أخر الأخبار

وصية حسين الشربيني في فيلم «جري الوحوش»

الفنان الراحل حسين الشربيني
الفنان الراحل حسين الشربيني

“الرزق واحد محدش رزقه بيزيد ولا بينقص عن المكتوب له ونعم ربنا متوزعة علينا كلنا وكلها أرزاق متقسمة علينا بعدل وحكمة”، هذه الكلمات الخالدة للفنان الراحل حسين الشربيني التي نذكرها من خلال دوره في فيلم “جري الوحوش”، وهو الفنان الذي لم يكن التمثيل من ضمن أولوياته أو حتى هدفا يحاول الوصول إليه، لكنه أراد فقط الحصول على وظيفة مثل أي شاب عقب تخرجه من كلية الآداب بجامعة القاهرة قسم الاجتماع وعلم النفس عام 1958، فأخذ يبحث عن مصدر رزق ليرتب على أساسه شكل حياته المقبلة، وكان حلمه هو العمل في مهنة التدريس، إلا أنه فوجئ بقرار تعيينه في هيئة السكك الحديدية بمدينة أسيوط بالصعيد، وهو ما دفعه لترك العمل بعد 11 يومًا من تسلمه له، ليعود إلى القاهرة حيث إلتحق بالعمل صحفيا في جريدة “الجمهورية”.

ثم قرر الشربيني التخلي عن الصحافة بعدما نصحه د. رشاد رشدي الذي كان مشرفا على الفرقة الفنية بكلية الآداب، والذي كان على تواصل معه بضرورة الإلتحاق بمعهد الفنون المسرحية حتى يصقل موهبته بالدراسة، بعد أن برزت موهبته الفنية في المرحلة الجامعية، وهو ما فعله الشربيني، فحصل على بكالوريوس الفنون المسرحية عام 1960، ثم جاءته فرصة للعمل بالتليفزيون في بداية افتتاحه بالستينيات، وفي ذلك الوقت كان الانضمام للتليفزيون ودخول هذا المبنى العريق فرصة يتمناها الكثير من الشباب، وبالفعل عمل الشربيني مذيعا، لكنه لم يستمر طويلا، ولم يترك المبنى في نفس الوقت، حيث انضم لفريق عمل مسرح التليفزيون الذي قدم من خلاله عدة مسرحيات منها، “شقة للإيجار” و”من أجل ولدي”، وهي أدوار صغيرة لكنها قدمته إلى الجمهور، ومن هنا أدرك الشربيني أن مستقبله الحقيقي في التمثيل وليس الإعلام.

◄ اقرأ أيضًا | «جرى الوحوش» فى رمضان 2024

الشربيني عرف بعدها طريقه إلى عالم السينما من خلال عدد من الأدوار الصغيرة أيضًا في البداية، وكانت أول مشاركاته السينمائية بفيلم “المارد” عام 1964، و”الجزاء” عام 1965، وحصره المخرجون والمنتجون لسنوات في أدوار نمطية، وحبسوا موهبته الكوميدية الجبارة بلا مبرر حقيقي، حتى أنه أنتظر قرابة الـ13 عاما كاملة كي يحصل على الفرصة التي تفرج عن موهبته الكوميدية، وذلك عندما شارك بدور رئيسي في مسلسل “حكاية ميزو” مع سمير غانم وفردوس عبد الحميد وإخراج محمد أباظة، وكانت نقطة التحول في مساره المهني، والتي كان من المنتظر أن تمنح الشربيني صك الانطلاق إلى براح الكوميديا التي يعشقها، لكن مرة أخرى انتظر وقتا ليس قصيرا للحصول على فرصة جديرة بموهبته، وقد كان الشربيني ضد عمل الممثل خارج بلده، وكان يرفض تماما السفر للعمل في استوديوهات خارج مصر، لكن لأنه فنان يعشق الفن، ولأنه لم يكن يحتمل المكوث في منزله كثيرا فقد تخلى الشربيني عن قناعاته ليقبل العمل خارج مصر بمسلسلات دينية وتاريخية، وساعدته إجادته للغة العربية على أن يكون متواجدا بشكل لائق في هذه الأعمال.

ومرة أخرى تأتي الفرصة للشربيني ليبرز ويطلق مواهبه الكوميدية حين اختاره المبدع رأفت الميهي ليقوم بدور مهم في فيلم “الأفوكاتو” أمام عادل إمام ويسرا.

شارك الشربيني في أكثر من 90 فيلمًا منها “المارد، سارق المحفظة، أنا عاقلة ولا مجنونة، خطيئة ملاك، الرغبة، ضربة شمس، علاقة خطرة، اللصوص، السادة المرتشون، ألعاب ممنوعة، احترس من الخط، أيام التحدي، أنا اللي قتلت الحنش، غضب الحليم والهلفوت، رجل لهذا الزمان، جذور في الهواء، محامي تحت التمرين، العملاق، صائد الجبابرة، اللعب مع الشياطين، أبوكرتونة، ديك البرابر، ضحك ولعب وجد وحب، أحلامنا الحلوة، سفاح في مدرسة المراهقات”، كما قام أيضًا بأداء صوتي لشخصية “الأمير أميديو” في فيلم “عمرالمختار”.

