فى الطريق نحو الجمهورية الجديدة .. قضايا الفن على طاولة الحوار الوطنى

الحوار الوطنى
الحوار الوطنى

ريزان العرباوي

يواصل الحوار الوطني جلساته لتلقي المقترحات بشأن أهم القضايا على مختلف الأصعدة ومناقشتها على طاولته المستديرة، للوصول إلى حلول جذرية قابلة للتنفيذ ومخرجات لصالح المواطن المصري، وذلك بمشاركة كافة أطياف الوطن في خطوة فارقة بمسيرة البناء نحو الجمهورية الجديدة.

وعلى مدار عام كامل، عقدت 23 جلسة نقاشية وضع فيها مجلس أمناء الحوار الوطني أسساً للحوار والاتفاق على المحاور الرئيسة والمقسمة إلى 3 محاور وهي السياسي، الاقتصادي والمجتمعي، لتشمل كافة القضايا الهامة، ولأن الثقافة والفن عمودان أساسيان في بناء الهوية القومية والوطنية، فكان الشأن الفني والثقافي من أهم المحاور التي تم مناقشتها في جلسات الحوار الوطني، وبحضور رموز الفن والإعلام

في السطور التالية تستمر المطالب والمقترحات من صناع الفن في سبيل الارتقاء به نحو نهضة جديدة.

في البداية أشادت الفنانة القديرة سهير المرشدي بجهود الدولة ودعمها للفن وإتاحة المجال للنقاش وطرح قضايا ومقترحات في الشأن الثقافي والفني من خلال جلسات الحوار الوطني، وتقول: “أشكر إهتمام الحوار الوطني بالفن، وهو تأكيد على إكتراثها بالثقافة، فالفن والثقافة وجهان لعملة واحدة، والفن القادر على تغيير المجتمع وتطويره من خلال بناءه ببنية حقيقية إنسانية، هو الفن المنطلق من موقف ثقافي بعيدا عن عشوائيات الفكر وفقر الإبداع، وهو الذي يبزغ في مناخ تنافسي، ذلك المناخ الذي يساهم في التنوع والاجتهاد والارتقاء بالذوق الفني والنهضة الفنية   التي قرارها الثقافة وقوامها العلم والمعرفة وهدفها وضع الهياكل التنظيمة للبنية الإنسانية والثقافية، فالبنية الحقيقية للمجتمع ليست فقط البنية التحتية، صحيح هي مهمة جدا بالنسبة للمواطن، لكن يجب أن يأتي معها بالتوازي المناحي الثقافية المختلفة، والتي بدونها لن يتمكن من الحفاظ على النهضة العمرانية، هذا إلى جانب الإبداع وضرورة وجود المبدع الحقيقي الذي يسعى لصناعة الخلود لأعماله، فالفنان والمبدع الحقيقي على وعي تام بأن الفن هو الخلود، ورأس الحربة في هذا الشأن هي الموهبة، فإذا دعمت بالعلم والثقافة، مؤكد أننا سنصل بالفن إلى بر الأمان”.

وتضيف: “أما عن سبل تعزيز الثقافة الفنية فهي متعددة، أولا يجب الابتعاد عن العشوائية، فأصبحنا في وقت كل الناس فيه تغني وترقص وتمثل، أنا لست ضد ذلك، لكن لابد من الانتباه إلى ضرورة وجود الموهبة وصقلها بالعلم والثقافة، وأن يكون الفنان صاحب قضية وقادر على صنع فن يخدم الناس حتى يذكره التاريخ، فأنا بنت هذا النظام والمنظومة من الفكر ومحرابه العمل.. ثانيا من المهم أن يكون هناك متنفس قوي للفن في الكفور والنجوع والقرى بوجود مسرح على الأقل في كل محافظة، مع ضرورة تفعيله وتنويره، فقيمة المسرح ليست بالمعمار والمنشأت، إنما بالمعمار الإنساني، فالمسرح من الصناعات الثقيلة، صناعة قوامها العلم والثقافة”.

