قضية ورأى

«التدويل» وبريق التعليم!

أحمد عفيفى
أحمد عفيفى

  إن ما أفرزته «العولمة» من تحديات كبيرة استلزم التفاعل الثقافى المتبادل والتفتح العقلى واختراق القولبة واحترام اﻵخر، وفرض على الجامعات التحول من «المحلى» الضيق إلى «العالمى» الرحب وحتم عليها تغيير «رسالتها» مواكبة للتنافسية فى إطار فلسفة «التدويل».

يقع مصطلح «تدويل التعليم» فى شقين: «تدويل» و«تعليم» وكلاهما مصدر يأتى على وزن «تفعيل» من الفعل الرباعى المجرد («دول تدويلاً» و«علم تعليماً»). والتفعيل هنا بمعنى «التطويع» و«التكليف» ووضع «الفعل» موضع التنفيذ. وقد جاءنا «التدويل» من عالم السياسة والعلاقات الدولية، فكلنا نسمع عن «تدويل اﻷزمة» أى إحالة نزاع معين إلى منتدى دولى بغرض الحصول على ضغوط خارجية من  قبل القوى السياسية والاقتصادية المهيمنة لتحقيق الفوز خارج القواعد. هكذا ينتقل «الفعل» و«التأثير» فيما بين الدول بغية الذيوع واﻻنتشار.

أما «التعليم» فهو ترك «علامة» ما أو «معرفة» معينة تميز صاحبها دون غيره ومسار لتكوين وتنمية اﻹطار الثقافى نكتسب به المعارف والمهارات وننقل المبادئ والقيم  بهدف تحسين وجه الحياة، وقد يأخذ عدة سنوات أو يستمر مدى الحياة. وتتعدد وسائله تدريساً وتدريباً ونقاشاً وبحثاً، ويمكن أن يجرى «نظامياً» أو«غير نظامى» وتظل تأثيراته على التفكير والشعور والسلوك.

لقد استخدم مفهوم «التدويل» فى مجال التعليم منذ أكثر من أربعين عاماً، حيث تم الربط بينه وبين  مفاهيم أخرى: «التعليم المقارن» و«التعليم العالمى» و«التعليم متعدد الثقافات» و«التعليم عبرالدول» و«التعليم بلا حدود» و«التعليم عبر  الحدود». وبرز كخطوات ﻹضفاء البعد الدولى على منظومة عمل مؤسسات التعليم الجامعى الوطنية تعزيزاً لجودة التدريس والتعلم وتنمية الكفاءات المطلوبة.. هكذا، فإن كسر الحواجز الجغرافية فى التعليم ينعكس مباشرة على إصلاحه واﻻرتقاء به إلى المستويات الدولية مما يفتح الباب واسعاً نحو سوق العمل العالمية، وبالتالى يجب أن تخضع جميع العناصر «المتلقى- المعلم - البرامج - اﻹدارة - المرافق» ﻵليات «الجيوتعليم» مع الحفاظ على الهوية الوطنية لغةً وتراثاً وتاريخاً وتقاليداً لأنها بمثابة ثقافة محلية وقوة ناعمة.

يعد «تدويل التعليم العالى» تصميماً وتطويراً لمنتج تعليمى أو محتوى أكاديمى يؤدى إلى تيسير «التوطين» للعديد من الثقافات واللغات لدى الطالب، وكأنه أشياء «مختلفة» ﻷشخاص «مختلفة» فى أماكن «مختلفة» تستخدم فى سياقات «مختلفة». إنه «وسيلة» وليس «غاية» لمزج المعيار الدولى باستدامة فى منجزات «التعليم» و«التعلم» الرئيسية وسبل إنتاج المعرفة وخدمة المجتمع المحلى «اﻷصغر» والمجتمع العالمى «اﻷكبر».

وعندما يتناول «البنك الدولى» تدويل التعليم بالتعريف، فإن اﻻرتباط يبدو وثيقا بينه وبين «ريادة اﻷعمال» أو «رأس المال اﻷكاديمى» و«مبادئ التسويق» و«قواعد المنافسة»، كأنه مشروع  للتنمية الدولية وصنع التطوير وتضييق الهوة بين الدول المتقدمة والنامية.

يعوق جهود «تدويل التعليم» فى مصر الكثير من العراقيل، كاﻻفتقار إلى فلسفة محكمة لمنظومة التعليم العالى «تقوم على كيفية التفكير وليس على ما يجب أن نفكر فيه»، والقدرة التنافسية الضعيفة مع الجامعات اﻷجنبية، واﻻستغراق فى «المحلية» دون اﻻنطلاق نحو العالمية. لذا، فلا مفر من كشف الغطاء عن النواقص وأوجه القصور التى تعترى واقع «الجيو تعليم» مع  ضرورة اﻻستفادة من الخبرات المتميزة فى هذا المجال «أستراليا - اليابان». ويتطلب اﻷمر إعداد إستراتيجية جادة لتدويل التعليم الجامعى تقوم على مرتكزات جوهرية: سياسات التدويل - التعاون الدولى - جودة التعليم - القدرة التنافسية - حراك أعضاء هيئة التدريس والطلاب - تدويل البرامج الدراسية، مع تحديد الجهات المسئولة عن التنفيذ وفقاً لخطة زمنية ملزمة.
استاذ بالعلوم القاهرة