كنز بحيرة البرلس المنسي!

جزر الشخلوبة
جزر الشخلوبة

■ كتب: هانئ مباشر

«جزر الشخلوبة، الجو فيها شخلوب طول السنة»!.. عبارة وردت على لسان أحد أبطال مسلسل «أبو العروسة» خلال مشهد قيامهم برحلة لها.. المشهد كان جميلا للغاية ولفت انتباه المشاهدين، حيث ظهر الأبطال وهم ينزلون من أحد المراكب على جزيرة صغيرة للغاية وبها منزل غريب وقديم جدا، يبدو للحظة كأنه خارج من إحدى القصص الشعبية أو حكايات ألف ليلة وليلة. كما أن المناظر الطبيعية «أشجار ونباتات» ومن حولها المياه ضاعفت من جذب الأنظار، وجعلت الكثيرين يتساءلون عن هذا المكان، وأين يقع وكيفية الوصول إليه؟.

فى أقصى الشمال على ساحل البحر المتوسط وتحديدًا جنوب بحيرة البرلس، تقع إحدى أهم البحيرات الطبيعية في مصر والواقعة بين فرعى النيل دمياط ورشيد وتسهم فى حجم الثروة السمكية فى مصر، وارتبط اسمها بإحدى المعارك البحرية وهى معركة البرلس البحرية فى ٤ نوفمبر ١٩٥٦، التي انتصرت فيها قواتنا البحرية المصرية، وتطل على البحر المتوسط بطول 120 كيلو، وتمتد بين مراكز بلطيم والبرلس وسيدى سالم ومطوبس، كما تطل على نهر النيل بـ3 مراكز هى دسوق وفوه ومطوبس، وتضم بحيرة البرلس 28 جزيرة، أفضلها وأشهرها «الشخلوبة».

◄ موقع فريد
وقرية «الشخلوبة» تتبع مركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ، هذا الموقع الجغرافى المتميز وكذلك تفردها بطبيعة ساحرة بوجود عدد من النباتات والأشجار النادرة الساحرة وهجرات الطيور السنوية، إضافة إلى شكل بيوتها وبساطة تفاصيل حياة سكانها ومراكبهم التى يعتمدون عليها فى عملية الصيد، منحهم منظراً طبيعياً مبهراً ولافتاً للانتباه ساهم فى جذب السياح إليها خاصة من عشاق المناظر الطبيعية وهواة التصوير.. وقد سميت بهذا الاسم بسبب تجمع كميات كبيرة من السمك اسمه «الشخلوب» الذى كان يأتى إلى البحر الأبيض المتوسط فيتم جذبه من المياه المالحة إلى المياه العذبة..

وهى قرية فريدة الموقع، حيث إن بيوت سكانها ومراسيهم وحياتهم بالكامل فى مواجهة البحر، أو كما يطلقون على أنفسهم هم «جيران السمك»!..

وأمام القرية وعلى بعد ٥٠٠ متر من حافة البحيرة تقع جزيرتان محاطتان بالأشجار والنباتات، كانتا فيما مضى عبارة عن حلقتين لبيع السمك الذى يقوم بصيده الصيادون من البحيرة، والمثير للدهشة أنه بالرغم من وقوعها فى الريف إلا أنها ليس بها زراع أو مزارعون، بل يعمل معظمهم فى صيد الأسماك وبيعها عن طريق المزادات لتجار الأسماك وصناعة المراكب!

والجزيرتان هما «جزيرة جمال حلمي» و«عبد الشافى مهيا»، وبهما أشجار ومبنيان، كانتا حلقتين لبيع السمك، كان يتجه لهما الصيادون بعد رحلة صيد بالبحيرة لبيع الأسماك، ومع مرور الأيام تم نقل حلقتى السمك من الجزيرتين للقرية، وتحولت الجزيرتان لمزار سياحى، يتجه لهما أهالى القرية والقرى المجاورة وأهالى المحافظة، والسياح لقضاء أوقات ممتعة بين الأشجار وبمبنى حلقة السمك وسط المياه والهواء النقى بعيدًا عن التلوث..

