العالم بين يديك| تمرد فاجنر: النهاية لم تُكتب بعد

تأثيرات متوقعة على حرب أوكرانيا

قوات روسية بالقرب من كييف
قوات روسية بالقرب من كييف

انتهت أقصر محاولة انقلابية فى التاريخ، وهو ما عرف على نطاق واسع فى وسائل الإعلام العالمية، بانقلاب «فاجنر» فى روسيا، بعد ساعات فقط من بدئها، لكن معظم تحليلات الصحف الغربية، تجمع على أن انتهاءها بهذه السرعة، لا يعنى أن الأمر قد استتب للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وأن سيد الكرملين بعد هذه المحاولة الانقلابية، ليس هو نفسه سيد الكرملين فيما قبلها.

فرغم أن هذا التراجع من قبل «فاجنر» وقائدها، قد جعل بوتين يتنفس الصعداء، ويتفادى أزمة خطيرة، كانت محدقة بحكمه، فإن معظم المحللين يجمعون على أن انفراج الأزمة لا يعدو أن يكون مرحليًا، وأن الضرر قد لحق بالفعل بصورة بوتين وبحكمه وبقوة بلاده القتالية فى أوكرانيا.، كما أن هذه المحاولة التى أجهضت على وجه السرعة سيكون لها نتائج.

غير أن جانبًا آخر من المراقبين، يعتبر أن بوتين ربما استغل الفرصة التى سنحت له، لإبعاد رجل كان يخشى من تزايد نفوذه، ونفوذ ميليشياته المسلحة، فقد تحدث كثيرون عن أن زعيم «فاجنر».

كان ينسج شبكة علاقات داخل بعض أفرع القوات المسلحة، وأنه كان يجهر بعدائه لوزير الدفاع الروسى، وربما منح الاتفاق الأخير، الذى توسط فيه رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو، الفرصة لبوتين لإبعاد زعيم «فاجنر» والتخلص منه نهائيًا، وإعادة هيكلة تلك الميليشيات وفق ما يخدم مصلحته.

إقرأ أيضاً|الكرملين: لا علاقة لروسيا بنشاط مجموعة «فاجنر» في إفريقيا

أثار تمرد مجموعة «فاجنر» المجهض فى روسيا الارتباك والذى أضعف صورة القيادة العسكرية الروسية، الأمر الذى قد يكون له تأثير على مسار الحرب فى أوكرانيا، وفق ما يرى محللون.

من الناحية التكتيكية، لا تزال التداعيات المباشرة للتمرّد غير واضحة ويرى روب لى، الباحث فى معهد أبحاث السياسة الخارجية فى الولايات المتحدة، أن إزاحة جيش بريجوجين لن يكون له تأثير كبير. فقد انسحبت بالفعل من العمليات الأوكرانية، وهى قوة هجومية، والجيش الروسى الآن فى وضع دفاعي، وأداؤه جيد نسبياً، لكن موسكو قد تستغل تمرد فاجنر لتبرير أى خسائر مستقبلية.

وربما ساهمت التصريحات المتتالية، التى أدلى بها زعيم «فاجنر» يفجينى بيرغوجين، فى إظهار صورة غير معروفة عن القيادات العسكرية الروسية، فعلى مدى أشهر طويلة كان بريجوجين يوجه انتقادات لتلك القيادات.

وحتى بعد محاولة الانقلاب الأخيرة، اجتهد بريجوجين فى توضيح أن ما حدث ليس محاولة انقلاب، وإنما هى ثورة على وزير الدفاع الروسى سيرجى شويغو، ورئيس أركان الجيش الروسى فاليرى جيراسيموف، الذى اتهمه بريجوجين بانعدام الكفاءة، التى أفضت إلى مقتل آلاف الجنود الروس. 

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت وزارة الدفاع الروسية ستنجح فى تأكيد سلطتها على قوات مرتزقة فاجنر فى أوكرانيا، أم أنها ستبقى موالية لبريجوجين.

لاشك أن محاولة الانقلاب أو التمرد، التى قادتها ميليشيات «فاجنر» ستلحق ضررا بصورة الجيش الروسي، الذى عرف دوما بأنه ثانى أقوى جيش فى العالم، بعد جيش الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقا لمحللين عسكريين غربيين، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا، أدت إلى تشويه ثانى أقوى جيش فى العالم بعد ظهور نقاط ضعف متعددة.