انفتاح الثقافات

وأكدت الفنانة القديرة سميرة أحمد على أهمية الفن، فهو رسالة للعالم، وتقول: “من المهم تناول هذا الملف في جلسات الحوار الوطني، فتبادل الأفكار والمقترحات سينعكس أثره على الصناعة في الفترة المقبلة، خاصة مع تزايد التحديات التي تواجه الفن والصناعة المصرية، فأصبحنا نركض في مضمار سباق والمشهد للوضع الحالي غير مطمئن، وأخشى من سحب البساط لصالح بلاد أخرى مع الانفتاح على الثقافات المختلفة ومحاولة الأعمال الهندية والتركية والسورية وأيضا الخليجية إثبات وجودها، فلابد من الانتباه للقيمة الفنية المقدمة وتطوير الصناعة والأهم العقل الدرامي، فالكتابة عامل أساسي في نجاح الأعمال الفنية، مع ضرورة عودة تعدد شركات الإنتاج الفني وفتح السوق من جديد للتنافس الذي يخلق التعدد والتنوع، وإنتاج أفلام ذات قيمة، وهو المطلوب، هناك نقطة جوهرية أخرى وهي التساهل وعدم التعقيد بالنسبة لإصدار التراخيص الخاصة بالتصوير في الأماكن السياحية والأثرية وعدم المبالغة في الرسوم المدفوعة والابتعاد عن البيروقراطية المتجذرة، فمصر حباها الله بمناظر جمالية، وبها آثار وأماكن سياحية ليس لها مثيل في أي مكان، وهناك دول السياحة فيها بنيت من المسلسلات والأفلام، وتلك المشاهد مهمة لتعزيز الصورة وأيضا الترويج السياحي وزيادة الثقافة التاريخية.. أيضا لابد من ضرورة ملاحظة كيفية التعامل مع المرأة وتجسيدها من خلال الأعمال الفنية، فهي الأم والأخت والمؤلفة والمخرجة والمنتجة، فهل هناك أكثر من توصيات الرئيس الدائمة بالمرأة، فلابد من تحسين صورتها في الدراما”.

مسرح مدرسي

في ذات السياق، أكد الفنان خالد الصاوي على أهمية الحوار الوطني، وأعتبره من الأحداث المهمة التي تشهدها الجمهورية فى حاليا، ويقول: “فتح المجال للنقاش وتبادل الأفكار يساهم في خلق بيئة صحية للنهضة بالفن، في ظل التحديات التي تواجه الصناعة، ومن المهم التصالح في نقاط معينة فيما يخص الشخصية الوطنية القومية والقيمة الفنية المقدمة، بمعنى ضرورة تعزيز أهمية الفن ودوره في تنمية حاسة التذوق الفني لدى الجمهور بجميع فئاته والارتقاء بالذوق العام، مما ينعكس ذلك على الشخصية ذاتها، حيث ينجذب نحو التاريخ وينفتح على ثقافة الشعوب الأخرى، كذلك ينعكس هذا التأثير في التعاملات اليومية وفي النواحي الدينية أيضا، فالفن طريق لارتقاء الروح الإنسانية”.

ويضيف: “أتمنى اهتمام وزارة التربية التعليم بغرس قيم حب الفن، وبأن نبدأ مع النشء الجديد والأطفال من خلال التوعية بأهمية المسرح المدرسي، بداية من المراحل التعليمية الأولى وبشكل تصاعدي، لما له أهمية كبيرة في زيادة ثقة الطفل بنفسه والعمل الجماعي وتعلم الخطابة وتحسين مخارج الألفاظ وتعلم الأدب والتاريخ، فيجب أن نبدأ من الآن بإتاحة المجال لمادة جديدة وهي المسرح المدرسي، فهو مصغر للدنيا، خاصة في المرحلة الإبتدائية.. وشيء مهم أن يكون لدينا حوار وطني يساعد في وصول رؤى النخبة المثقفة والقادرة على التأثير في موقعها وفي الناس، واتصالها بالقيادة السياسية، مما يثري الأفكار ويخلق نوع من العصف الذهني، ويساعد على فتح الآفاق للأراء والتأثيرات المتعددة، وبالتأكيد الاستفادة ستعم على الجميع”.

مناخ حر

أشار المخرج داوود عبد السيد إلى ضرورة ارتفاع سقف الحريات للإبداع، ويقول: “لابد أن يتحلى الفن بحرية كاملة في تناول القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية، فهي مسألة غير قابلة للفصال، وذلك بالغاء الرقابة على السيناريو، فالرقابة يجب أن تتم على الفيلم المصور، وليس على السيناريو، وذلك طبقا لشروط وبنود منطقية”.

ويتابع: “من المهم دعم الدولة للسينما، بشكل يساهم في انعاشها من جديد وفتح سوق الإنتاج وتشجيع المنتجين وتذليل العقبات الخاصة بالتصوير، وأن يكون الكاتب والمؤلف مهموم بقضية اجتماعية ملحة، فإذا تم دعم الدولة لهذه النوعية الهادفة من الأعمال، ومع اقبال الجمهور ودعم النقاد أيضا سيتم تدريجيا سحب البساط من الأعمال رديئة الصنع، وهي عملية معقدة تحتاج إلى صبر وعزيمة وحلول يتم تنفيذها بالفعل على أرض الواقع، وتلك هي النقاط الأساسية في تصوري فيما يخص الفن.. وأرى أن فتح المجال للنقاش والحوار الوطني من شأنه خلق مناخ حر بعيدا عن الجهل وانحسار الرؤى الإبداعية، وهذا المناخ بالتأكيد سيؤدي إلى تطور الفن بشكل ثقافي”.