وتمتلك القرية مدخلين أحدهما طبيعى عن طريق البر، والطريق الآخر عن طريق عبور البحيرة عبر المراكب الصغيرة لتمر بالجزيرتين والمنازل المبنية عليهما بالإضافة لكل منازل قرية الشخلوبة التى تطل على المياه مباشرة وكأنك تركب الجندول وتسير فى فينيسيا..

◄ باب البحر!
وعلى ضفاف قرية الشخلوبة تجد المراكب المتعددة والصيادين بطبيعتهم البسيطة يرحبون بالقادم إليهم، وعلى جانبي الشوارع يجلس كبار السن يظهر على وجوههم الطيبة وآثار الزمن، ينظرون للغريب بنظرة حب ورضا، ويتميزون بالكرم، وحسن معاملة الزائرين لقريتهم، وإلى جانب اعتماد أغلب الأهالي على مهنة صيد الأسماك، كمصدر أساسى للرزق، هناك صناعة المراكب والشباك، ويقيم بها حوالى ٢٠ ألف نسمة.

ومنذ أن تركب الفلوكة وتتجه لهذه الجزر وسط المياه ستسمع صوت الخرير والمجاديف فتشكل أمواجا خفيفة وتحاوطك الطيور فى رحلة هادئة لتصل لمقصدك وكأنك تخرج من «باب البر إلى باب البحر»، وعلى الجزيرة ستجد أوراق الأشجار تتمايل من الهواء الطلق.

محمد جمال، صياد وأحد سـكان الشخلوبة، يقول: هذه المنطقة الساحرة بها عدة جزر وحلقات سمك قديمة لكنها تعد الآن قبلة لكثير من السائحين الوافدين، من دول مختلفة، والجزيرتان تحيطهما المياه من الجوانب كافة، وبهما منزلان قديمان لكن جرى ترميمهما من قبل الهواة، وكانا قبل ذلك عبارة عن «حلقة سمك» يقوم من خلالها التجار بشراء السمك من الأهالي، فأهالى جزر وقرى البرلس بشكل عام يشتهرون بصيد وبيع السمك، لكن هذين المنزلين أصبحا مزارًا مهمًا ومكاناً رائعا للفسحة والتقاط الصور التذكارية.

◄ سياحة اليوم الواحد
فيما يقول سعيد أحمد، صياد ويقوم بتأجير مركبه للسائحين: إن الجزيرتين تعدان من أهم المزارات السياحية، وتشتهران بـ«سياحة اليوم الواحد»، وعلى الرغم من صدور قرار إزالة للمنزلين بعدما انتهت مدة تأجيرهما بحق الانتفاع من الثروة السمكية، إلا أنهم رفضوا إزالتهما لأنهما رائعان ويجذبان أنظار السائحين المترددين، خاصة بعد انتشار الصور للمكان ومناطق الجمال به، ويحرص السياح خاصة الألمان على زيارتهما ويقضون وقتًا رائعًا بأقل التكاليف، كما يزورها طلاب كليات الفنون الجميلة المختلفة وكذلك هواة التصوير..

- ويقول أنس خضر.. صاحب مركب: إن الجزيرتين تتميزان بمناخ رائع إضافة إلى كرم أهلها، ويقوم الزائر باستئجار مركب صغير، يتجول به داخل مياه البحيرة، خاصة حول الجزيرتين، فضلاً عن جزيرة الدوشيمى التى تتميز أيضًا بمناظرها الطبيعية، ونتمنى أن يتم تطوير المنطقة وتحويلها إلى منطقة سياحية لسياحة اليوم الواحد، فكفر الشيخ تفتقر إلى التنشيط السياحى على الرغم من احتوائها على الكثير من أماكن الجذب السياحى مثل دسوق، فوة، أو امتداد بحيرة البرلس البالغ مساحتها 108 أفدنة، لكنها لم يجر استغلالها سياحياً، ولم توضع حتى الآن على الخريطة السياحية..

ومن الممكن تحقيق عوائد مادية كثيرة فضلا عن توفير آلاف من فرص عمل للأهالي، من خلال إجراءات بسيطة يمكن اتخاذها كبناء استراحات أو كبائن ودورات مياه بالقرب من الجزيرتين، واستغلال مناظرها الطبيعية، بالإضافة إلى عمل منشورات ووضعها ضمن برامج تنشيط السياحة فى الداخل والخارج..

