح هذا إلى أن السيدة الغجرية هي رب المنزل، تقوم مقام الرجل، حيث يكون عليها الخروج من المنزل والبحث عن رزق الأسرة، والزوج هو الذي عليه أن يباشر أعمال البيت من تنظيف وطبخ وتربية الأطفال وانتظار زوجته حتى تعود له بالمال.

بل أن من ضمن الطقوس الغريبة للزواج في مجتمع الهنجرانية، أن مهر الفتاة يحدد وفقًا لاعتبارات مختلفة، وليس على أساس جمالها أو رشاقة جسدها أو نصاعة بياضها أو نعومة شعرها، فكل هذا ليس له أي تقدير أو أهمية للعريس، ولكن أهم شيء والمقياس الحقيقي هو حصيلة السرقة اليومية!، والدخل السنوي من السرقة!.

على هذا يحدد المهر. وكلما كانت الفتاة تسرق كثيرا كلما زاد مهرها، وأصبح لزامًا على العريس أن يقدمه لها لتدخل عش الزوجية.

بعد الزواج، يكون الرجل في الأسرة الهنجرانية له وضع مختلف، فمهمته في الحياة هي تربية الأولاد والجلوس في البيت للراحة وشرب الحشيش.

باختصار.. الرجل في المجتمع الهنجراني يفعل ما تفعله السيدة في الأصل، والسيدة في المجتمع الهنجراني تفعل ما يفعله الرجل في الأصل، وأن أى خروج على هذا العرف هو ثمة خروج على الطائفة كلها.

لا مدارس ولا جامعات

وعن أشهر ما يمتهنوه الهنجرانية، أضاف الدكتور نبيل صبحي حنا، أن النشل، هو أكثر الأعمال الإجرامية التي يجيدونه ويتدربون عليه منذ الصغر.

وما يؤكد ذلك، أن أطفال الهنجرانية لا يعرفون المدارس أو الجامعات، وكل هدفهم في الحياة تعلم كيفية السرقة، بالإضافة إلى تصنيع المخدرات، وتجهيز الشيشة للأب.

بل الأدهى والأمر، أن هناك أساتذة للسرقة في الهنجرانية، هدفهم القيام بتدريس علوم السرقة، وكيفية الهرب بعدها، وطرق مشاغلة المجني عليه أثناء السرقة، وكيفية تحديد الضحية قبل الاقتراب منها، والأسلوب المتبع مع كل ضحية، وكيفية قص المشغولات الذهبية للضحايا من الأسواق بخفة يد، من دون أن يشعر الضحية بأي شيء.

لم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن الهنجرانية اخترعوا طرقًا جديدة للتخفي والتمويه، منها تغير الملابس بعد ارتكاب عملية النشل، حتى لا يتعرف عليهم الضحايا ويستطيعون الإفلات بجرائمهم.

وفي حالة القبض على أي هنجرانية، تكون المسؤولية على الزوج، فيقوم بمتابعة محاكمتها وإرسال كل ما تطلبه من داخل محبسها.

الغريب هنا، أنه على الهنجرانيات أن يتبرعن من حصيلة سرقاتهن شهريًا في ما يشبه صندوقًا، يكون الهدف منه صرف راتب شهري للهنجرانيات المقبوض عليهن، ولأزواجهن.

 قوانين الهنجرانية

شرح الدكتور صبحي صالح حنا، في كتابه «جماعات الغجر في الوطن العربي»، أن للهنجرانية عدة قوانين مختلفة، تتخذها هذه الطائفة لنفسها ضمن نظام خاص يتبعونه، ويتعاملون به.

أولى هذه القوانين هو السرية التامة في شئونهم، وعدم إفشاء أسرارهم لأحد، بالإضافة إلى عدم الاعتداء على حق أي هنجرانية في المكان، الذي خصصته لسرقة ضحاياها، فهناك تقسيم جغرافي، وكل أسرة لها مكان مخصص للسرقة، وفي حالة اعتداء هنجرانية على منطقة هنجرانية أخرى، يتم تقسيم الغنيمة عليهم، وفي حالة تكرار ذلك يتم دفع الحصيلة كلها لصاحب المكان بالكامل، ولا يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى. أيضا يتم تقسيم العمل على الأطفال ليكونوا أداة لشغل الضحية أو سرقته، وهناك ما هو أغرب وأخطر من ذلك، إذ إنه عندما يتم القبض على سيدة هنجرانية وبجوارها صديقتها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الإبلاغ عنها مهما يكون الأمر، حتى لو تعرضت للتعذيب لعدة أشهر.

وكذلك معروف عن أفراد هذه الطائفة، أنهم يحلون مشكلاتهم الخاصة فيما بينهم، ولا يلجأون إلى القضاء أو أقسام الشرطة، فيذهب المجني عليه إلى كبيرهم، ويقدم له شكواه، سواء شفهية أو مكتوبة، ويبدأ هو في التحقيق فيها، واستدعاء الجاني ويحكم كبيرهم فيما بينهما، ويتم تنفيذ القرار من دون منافشة من الخصوم.

أما في الخلافات مع غيرهم من البشر، وفي قضاياهم، فهم عصبة قوية بالمال والشباب، ولديهم القدرة على خوض أشرس المشاجرات والمعارك، كما أن لديهم مستشارا قانونيًا، يشترط أن يكون من خبراء القانون، وذلك ليقوم بالدفاع عنهم في قضايا السرقة والمخدرات.

اقرأ أيضًا : سقوط عصابات «الهنجرانية» فى قبضة الشرطة


 

;