حرية الإبداع

ويأتي رأي الكاتب والسيناريت بشير الديك في تواز تام مع الرأي السابق، حيث يرى أنه لا يمكن إصدار حكم قانوني على الإبداع، ولابد أن يتحلى بالحرية ويحكمه فقط القوانين العامة، وهي عدم الإساءة وعدم الخروج عن الأداب العامة، ويقول: “أرفض تمام خنق الإبداع بقوانين تحد من الحريات وتعليبه في قوالب معينة، مهما اختلفت وجهات النظر فيه، فمن الممكن أن لا يحظى بإعجاب جيل معين، ووارد جدا أن يحظى بإعجاب جيل آخر، فلا يوجد أساتذة في الفن، لكن هناك مبدع وإبداع، والحرية لا تعني إطلاقا الخروج عن الأداب العامة وخرق القيم والأخلاق الاجتماعية، بالعكس أطالب بحرية التعبير بما لا يخرج عن آداب المجتمع المتفق عليها”.

ويتابع: “لابد أيضا من توفير إمكانيات التمويل الحقيقية لصناعة السينما والدراما وإنتاج أعمال ذات قيمة فنية وأدبية، مع ضرورة تكاتف النقابات والجمعيات الفنية فلا يوجد قوانين تستطيع أن تنتج فن جيد أو تمنع فن رديء، والمنوط به للإرتقاء بالفن هي الجمعيات الثقافية والأهلية، والحوار الوطني مهم لتنشيط تلك الجمعيات الثقافية، سواء كانت خاصة أو ملكا للدولة لإنتاج فن جيد ومسئول ذو قيمة وتشجيع مناقشة الأفكار، وإقامة ندوات ثقافية فنية والاهتمام بالمسرح والسينما، فلابد من وجود هيئات شعبية جماهيرية مسئولة لديها وعي بأهمية الثقافة وكيفية تطويعها بحيث تنمو وترتقي بالفن”.

خطة خمسية

بينما أكد المؤلف باهر دويدار على نقطتين أساسيتن في مجال صناعة الفن، ويقول: “النقطة الأولى لها علاقة بمجال عملي، وهي ضرورة وجود ما يشبه الخطة الخمسية للعمل الإعلامي والثقافي بشكل شامل وليس فقط للدراما، مع وجود منظومة لتشخيص الواقع الحالي، ثم وضع خطة لتحقيق أهداف تمتد على مدى 5 سنوات مقبلة، وتلك الخطة تحمل رؤية لمسار العمل لكل عام، بمعنى وجود خطة طويلة الأمد مبنية على دراسة لاحتياجات المجتمع في تلك المرحلة وتحديد الأولويات بعيدا عن مفهوم سير العمل بشكل وقتي، فالعمل وفقا لخطة مستقبلية طويلة الأمد يساعد على تحديد مدى التقدم في تحقيق الأهداف بشكل دوري وتحديد الأدوات والوسائل الضرورية لإكمال مسيرة السنوات الخمس”.

ويستكمل حديثه بالقول: “النقطة الثانية وهي وضع ملف الشباب والأطفال في بؤرة الاهتمام، فتنمية الوعي والهوية الوطنية لدى هذا الجيل هو بمثابة حائط الصد لحمايتهم من أي محاولات إختراق أو تدمير، وهو أمر يحتاج تكاتف جهات متعددة والإعلام جزء منها، وكذلك وزارة الشباب والرياضة ووزارة التربية والتعليم، فلابد من وجود استراتيجيات طويلة الأمد ولجان لدراسة الموضوع من جوانب مختلفة للوصول إلى خطة عمل يديرها متخصصون، وتبدأ كل وزارة وكل جهة في تنفيذ الجزء الخاص بها ضمن الخطة الموضوعة مع وجود هيئة لربط كل الجهات ببعضها”.

