نزار السيسي يكتب: رحلة الوقوف

نزار السيسي
نزار السيسي

■ بقلم: نزار السيسي

..خلقنا الله في كَبَد، نضرب في هذه الأرض بحثا عن ذواتنا التي بين جنبينا.. تمامًا كالباحث عن قلمه وهو في جيبه!

شيء ما يحفزنا للمسير الطويل، والبحث الدؤوب، وكأن الحياة تفقد معناها مع الركود، ولا يَدِبُّ لها عِرق حتى نَدِبَّ على وجهها كادحين!

أكثر ما ينقصنا في رحلة الضرب في الأرض إحساسٌ واعٍ بالاستمرار، أو التوقف، أو تغيير الاتجاه.قد نمضي بعيدًا بعيدًا في اتجاه خاطئ، وقد نعود أدراجنا إلى اتجاهٍ خاطئ، وقد يحدث العكس!
‏ثمة لحظة واعية تتبوصَلُ حولها رؤانا، ونستشف من خلالها صحيح الاتجاهات والقرارات، فنستمر ما كان في الاستمرار خير، ونتوقف في الوقت المناسب.إنها لحظات من التسامي تشير علينا بالصحيح، وتدحض وازع الندم على ما فات وتقنعنا بأن القادم أجمل رغم كل ما فاتَ أو ضاع !

‏يتوقف الإنسان حينما يعلم أن الطريق الذي يسلكه كان خاطئًا منذ البداية، فيستدير نحو الجهة الأخرى من الحياة، ثم يبدأ رحلة إبحارٍ جديدة بتطلعاتٍ جديدة، ورؤىً بيضاء.

يتوقف حينما تصله رسائل مبطنة يقرؤها في عيني من كان يظنه ملاذا، بينما عيناه كبيداء من الضياع تجول فيها الضّباعُ والسباع.هي رسائل تدلف للوجدان من الوجدان، وتخاطب الروح روحا لروح.

الذي يسعى جاهدا للوصول إلى أشياء صغيرة، لا يصل إليها عادة، لأنها تصبح بعيدة جدا، هكذا فقط دون مبررات معقولة، تبتعد جدا ربما لأن الكون ساخر كبير. يركض يلهث يتعب وأخيرا لا يصل إلى الأشياء الصغيرة. تلك الأشياء التي تلمع عادة لمعانًا اصطناعيًا مشبوهًا. ‏الذي لا يسعى إلى أي شيء بفعل الملل والكسل والشعور بالضيق المزمن والبخل الشديد في تبديد الطاقة حتى من أجل التمطي، تأتي إليه عادة الأشياء وحدها، الصغيرة والكبيرة دون أن يركض خلف أي شيء.

‏الكون ساخر أصيل..في النهاية عليك الجلوس فقط والتصرف بشكل طبيعي ما أمكن... تأكل، تشرب، تذهب إلى العمل، توفر بعض المال بعد حسابات هندسية ورياضية دقيقة جدا، تتزوج، تنجب الأطفال، يكبر الأطفال تزوجهم وهكذا.....‏ما أتعس أن تكتشف أنك مشفًى لجراحِ قوم سرعان ما يغادرونك ساعة الشفاء، ويتمنون ألا يعودون، ويكرهون حتى ذكراك.. ذكرى الألم الذي تألّمتَ وأنت تداويهم وتعالجهم منه! يتوقف عندما يكون الصمت أبلغ من الكلام، والتغافل أجدر النباهة، والنسيان أفضل من الاحتفاظ بالذكريات.‏نحن العابرون في هذه الحياة بصراعاتنا اليومية ومعاركنا الدائمة نعيش فيما بيننا بآمالٍ عظيمة، وطموحات توافق انعكاساتنا الداخلية، نعيش معًا، ومنا من يصل لهذه المرحلة من النضج مبكرًا، ويعرف متى يتوقف، ومنا من يصلها متأخرًا، ومنا من قد لا يصل لها أبدًا،ومنّا من يتمنّى أو يكره أن يصلها.


 

;