حتى لا «يسبق السيفُ العَذَل»

النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب

يقول المثل العربى القديم «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ».

ولهذا المثل قصة، دارت أحداثها فى إحدى قبائل العرب العدنانية الشهيرة، والتى يرجع أصلها إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام، وهى قبيلة «بنى ضبة»، حيث كان لرجل يُدعى «ضُبة» ابنان هما «سعد وسعيد». وذات مساء خرج «ضبة» ليرعى الإبل ومعه ابناه، وأثناء سيرهم تفرقت الإبل فى كلِّ الاتجاهات، فطلب من الغلاميّن أن يبحثا عنها. 

وبعد قليل عاد «سعد» ومعه الإبل، أمّا «سعيد» فلم يعد، فقد قابل وهو فى طريقه رجلا يُدعى الحارث بن كعب، فرأى الحارث عليه بُردين (عباءتين) فطلبهما منه، ولكنّ سعيدًا رفض.

فقتله الحارث وأخذ البردين ثم مضى إلى حال سبيله. 

حتى جاء يوم خرج فيه ضبة إلى سوق عكاظ، وهناك رأى البُردين على كتف رجلٍ فعرفهما، فأوقف الرجل وسأله عنهما، فقال الحارث: «إنّهما لغلامٍ قابلته، فلمّا طلبتهما منه رفض، فقتلته وأخذتهما».

أدرك ضبة حينها أنَّه أمام قاتل ابنه، فطلب منه السيف الذى كان يحمله ليراه، فأعطاه الرجل سيفه، فغرزه ضبة فى صدره وأرداه قتيلًا على الفور. وما إن رأى الناس هذا حتى تجمهروا حوله قائلين: «أتقتله فى الشهر الحرام يا ضبة؟!»، فقال لهم: «سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ».

ومن يومها، صارت هذه العبارة مثلًا شهيرًا يُضرب به فى التسرع، 

فالعَذَلُ فى اللغة هو العتاب واللوم، أى كأنه قال: «سبق سيفى معاتبتكم».

وفى عصرنا هذا، كثيرًا ما يأخذ بعض الناس قرارات مصيرية فى حياتهم، أو يتخذون ردود أفعال متطرفة تجاه أمر ما، ثم يندمون على ذلك فيما بعد، بعد أن تتضح لهم أبعاد الحقيقة كاملة.

ويسرى ذلك حتى على انتقادنا للآخرين، أو الحكم على سمعتهم أو أدائهم قبل أن يتبيّن لنا الرشد من الغيّ. ففى كثير من الأحيان تغتال «السوشيال ميديا» سمعة أشخاص من الجنسين بسبب الحكم عليهم قبل تبيّن الحقيقة، التى قد تكون على النقيض تمامًا مما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبار أنه حقيقة لا مراء فيها، وهو الباطل بعينه.

وهناك مبدأ قانونى مهم أرسته التشريعات القانونية المعمول بها فى مختلف بلاد العالم، وهو أن «المتهم برىء حتى تثبت إدانته». غير أن الناس على وسائل التواصل غالبًا ما تفعل العكس، وتعتبر أن «المتهم مُدان حتى تثبت براءته»! 

والحقيقة أننى أؤكد، وأنا أقف بين جنبات قاعات المحاكم، أن قضاء مصر الشامخ ومحاميها الشرفاء يتعاملون مع هذا المبدأ القانونى المعروف «المتهم برىء حتى تثبت إدانته»، ويطبقونه بكل حكمة وعدالة، بأن يسمحوا لدفاع المتهمين من زملائنا أن يقدم كل المستندات، مع سماع الشهود والاستعانة بالخبراء والفنيين والمعامل المتخصصة، لإثبات براءة موكليهم، بكل الوسائل الممكنة.

وعلينا كمواطنين صالحين أيضًا، أن نعمل بذلك المبدأ، ولا ننصّب أنفسنا قضاة ونحكم على شخص ما دون معرفة الخلفيات والتفاصيل الكاملة لهذه الواقعة أو تلك. بل علينا أن ننتظر اتضاح حقيقة الامور، وحتى لا «يسبق السيف العذل».

ولقد حثنا ديننا الإسلامى الحنيف على العمل بهذا المبدأ، من أجل تبيّن الحقيقة قبل أن نتهم الآخرين باتهامات قد لا يكون لها  أساس من الصحة، حيث جاء فى القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).