رغم تأكيد المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف، فى تصريحات له على أنه «من غير الوارد» أن يؤثر تمرد فاجنر «الفاشل» على الحملة الروسية ضد كييف، وقوله إن «العملية العسكرية الخاصة مستمرة»، فإن العديد من المحللين العسكريين الغربيين، يرون أن هناك تدهورًا فى الحالة المعنوية للجنود الروس، الذين يحاربون فى أوكرانيا، وربما كان ذلك بفعل التصريحات التى كان يطلقها زعيم  «فاجنر»، وينتقد فيها أداء القيادات العسكرية الروسية، وإلقاءها بالجنود إلى جبهات القتال دون إعداد لهم.

وكان تقرير لمجلة «ناشونال إنترست»، الأمريكية قد تحدث مؤخرا، عن العديد من المشاكل ونقاط الضعف، التى يعانى منها الجيش الروسى فى حربه فى أوكرانيا، تتجاوز سوء الخدمات اللوجستية والقادة غير الأكفاء، وقال التقرير إن نقاط الضعف الهيكلية الحالية فى الجيش الروسي، هى نتائج الإصلاحات التى بدأت قبل أربعة عشر عامًا.

غير أن بعضا من المراقبين يرون أن تمرد فاجنر، وعلى عكس ما تعلنه القيادات الروسية، ربما يمثل جرس إنذار للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بضرورة إنهاء تلك الحرب، للتفرغ لترميم البيت الروسى من الداخل، ومواجهة حالة عصيان قد تتجدد، فى ظل رفض البعض لاستمرار الحرب، التى لم تحقق فيها موسكو انتصارا واضحا حتى الآن.

مع ذلك يتوقع المراقبون أن تسابق موسكو الزمن لإثبات عدم تأثرها بما حدث، خاصة لدى اوكرانيا الأكثر استفادة من هذا التمرد، وذلك من خلال تكثيف الغارات والعمليات التى تحاول بها استعادة ثقة جنودها المهتزة، فضلًا عن إيصال رسالة للخارج بأن ما حدث كان حدثًا عارضًا وانتهى دون أن يترك اثرا كما كان متوقعًا.

فقد تزامنت الأحداث الدرامية فى روسيا مع الهجوم المضاد الكبير الذى تشنه القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب، وهو الهجوم الذى طال انتظاره، ولا يبدو أنه يحقق أهدافه حتى الآن، فمن الطبيعى أن يمثل ما حدث الأسبوع الماضى أخبارا جيدة للأوكرانيين والعكس بالنسبة للروس.

وهذا ما عبّر عنه مسئولون أوكرانيون بقولهم إن الفوضى فى روسيا تصب فى مصلحة كييف، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الجيش  الأوكرانى الاستفادة من الاضطرابات التى وقعت السبت، 24 يونيو، عندما توجه مقاتلو مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة نحو موسكو.

 ترى صحيفة الفاينشيال البريطانية أن الأمنيات بأن يؤدى تمرد بريجوجين إلى وقوع روسيا فى حرب أهلية، وتغيير النظام وانهيار حربها فى أوكرانيا، قد تبخرت سريعاً.

لكن هذه الدراما التى تشهدها روسيا لا تزال لها فوائد ومزايا محتملة لأوكرانيا، فى مسعاها لإجبار القوات الروسية على الانسحاب من جنوب وشرق البلاد.

وقال فيتالى ماركيف، ضابط الحرس الوطنى الأوكرانى الذى يعمل فى الخطوط الأمامية، «معنويات القوات الأوكرانية مرتفعة جداً، ونحن نراقب ما يحدث فى روسيا بحماس شديد فقد جاء تهديد بريجوجين فى لحظة مناسبة لكييف، التى لم يحقق هجومها المضاد سوى مكاسب محدودة على الأرض منذ انطلاقه مطلع هذا الشهر.

وأثارت الإخفاقات فى ساحة المعركة مخاوف إزاء قدرة الجيش الأوكرانى على اختراق المواقع الروسية شديدة التحصين.