اعترافات ملك «الترسو» «الوحش» الذى غير القوانين

اعترافات ملك «الترسو» «الوحش» الذى غير القوانين
اعترافات ملك «الترسو» «الوحش» الذى غير القوانين

الفنان الكبير الراحل فريد شوقى واحد من هؤلاء الفنانين القلائل الذين يربطون فنهم بحياة الناس؛ فكل فيلم يشترك فيه، وكل ودور يؤديه عبارة عن درس أخلاقى يهدى المتفرجين إلى الطريق الصحيح المفروش دائما بالأمل، هذا ما أوضحته الكاتبة الكبيرة الراحلة إيريس نظمى فى كتابها «فريد شوقى .. ملك الترسو»، ويعتبر العمل سيرة ذاتية عن وحش الشاشة الذى حكاها على لسانه، وأعدتها «إيريس» وحررتها، ويحكى ملك الترسو عن  والده الذى كان مديرا فى شركة أملاك مصر، وهو من أصل تُركي؛ يعشق قراءة الأدب وكتابة الشعر، وكان خطيبًا بارعًا بنبرات صَوته الواضحة القوية لدرجة أن زعيم الأمة سعد زغلول باشا كان يُطلق عليه اسم «بلبل الوفد»، ويحكى فريد شوقى - فى الكتاب الصادر عن دار ريشة - عن أول جريمة قتل حدثت أمامه حين كان يلعب مع زملائه فى فناء المدرسة؛ أحد أصدقائه يجرى خلفهم يمسك  بمسدس والده الذى تعوَّد أن يحضره معه حتى يُضفى على اللعب شيئًا من الإثارة،  لكن ما حدث أنَّ رصاصة انطلقت فجأة من المسدس الذى ظنوا إنه خال من الرصاص،

وسقط واحد من زملائه على الأرض، أسرعوا نحوه مذعورين،  حيث وجدوه قتيلا، ويقول فريد: منذ ذلك اليوم كرهتُ اللعب، ولم يعد للمرح معنًى فى فناء المدرسة، وأصبح عندى عقدة نفسية من صوت الرصاص، ومن المسدسات نفسها، وتشاء الظروف أن أكون مُضطرًّا بعد ذلك ‏ لحمل المسدس، وإطلاق الرصاص فى معظم أفلامي، لكن الحادثة لا تزال راقدةً فى أعماقى حتى الآن، وصورة زميلى الذى سقط ميتًا لا تُبارح مخيلتي، صحيح أننا لا نستخدم فى هذه الأفلام رصاصًا حقيقيًّا يُصيب أو يقتل، لكنى أفتشه حتى أتأكد أن ما بداخله « فشنك»، طبعًا ستندهشون لأن وحش الشاشة الذى يجيد استخدام المسدسات المناسبة يكرهها، ولا يطيق سماع صوت إطلاق الرصاص، ولم أنسَ هذه العادة أبدًا إلَّا مرة واحدة، وكادت تحدُث كارثة مُروِّعة؛ نفس المأساة القديمة، كدتُ أقتل صديقى الفنان الكبير محمود المليجي، لم  أفتش المسدس كعادتى دائمًا، المرة الوحيدة التى نسيتُ فيها أن أتأكَّد من خلوِّ المسدس من الرصاص الحقيقى كعادتى، كانت اللقطة تجمعنى مع المليجي، وكان المفروض حسب السيناريو المكتوب أن أحمل المسدس وأطلق الرصاص «الفشنك» عليه، وضغطت بإصبعى على الزناد، وفوجئت برصاصة حقيقية تنطلِق من المسدس، وتخترق الحائط المقابل؛ رصاصة حقيقية مرَّت بجوار المليجى الذى كان قويًّا صلبًا فى مواجهة هذا الموقف الغريب، وابتسم المليجى الجريء الذى لا يهاب الموت أبدًا، وكأن شيئًا لم يحدث.‬‬


ويحكى «فريد» عن مشاركته فى إحدى جلسات مجلس الشعب، عندما اندهش عندما وقف عضو غاضِب، هو الشيخ عبدالشافى، وهو يقول بانفعالٍ زائد: اتَّقوا الله، بتضيَّعوا وقتكم فى التمثيل!. وصرخ فريد بأعلى صوته: نحن سفراء مصر، نحن وزراء، ملوك إننا نشرفكم جميعًا، نُشرف مصر فى كل مكان الفنان الصادق سفير لبلاده فى الخارج. عندما قامت ثورة يوليو فى عام 1952 وصدرت قوانين إعادة تنظيم المجتمع، قدمتُ فيلم «حميدو» لأبين وأوضح فيه أخطار المخدرات على المجتمع المصري، وعندما شاهد وزير الشؤون

الاجتماعية فيلمى «جعلونى مجرمًا» أصدر قانون الإعفاء من السابقة الأولى لإتاحة الفرصة أمام الذين دفعتْهم الظروف الصعبة للانحراف، لكى يبدأوا صفحة جديدة فى حياتهم، كان لهذا الفيلم شرَف المساهمة فى إصدار هذا القانون. وفى فيلم «سوق الخضار» أدنتُ، وهاجمت استغلال ملوك وتجار سوق الخضار الكبار والأساليب المريبة التى يلجئون إليها لكى يجمعوا الثروات الفاحشة على حساب الفقراء، وبعد أن شاهد رئيس الوزراء فيلمى «كلمة شرف» وافق على خروج السجين، من وراء القضبان لمدة 48 ساعة؛ لكى يزور أهله، ولكى لا يفقد صِلته بالحياة من حوله. إن أعمالى وأفلامى تُساهم فى إصدار قوانين جديدة لصالح المجتمع، إننى كواحدٍ من هؤلاء الفنانين الذين لا تعترف بجهودهم، لى الشرَف فى المساهمة فى سنِّ وإصدار قوانين تُفيد الناس والمجتمع، وهذا هو دور الفنان الحقيقي؛ أن يكون دائمًا فى خدمة المجتمع، هل تعلم  أنى ذهبت إلى «بورسعيد» أثناء العدوان الثلاثى الغاشم مع بقية زملائى الفنانين، وعرَّضنا حياتنا للخطر أكثر من مرة؛ لكى نقدم فيلمًا اسمه «بورسعيد» يُدين العدوان الثلاثى على مصر، ويفضحه، ويكشفه أمام العالم كله.