◄ بيع الأخلاق
شارك الشربيني في العديد من المسلسلات الكوميدية، على رأسها “رحلة المليون” أمام محمد صبحي، وكون ثنائيًا كوميديًا مع هالة فاخر، وأصبحت الجملة التي وردت على لسانه ضمن الأحداث “بيع يا لطفي” تردد لكل من باع أو يبيع أرضه.

وكان الشربيني يقول عنها: “القضية ليست في بيع الأرض، لكنها في بيع الأخلاق والضمائر، فالذي باع أرضه باع أخلاقه قبل كل شيء، وكل شيء في الدنيا لا يستقيم إلا بالأخلاق، الحب يحتاج أخلاق والرزق يحتاج أخلاق وأنا دائماً أقول أن الأخلاق أجمل، وأفضل، وأعظم، من كل شيء في الحياة، فإن صلحت أخلاقنا سنجد الفنان الجيد والفن الجيد ونجد المثقف المُصلح والثقافة التي تصلح المجتمع ونجد العامل المتقن والصناعات المتطورة ونجد الموظف المجتهد والعمل المنتج من هنا تتقدم البلد وتزدهر”.

كما شارك في العديد من المسرحيات من بينها “حمري جمري” و”عطية الإرهابية” أمام سهير البابلي عام 1992 وإخراج جلال الشرقاوي.

◄ تكريم
ولأن الشربيني كان يرى أن الممثل مثل لاعب الكرة لا يجب أن يكف عن السعي للعمل والتواجد في الملعب، وأنه حين يجلس في بيته فإن ذلك يكون بمثابة إعلان الاعتزال، فقد كان الرجل حاضرا وموجودا أيضا في المسرح والتليفزيون إلى جانب السينما، فأستمر يعمل للمسرح بشكل متواصل، فشارك مع فيفي عبده في مسرحية “قشطة وعسل”، كما شارك في مسرحية “الملك هو الملك” بمسرح الدولة الذي منح الشربيني لقب “ممثل قدير”، كما كرمه د. فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، ونال جائزتين سينمائيتين كأفضل ممثل دور ثان عن فيلمي “الرغبة” بطولة نور الشريف، و”جري الوحوش” إخراج علي عبدالخالق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما حصل على جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة الثاني عشر للإذاعة والتليفزيون، كما تم تكريمه في مهرجان زكي طليمات المسرحي.

◄ السقوط الأول
بداية أزمة مرض الشربيني كانت عام 2002، عندما اختل توازنه فسقط على الأرض وهو يتوضأ للصلاة، مما أدى إلى كسر في مفصل القدم اليسرى، إذ كان يعاني مما يسمى بالأطراف العصبية في قدمه اليمنى، إضافة إلى مرض السكري الذي عانى منه في أيامه الأخيرة، وأجريت له جراحة تركيب مفصل صناعي، وأستمر في رحلة العلاج التي طالت عدة سنوات، مما أضطره لملازمة المنزل وقضاء الوقت مع أسرته الصغيرة متفرغاً للقراءة والصلاة فقط، بعدما أبتعد مجبرا عن الفن.

في يوم الجمعة الثانية من رمضان عام 2007، جلس الشربيني على مائدة الإفطار وبجواره زوجته وابنتاه (نهى وسهى)، تناول بضع تمرات، ثم أمسك بكوب الماء وارتشف 3 مرات، ثم أستند إلى مقعد خلفه، فحاولت الزوجة أن تساعده، والابنة تسنده، لكنه رفض، وقاوم بهدوء، ثم تمتم بكلمات مسموعة بصعوبة، وأراح رأسه للخلف قليلاً، وبعد ثوانٍ سقطت رقبته إلى الخلف.. ومات.

◄ خطبة الإمام
في اليوم التالي، وعقب صلاة العصر، دخل نعش الفنان الراحل إلى المسجد، وقبل أن يبدأ الإمام التكبيرة الأولى للصلاة، ألتفت للمصلين وقال لهم: “أيها الأحبة من أمة محمد.. دعوني أقول لكم قبل الصلاة، أن أخوكم هذا الذي حضر قبل قليل، محمولاً على الأعناق، داخل هذا النعش، كان هنا، في هذا المكان، عصر يوم أمس، تحمله أقدامه، ويجلس يقرأ القرآن الكريم من بعد صلاة العصر، وحتى قبل آذان المغرب بقليل، ودموعه تتساقط بشدة وجسده يرتجف بعنف واليوم – بعد مرور 24 ساعة – عاد لنفس المكان، لا ليقرأ القرأن، ولا لتتساقط دموعه، ولا ليرتجف جسده لكنه جاء لنقرأ نحن القرآن الكريم، ونصلي صلاة الجنازة عليه ونودعه إلى مثواه الأخير، ثم قال الإمام بعدما اتخذ وضع الصلاة: (أستقيموا يرحمكم ويرحمه الله)”.

◄ بخط اليد
واكتشفت ابنته نهى وصية كان قد تركها الفنان الراحل لها بخط يده كتب فيها: “ابنتي العزيزة نهى، تمنياتي لك بالسعادة والنجاح دائما، وأن تكوني الأولى دائما بالمدرسة، وفي البيت والعمل لما تكبري إن شاء الله، وأشوفك عروسة جميلة متعلمة ومثقفة، وأهم حاجة في الدنيا كلها الأخلاق، فهي أغلى من العلم وأجمل من الجمال، وربنا يوفقك في دراستك وفي حياتك”.

;