نعلم جميعًا أن قدماء المصريين كانوا يُعدون المناسبات الدينية والزراعية بمثابة الأعياد؛ فيقولون : “عيد الحصاد” و”عيد حرث الأرض” و “عيد وفاء النيل” و “عيد النيروز/شم النسيم”؛ وهذا يدل على إجادة المصري القديم صناعة الفرح والبهجة والحصول على قسط من الراحة باحتفاله بكل مناسبة، ولعل الجيل القديم وجيل الوسط يتذكر أنه إلى عهدٍ قريب كانوا يحتفلون بما يسمى “عيد الجلوس” ؛ وهو ذكرى يوم جلوس الملك على العرش .
مابالنا بالاحتفالات الدينية عند المصريين في “عيد الفطر” و “عيد الأضحى” وما هي مظاهر تلك الاحتفاليات ؟
نجد أنه بصرف النظر عن المظاهر الاحتفالية الروتينية؛ كالحرص على صناعة وتناول “الكعك” في عيد الفطر؛ وتناول وجبات من “ اللحوم “ في عيد الأضحى؛ وكل هذه الأطعمة المتنوعة تندرج تحت عنوان “ساعة لبطنك”؛ ولكن ما الذي يصنع البهجة والفرح في وقت الراحة والاستجمام حين نتطلع إلى قضاء مانطلق عليه “ ساعة لعقلك “ ؟
إن من عادة المصريين في كل الأعياد؛ القيام ببعض الطقوس لإزجاء وقت إجازة الأعياد؛ وذلك بالبحث عن شكل وطريقة مايطلقون عليه “خروجة العيد” التي تنتظرها الأسر كمكافأة على جهد العام ــ وبخاصة الشباب والشابات وبخاصة الخارجين من أتون الامتحانات، أو من سيكملونها بعد ساعات الراحة ــ حيث يكون التطلع للنزهة في أحضان شواطيء البحر؛ ولكن الأغلب الأعم تهفو أرواحهم إلى التمتع بالراحة ــ دون تكبد أعباء السفرــ في قاعات العرض السينمائي القريبة من مساكنهم .
ولكن ماذا سيشاهد المتفرج في سعيه إلى الراحة والبهجة والمتعة في سويعات الإجازة ؟
المتعارف عليه أن الإنتاج السينمائي المصري ــ وبخاصة في الأعياد ــ يخضع لمفاهيم عقلية “المنتج” الباحث عن “الربح” قبل “المضمون الراقي” الذي يخدم استراتيجية وتوجهات الدولة وأهدافها الوطنية؛ فيتم عرض “ الأفلام الكوميدية” خالية الدسم؛ وغالبًا تكون من صنع من ينادون بكوميديا : الضحك للضحك ! دون التأثير الإيجابي الواجب على تشكيل العقل الجمعي؛ وتتبخر أفكار تلك الأفلام لحظة الخروج في الهواء من قاعة العرض .
ولكن للأمانة ــ وكنت قد تناولت هذا الموضوع في مقالات سابقة ــ تحاول وزارة الثقافة المصرية المساهمة في وضع حلول لذلك الأمر، إذ تم أخيراً افتتاح المرحلة الثانية من مشروع ( سينما الشعب )، والعمل على تدبير ميزانية ضخمة لإنتاج العديد من الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية تتحدث عن النضال والمقاومة المصرية ضد الاحتلال وتخليد حياة الأبطال؛ علاوة على تقديم الأفلام الرومانسية التي تخدم اهداف وقيم المجتمع المصري الأصيلة؛ كما استهدفت الوزارة التوسع في تشييد دور العرض ليكون العدد الإجمالي تسعة مواقع بالمحافظات المصرية ـ بحسب بيان رسمي للوزارة ـ ومع موجة ارتفاع الأسعار ومراعاة دخل الأسرة المصرية؛ تم تخفيض سعر التذكرة لتكون بسعر رمزي مقابل مشاهدة أفلام جماهيرية حديثة، ولكن حتى الآن مازال المشروع متاحًا في أماكن محدودة للغاية، في حين أن المستهدف تشغيل 60 موقعًا في أنحاء مصر . وكلنا أمل في أن طبيعة الأعمال التي تقدم على منصات العرض تتناسب وتتلاءم مع موسم العيد الذي نعيش في نسمات روائحه وروحانياته القادمة بالبشرة والخير لمصرنا المحروسة . ولأن الأسر المصرية مازالت تفضل الاستمتاع بأجواء قاعات السينما خلال بهجة الأعياد؛ وذلك برغم الظروف الاقتصادية التي أثرت على كثير من العائلات، وهو الأمر الذي تقلصت بسببه النزهة العائلية في الفترة الأخيرة؛ ولكن تظل الطقوس الجميلة في الأعياد مستمرة ..واسترجاع طقوس عيد الأضحى تحديدا عبر السنوات تلاحظ إقبال الناس على تبادل الزيارات في المقام الأول بين الأسر والعائلات لكن في زماننا هذا. الذي يموج بالزحام وضيق الوقت وإنشغال الناس عن التواجد مع بعضهم البعض وتوحدهم مع أجهزة التكنولوجيا المختلفة التي تعمل على تآكل العلاقات الاجتماعية ، لذلك نجد أن أهم مظاهر العيد أصبحت باهتة، فالناس وتجمعهم ورنين ضحكاتهم وتنزههم في أرجاء المحروسة هو مايصنع الفرق الملموس والمحسوس لبهجة كل عيد ،وامتلاء قاعات السينما والمسرح أحد أهم مظاهر العيد التي تدفع بالأصدقاء إلى المواعدة والتلاقي والالتفاف حول عمل فني لتكتمل متعة العيد، والاحساس بالإجازة ونفض غبار تعب العمل والدراسة ،لذلك أجد أنه من الأهمية بمكان أن نهتم بنوعية الأعمال الفنية المعروضة في مواسم الأعياد،فالعيد ليس معناه عرض ماهو هزلي وسطحي، بل هو مناسبة أدعى لعرض كل عمل يحمل قيمة فنية حقيقية ، تغذية للأرواح العطشى إلى التزود بالوجدان النقي،وجميل الفكر والرؤى،فلامانع من الأعمال خفيفة الظل لكن بعيدا عن الإسفاف،والاستخفاف بالمشاهدين. ويظل “ سعدنا بيها “ بيخليها أجمل فرحة وأجمل عيد مع فنون العيد !