ويتابع: “أعتقد أن الأزمة التي تواجه الصناع الآن هي سير العمل بطريقة الجزر المنعزلة، فكل جهة تعمل بشكل منفرد، لديها محاور معينة ومهام تنجزها لكن بعيدا عن مفهوم الجماعة والمنظومة المتكاملة، وهناك مجهود يبذل لا يمكن انكاره، لكن المسألة بحاجة للضبط بشكل استراتيجي، بمعنى وجود خطة واضحة ومدروسة لها محاور متعددة يتم تنفيذها بشكل جماعي يعكس تجانس بين المؤسسات المختلفة لكي نصل إلى أفضل النتائج، فالعمل دون تنسيق يهدر جهد كبير، والنتيجة لن تكون مرضية”.

ويضيف: تتجلى أهمية الحوار الوطنى فى إلقاء الضوء على القضايا الفنية الملحة وفتح المجال للحوار ومناقشة الأفكار بتجرد وهى قيمة الحوار الحقيقة واعتقد سيكون له دور مهم سينعكس فى شكل الدراما التى ستظهر خلال الفترة القادمة”.

التراث الفني

ويقول الكاتب والسيناريست نادر صلاح الدين: “الحوار الوطني حل مهم كنا نفتقده، فقد يمتلك بعض الأفراد حلول جذرية لعدد من المشكلات والقضايا، لكن يصعب عليه توصيل صوته للقيادات والمسئولين، لذلك أرى أن  الحوار الوطني بمثابة ممر لتوصيل وجهات النظر المختلفة، مما يساهم في حل الأزمات والارتقاء بالفن.. وبإختصار وبنظرة عامة شاملة للموضوع، نحن بحاجة إلى فتح سوق الإنتاج وعودة الحالة التنافسية بين الشركات المختلفة حتى نصل إلى التنوع الفني المطلوب، فلابد من عودة السوق والاقتصاد المفتوح وإتاحة الفرص للشركات الأخرى لتعدد طرق الإنتاج، وأيضا لابد من وجود حل لأزمة التراخيص الخاصة بالتصوير في الأماكن السياحية وفتح المجال دون تعقيد وتخفيض الرسوم المطلوبة بعيدا عن الأرقام المبالغ فيها، وهي مسألة على غرفة صناعة السينما التحرك لضبطها، حيث موكل لها بالتفاوض للحصول على أرقام مخفضة، مع ضرورة إيجاد سبل للحفاظ على التراث الفني بشتى صوره، وانشاء المسارح والسينمات في القرى والنجوع”.

ويضيف: “تتلخص تحديات الفن في حرية الإبداع، وهذا المفهوم يحمل أكثر من تفسير، لكن المتفق عليه يكون في حدود القواعد والقوانين الرقابية الملزمة، فلدينا قانون رقابة، وطالما أن هناك إنتاج به حرية إبداع يسير تحت مظلة القوانين الرقابية، فهو أمر مقبول”.

ثقافة سينما الحي

فيما شدد المخرج ومدير التصوير محسن أحمد على أهمية الفن المصري، قائلا: “شديد الأهمية إدراك أن الله وهب مصر شيء عظيم وهو الفن، وبالتحديد السينما، التي تخطى عمرها الـ100 عام، ويزيد.. هذه السينما المصرية التي نشأنا وتربينا عليها وجعلت من اللهجة العامية المصرية لهجة أولى في العالم العربي، وساهمت في خلق بعد سياسي واجتماعي وفني لمصر في شتى أنحاء البلاد العربية، لكن للأسف هذه السينما تحتضر حاليا لأسباب غير مفهومة، فلابد من تكاتف مؤسسات الدولة لتنتعش وتستعيد رونقها ومكانتها من جديد، وأتمنى مناقشة هذه القضية في جلسات الحوار الوطني، والعودة للريادة في صناعة الأفلام والمسلسلات لتظل مصر رائدة في هذا المجال”.

ويتابع: “كنت عضو مجلس سابق لنقابة السينمائيين، وخرجت في التجديد النصفي لاتاحة الفرصة للدماء الجديدة، وعليه أرى أن للنقابات الفنية دور مهم إلى جانب وزارة الثقافة للنهوض بصناعة السينما من جديد، والتغلب على التحديات والعقبات التي تواجه صناعة الفن، أيضا لابد من زيادة الوعي بأهمية دور السينما المصرية، وأنها عنصر هام في بناء الجمهورية الجديدة التي نسعى إليها، فمن خلال مشهد في فيلم قادر على تغيير قوانين ومعتقدات خاطئة وتوصيل رسائل ومضامين هامة للمواطن البسيط من الصعب مناقشتها خلال ندوة أو مؤتمر سياسي، فنحن نمتلك تاريخ كبير في هذه الصناعة، على سبيل المثال برنامج (كلمتين وبس) للراحل فؤاد المهندس، استطاع أن يغير سلوكيات ومفاهيم كثيرة واستبدالها بالأفضل، مهم أيضا عودة الروح لـ(ماسبيرو) والدعم والسعي لإنتاج ما هو جيد”.

