لبنان: استنفار بـ«القرنة السوداء» لوأد فتنة طائفية بين بلدتين بالشمال

علم لبنان
علم لبنان

تشهد منطقة القرنة السوداء شمالي لبنان استنفارا أمنيا مكثفا من قبل الجيش اللبناني، ومناشدات سياسية لوأد فتنة طائفية، وذلك بعد جريمتي قتل لاثنين من عائلة واحدة تسكن منطقة بشري شمالي البلاد في حادثتين منفصلتين أمس بمنطقة "القرنة السوداء" التي تعد أعلى القمم الجبلية في بلاد الشام والمتنازع على مواردها بين منطقتي "بشري" (ذات الأغلبية المسيحية المارونية) ومنطقة "بقاعصفرين" بالضنّية (ذات الأغلبية المسلمة).


ويأتي ذلك وسط مناشدات من رئيسي حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وجميع القيادات السياسية والشعبية بضبط النفس ووأد الفتن الطائفية والمذهبية بين أهالي بلدتي "بشري" و"بقاعصفرين". 

 

اقرأ ايضاًً| الديوان الملكي السعودي يعلن وفاة الأمير طلال بن منصور بن عبدالعزيز‎


وتسود حالة من التوتر منطقة "بشري" شمالي البلاد بعد مقتل هيثم جميل الهندي طوق (38 عاما) ومالك طوق (في العقد السادس من العمر) في حادثي قتل منفصلين بمنطقة القرنة السوداء، وذلك وسط قيام عدد من الشباب بحمل السلاح متحفزين للثأر من جريمتي القتل لاثنين من أهل بلدة بشري في منطقة تؤكد البلدة أنها تتبعها.


وبعيد اكتشاف جريمتي القتل، أكدت النائبة ستريدا (طوق) جعجع عضو مجلس النواب في دائرة الشمال الأولى عن حزب القوات اللبنانية (الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب) أن مقتل الشاب هيثم جميل الهندي طوق وقع في منطقة الشِحَيْنْ في محيط القرنة السوداء من قبل مسلحين مجهولين الهوية كانوا يتواجدون في المنطقة، موضحة أنها اتصلت بقائد الجيش وطلبت منه إرسال قوة من الجيش بأسرع ما يكون إلى المنطقة، حيث وقعت الجريمة لإجراء كل التحقيقات اللازمة لأن هذه المنطقة جبلية وبعيدة جدا، كما تم العمل على اعتقال المجرمين وتقديمهم إلى العدالة. 


ودعا النائب وليام طوق عضو مجلس النواب عن منطقة بشري أهل المنطقة إلى ضبط النفس، واتهم "جماعة متفلتة تتمادى منذ سنوات في استباحة أرض بشري" ومحاولة استدراجهم الى قتال داخلي مع أهل بقاعصفرين، على حد ما ورد في بيانه.


وقال طوق، في بيانه، "هذه الجريمة لم ينفذها مسلحون مجهولون، بل قناصون غادرون يتربصون في نطاق أرضنا في "قمة الشهداء" بقصد الاستيلاء عليها، كما أن هذه الجريمة الشائنة ما كانت لتحصل لولا تراخي السلطات القضائية في حسم تثبيت الحدود منذ أكثر من سنتين". 


وأضاف: أن الدعوة إلى ضبط النفس لا تعني إطلاقاً التساهل أو التفريط بدم القتيل، بل تعني الالتزام بالقيم الأخلاقية والوطنية، والتمسك بتحصيل الحقوق بالأيدي في حال تقاعس السلطات والأجهزة المعنية، على حد تعبيره.


ومن جهته، أصدر الجيش اللبناني بيانا أكد فيه أنه بتاريخ الأمس، تعرض أحد المواطنين (من عائلة طوق بمنطقة بشري) لإطلاق نار في منطقة القرنة السوداء ما أدى إلى مقتله، كما قُتل لاحقا مواطن آخر (من نفس العائلة) في المنطقة عينها.. كما أكد الجيش أنه نفذ انتشارًا في المنطقة، كما يعمل على متابعة الموضوع لكشف ملابساته، مشيرا إلى أنه ألقى القبض على عدد من الأشخاص وضبط أسلحة حربية وكمية من الذخائر.