◄ نباتات برية ومائية
اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ يقول: إن بحيرة البرلس فيها 28 جزيرة، علمًا بأن المحافظة تعتمد على الزراعة وصناعة السكر والصيد.. وتعتبر بحيرة البرلس ثانى أكبر البحيرات الطبيعية فى مصر من حيث المساحة حـــيث تبلــــغ مساحتها حوالى 460 كم٢، وتقــع بمحافظة كفر الشيخ، ويسود البحيرة عدد من البيئات أهمها المستنقعات الملحية والقصبية والسهول الرملية، وعلى سواحل البحيرة توجد الكثبان الرملية المرتفعة، ولكل من تلك البيئات خصائص خاصة بالتربة المكونة لها، وينعكس ذلك على أهمية تلك البيئات من حيث كونها مكاناً طبيعياً لما يقرب من 135 نوعاً نباتياً برياً ومائياً..

ولقد بدأت بحيرة البرلس تستعيد عافيتها وتعود إليها الطيور المهاجرة من الصيادين أصحاب المهنة الحقيقيين وبدأت أنواع بعض الأسماك تعود إلى مياه البحيرة بعد أن كانت على وشك الانقراض.

وفى سنوات قليلة استطاعت البحيرة استرداد عافيتها بعد أن أنفقت عليها الدولة ملايين الجنيهات لتطهيرها من البوص والهيش وفتح أسراب جديدة فيها وقنوات شعاعية لإدخال كميات من المياه المالحة من البحر المتوسط وتطهير وتعميق وتكسية بوغاز بحيرة البرلس وهو بمثابة القصبة الهوائية للبحيرة من البحر المتوسط.

إن الهدف من أعمال التطوير التى تتم  هو الحفاظ على بحيرة البرلس وتنمية الثروة السمكية وتوسيع المسطح المائى لبحيرة البرلس، مما ينعكس على إيجاد فرص عمل وتوفير أكبر كمية من المعروض من الأسماك الذى يؤدى لخفض سعر السمك فى السوق المحلية وزيادة جودته للتصدير والحفاظ عليها  كمحمية طبيعية وعلى نوعية الأسماك المختلفة. وقد وجهت الدولة اهتمامها للبحيرة ووفرت الاعتمادات اللازمة للتطهير أمام مدينة بلطيم وإضافة مسطح مائى جديد ما يزيد على 5 آلاف فدان للمسطح المائي.

◄ تطوير البرلس
وهناك خطة متكاملة لتنمية وتطوير «بحيرة البرلس»، علما بأن أعمال تطوير البحيرة تمت عبر ٣ مراحل، تم الانتهاء من المرحلتين الأولى والثانية بنسبة ١٠٠%، وجار العمل بالمرحلة الثالثة بتكلفة مليار و٥٨٠ مليون جنيه، فالمرحلة الأولى تطوير وتعميق مساحة ١٨٠٨ أفدنة، بالإضافة لتطهير مدخل البوغاز، والمرحلة الثانية تطهير وتعميق ١٥٠٠ فدان، وحماية جوانب البوغاز، وحفر ٤ قنوات شراعية، وإنشاء رصيفين بحريين، والمرحلة الثالثة تطهير قناة برمبال بمطوبس، وتطهير وتعميق ٢٢٠٠ فدان، وفتح بابين بين الجزر لزيادة حركة المياه الحالية، وتطهير أمام ٧ مصبات صرف زراعى..

كما أن هناك برنامجاً شاملاً ومتكاملاً لدعم الصيادين وأسرهم، ووسائل الحفاظ على مهنة الصيد وتنميتها، وقد تم توزيع 48 مركبا مطابقا للمواصفات على الصيادين فى قرية الشخلوبة ضمن مبادرة «بر أمان» بالتعاون والتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعى والجمعيات التعاونية لصائدى الأسماك، وتنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية، وتحملت الوزارة نسبة 50% من قيمة المركب بينما تحمل الصياد نسبة 50% الأخرى، والمراكب التى تم توزيعها مطابقة للمواصفات فهى عبارة عن مراكب خشبية بطول 6 أمتار وعرض 120 سنتيمتراً وارتفاع 50 سنتيمتراً ومغطى بالفيبر من الخارج.