ويضيف: “من سبل تعزيز الهوية الثقافية والوطنية، لابد من وجود السعي والرغبة والوعي بأهمية دور الفن في بناء الوطن والمجتمع، وعودة ثقافة سينمات الأحياء التي تخرج منها مبدعين مثل نور الشريف والمخرج التليفزيوني حافظ أمين والمخرج علاء كريم والممثل محمود مسعود، كل ذلك بسبب تواجد سينمات الحي، لكن للأسف البعض منها تحول لمخازن ومصانع وعمارات سكنية بلا مبرر أو وعي، وهو ضد قانون ينص على أن أي سينما يتم هدمها يبنى بدل منها دار جديدة، لكن لم يتم ذلك، فسينمات الحي موضوع مهم جدا تم تدميره بلا سبب جوهري، ومن المهم أيضا النظر إلى القامات الفنية الكبيرة من المبدعين والمؤلفين واستغلال تلك الطاقات والخبرات الفنية المعطلة في أعمال مختلفة بدلا من جلوسهم في البيت للتغلب على المناخ الطارد للقامات الفنية، ودعم الفن بكل السبل لنرتقي به ونوظفه التوظيف المثالي لبناء الجمهورية الجديدة”.

الهوية المصرية

بينما طالب المصور السينمائي سعيد شيمي بضرورة إنتاج أعمال سينمائية وفنية تعبر عن المجتمع الذي ننتمي إليه بعيدا عن التمصير والاقتباس الذي يجرد السينما المصرية من هويتها، ويقول: “نحتاج إلى طرح تساؤل مهم، لماذا نتأثر مع أحداث الأعمال السينمائية القديمة مثل (الأرض) ليوسف شاهين، و(المومياء) لشادي عبد السلام، و(شيء من الخوف) لحسين كمال، لماذا مشاهدة تلك الأعمال تخلق بدواخلنا تأثير معين؟، بكل بساطة لأنها من مجتمعنا وبيئتنا وأغلب تلك الأفلام كتبها أدباء مصريين مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما، ولكي نستعيد الريادة لابد من دعم الدولة، ففي عام 1962 عند انشاء القطاع العام في السينما لم يلغي القطاع الخاص، وتم إنتاج أقوى الأفلام في تاريخ السينما المصرية قبل جيل الثمانينات، أفلام أنتجت لرغبتها في تثقيف الشعب ثقافة حقيقة ليفهم وضعه وتاريخه وماضيه، ثم بدأت صناعة السينما الواقعية التي ضمت  محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة وداوود عبد السيد وغيرهم من الشباب الذي نشأ في العصر الناصري، وآمن ببلده وعكس التغيرات التي طرأت على المجتمع في ذلك الوقت، فهذا التغيير السلبي كنا ننتقده في أعمالنا، إذ لكي تعود الهوية الثقافية المصرية الحقيقية لابد من الاعتماد على سينما محلية تدعمها الدولة بالإنتاج أو المساعدة في الإنتاج، بشرط أن تكون من الأدب المصري، ومن مجتمعنا، والرجوع لأصولنا وهويتها، فلن يستقيم الوضع ونحن معلقين في الهواء”.

ويختتم شيمي كلامه بالقول: “لأن الثقافة والمنشأت الثقافية دائما مرتبطة بالمدن الكبيرة، لابد من العمل على تغيير هذا الواقع حتى تصل الثقافة إلى كل قرية ومركز في الجمهورية، ففي عام 1966 تم انشاء إدارة خاصة في وزارة الثقافة، باسم (إدارة الثقافة الجماهيرية)، والمعروفة الآن بـ(الهيئة العامة لقصور الثقافة)، وظيفة تلك الإدارة نشر الثقافة بشتى صورها من أفلام ومسرحيات وكل ماهو مرتبط بالمنظومة الثقافية للقرى، وليس فقط المدن، مما حقق نهضة حقيقة، نقطة جوهرية أخرى لابد من مناقشتها في جلسات الحوار الوطني، هي ضرورة تدريس الفنون المختلفة بالمدارس، بداية من رياض الأطفال وبشكل مستمر، فغياب أو تجاهل غرس الثقافة الفنية في النشء الجديد هو تدمير فعلي لمستقبلهم، فالفن في مصر ينبت من الجذور”.

اقرأ أيضًا : ضياء رشوان: الإعلام أذاع كل جلسات الحوار الوطني ولم يحذف كلمة


 

;