وشدد الجيش اللبناني على عدم اقتراب المواطنين كافة من هذه المنطقة تحت طائلة المسئولية وحفاظا على سلامتهم ومنعا لوقوع حوادث مماثلة، لافتا إلى أنه سبق وأن حذر المواطنين الشهر الماضي من الاقتراب من منطقة التدريب العسكرية في القرنة السوداء.
ومن جانبه، تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جريمتي القتل عبر سلسلة اتصالات أبرزها مع قائد الجيش العماد جوزيف عون والمراجع الأمنية والقضائية المختصة، مشددا على أن هذه الحادثة مدانة وستتم ملاحقة مرتكبيها وتوقيفهم ليأخذ القانون مجراه وليكونوا عبرة لغيرهم.


كما شدد، خلال اتصال مع النائبة ستريدا جعجع، على ضرورة تحلي الجميع بالحكمة وعدم الإنجرار إلى أي ردات فعل، خصوصا في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه.


وبدوره، أجرى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اتصالا هاتفيا برئيس "تيار الكرامة" النائب فيصل كرامي عضو مجلس النواب عن عاصمة الشمال اللبناني طرابلس، ودعاه إلى توخي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة، كما دعا من خلاله أهالي بقاعصفرين والضنية الى عدم الإنجرار وراء الأحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة.


ومن جهتها، استنكرت بلدية بشرّي بشدة الحادثة، وطالبت السلطات الأمنية والقضائية سرعة إلقاء القبض على المجرمين وتقديمهم إلى العدالة.. وأكدت أن القرنة السوداء تقع في النطاق الجغرافي والتاريخي المكرس قانونا لبلدة بشري، معتبرة أن الحادثين وقعا من قبل من وصفتهم بعصابات القتل الذين نفذوا تهديداتهم.


واستنكرت بلدية بقاعصفرين، في بيان، الحادث، مطالبة بعدم زجّ اسم منطقة الضنيه عموماً وبقاعصفربن خصوصاً به، لما له من تداعيات خطيرة، مؤكدة أنها تضع ثقتها الكاملة بالأجهزة الأمنية والجيش اللبناني والقضاء المتخصص من أجل العمل على تطبيق القانون وجلاء الحقيقة ووأد الفتنة.


وفي السياق ذاته، أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أنه تلقى اتصالات من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والنواب أشرف ريفي وفؤاد مخزومي وعبد العزيز الصمد، مشيرا إلى أن جميع المتصلين أبدوا استنكارهم الشديد وأسفهم لسقوط الضحايا.


وأشار إلى أنهم قدموا تعازيهم الحارة لأهالي الضحايا خصوصاً، وأهالي بشري عموماً، وشددوا جميعاً على ضرورة أن تجرى التحقيقات بسرعة لكشف المجرمين وتقديمهم إلى العدالة في أقرب وقت ممكن.


وقال النائب طوني فرنجية عضو مجلس النواب عن منطقة زغرتا بشمال لبنان "إن وصول النزاع إلى مستوى دموي كان من الممكن تفاديه لولا الإهمال والمماطلة".. وفي السياق ذاته، وصف البطريرك الماروني بشارة الراعي حادثة القرنة السوداء بـ"المؤلمة"، معولا على الجيش لضبط الأمن لصالح الجميع، وداعيا أهالي بشري إلى ضبط النفس.


وتشهد منطقة "القرنة السوداء" أعمال عنف متكررة بين أهالي بلدتي بشري وبقاعصفرين بسبب خلافات على تبعيتها والاستفادة من المراعي والمياه الطبيعية فيها، إذ قتل ما يقرب من 90 رأس ماعز لرعاة من بقاعصفرين في عام 2021 في المنطقة ذاتها التي تشتهر بالمراعي والمياه الكثيفة في مطلع فصل الصيف لكونها أعلى قمة في البلاد وآخر القمم التي يذوب فيها الجليد حتى منتصف شهر يونيو، مما يعد موردا طبيعا لرعي الماشية والحصول على المياه النظيفة في فصل الصيف، بخلاف المناطق التي يذوب فيها الجليد في أوائل الربيع. 


واشتد النزاع بين بلديتي بقاعصفرين وبشري ووصل إلى إبراز وثائق تثبت أن القرنة السوداء تقع في نطاقهما، وأن الطرف الآخر هو المعتدي، فيما اتخذ النزاع أبعادا أكبر بعد تدخل نائبي بشري من جهة ونواب الضنية وطرابلس من جهة أخرى لإثبات ملكية القرنة السوداء، فيما ينتظر الجميع ترسيم الحدود الإدارية بين البلدتين لإغلاق هذا النزاع الذي بات مفتوحا على مصرعية بشكل متكرر منذ أكثر من 10 سنوات.