سعد زغلول: النحاس مناضل وطني مخلص في غاية الوفاء والذكاء

سعد باشا زغلول مع خليفته مصطفى النحاس باشا
سعد باشا زغلول مع خليفته مصطفى النحاس باشا

■ كتب: عاطف النمر

لم يلق الزعيم السياسى المناضل الوطنى مصطفى باشا النحاس من الفضائيات التى تملأ السماء المصرية والعربية الاحتفاء اللائق به فى ذكرى ميلاده الـ 144 التى مرت علينا فى 15 يونيو الجارى، مع أن الرجل ترك خلفه تاريخاً ناصعاً البياض بمواقفه الوطنية من أجل مصر فى ظروف غاية فى الصعوبة وصدامه المتكرر مع الملك فؤاد ونجله الملك فاروق من بعده، ونضاله من أجل استقلال الوطن بعد أن استلم الزعامة بعد وفاة سعد باشا زغلول.

■ النحاس باشا مع زوجته زينب هانم الوكيل

ولد مصطفى النحاس فى 15 يونيو 1879 فى «سمنود» بمحافظة الغربية، حفظ القرآن الكريم فى الكُتاب، وعندما بلغ الحادية عشرة ألحقه والده للعمل بمكتب تلغراف «سمنود»، واستكمل دراسته بالمدرسة الناصرية الابتدائية، وانتقل منها للمدرسة الخديوية الثانوية، ثم التحق بمدرسة الحقوق، وعُين كاتباً فى النيابة بعد حصوله على الليسانس عام 1900، لكنه ترك الوظيفة وعمل محامياً بعد تدربه بمكتب الزعيم محمد فريد، وافتتح لنفسه مكتبا خاصا بالمنصورة، إلى أن اختير قاضياً فى قنا وأسوان لمدة 5 سنوات، أمضى بعدها تسع سنوات متنقلاً بين القاهرة وطنطا عندما كان عضواً بالحزب الوطنى ووكيلاً لنادى طلبة المدارس العليا، ولعب دوراً فى تحريضهم على المطالبة بالاستقلال قبل ثورة 1919، الأمر الذى أهله للانضمام لحزب الوفد وأصبح مقرباً لسعد باشا زغلول رئيس الحزب. 

◄ اقرأ أيضًا | محمد شاهين يكتب: سعد زغلول يكتب لصديقه ولفرد بلنت

تولى النحاس الإشراف على لجان الطلبة الوفديين، وتمت إقالته من القضاء 1919 بعد انضمامه للوفد، وعُين سكرتيراً عاماً للحزب وتم نفيه مع سعد باشا إلى «مالطا»، وقبض عليه للمرة الثانية ونُفى عام 1921 إلى «سيشل» واختير بعد عودته ليمثل سمنود فى مجلس النواب عام 1923، وتقلد حقيبة المواصلات فى وزارة سعد باشا 1924، وأعيد انتخابه لمجلس النواب 1926، وانتخب وكيلاً لمجلس النواب، وعُين رئيساً لحزب الوفد بعد وفاة سعد باشا وحمل راية النضال الوطنى زعيمًا لحزب الأغلبية فى ظل حصار مستمر للحياة النيابية من الملك والسفارة البريطانية، وشكل أول وزارة برئاسته مارس 1928 احتفظ فيها بحقيبة الداخلية، وسقطت وزارته بعد 3 شهور لتأزم علاقاته مع القصر والإنجليز، وتولى رئاسة الوزارة سبع مرات، مرتان فى عهد الملك فؤاد، ومرة فى ظل مجلس الوصاية على الملك فاروق، وأربع مرات فى عهد فاروق، ومجموع ما قضاه النحاس فى الحكم لا يتجاوز سبع سنوات، فعادة ما كان حكمه ينتهى بانقلاب دستورى يدبره الملك بمباركة الإنجليز، وفى الوزارة الأخيرة التى أقالها الملك فاروق فى 27 يناير 1952، كانت مؤامرة حريق القاهرة مبرر إقالة الوزارة، وقد اتهم النحاس باشا الملك فاروق بأنه أراد الخلاص منه عن طريق الحرس الحديدى، فى واحدة من 7 محاولات اغتيال نجا منها بأعجوبة، واطلق عليه البعض لقب «الرجل المبروك»!.

عندما شكل النحاس وزارته الثالثة وقع مع انجلترا معاهدة 1936 التى جلبت له انتقاد السياسيين، وألغاها عام 1951 فى بيان لمجلسى النواب والشيوخ قال فيه : «من أجل مصر وقعت معاهدة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها فهى مغنم للإنجليز وغرق لمصر»، ويقول صلاح الشاهد مدير التشريفات الملكية سابقا وكبير أمناء القصر الجمهورى لاحقا فى كتابه «ذكرياتى بين عهدين» أن النحاس باشا افتتن بسعد باشا زغلول الذى وصفه بالزعيم الأوحد للشعب ووكيله المفوض من كل طبقاته وفئاته، وقال عنه النحاس «تتبعت آثاره محاميا وقاضيا ووطنيا أمينا وتمنيت مقامه، وأكرمنى رب العزة فأصبحت خليفته فى قيادة الأمة الخالدة على مر الزمن»، وعندما سأل محمد كامل سكرتير سعد باشا عن رأيه فى مصطفى النحاس قال: «النحاس رجل ذو قلب طيب، ومبدأ ثابت، يميل إلى الثرثرة ولكنه خفيف الروح به خفة ويميل إلى الخيال، سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال، وطنى مخلص وهو فقير مفلس، ذكى غاية الذكاء، وفى كل الوفاء وله فى نفسى مكان خاص».

ومن مواقفه الوطنية أنه أرسل فى 5 فبراير عام 1942 احتجاجاً إلى السفير البريطانى يستنكر فيه تدخل الإنجليز فى شئون مصر، وقال له «لقد كلفت بمهمة تأليف الوزارة وقبلت هذا التكليف الذى صدر من جلالة الملك، بما له من الحقوق الدستورية وليكن مفهوما أن الأساس الذى قبلت عليه هذه المهمة هو أنه لا المعاهدة البريطانية المصرية ولا مركز مصر كدولة مستقلة ذات سيادة يسمحان للخليفة بالتدخل فى شئون مصر الداخلية وبخاصة فى تأليف الوزارات أو تغييرها»، ومن مواقفه الإصرار على اختيار د. طه حسين وزيرا للتعليم فى حكومة الوفد الأخيرة برغم رفض الملك له بدعوى أنه يسارى التوجه، وأصر النحاس باشا على اختياره معتبرا الأمر مسألة مصيرية ورضخ الملك لاختيارات النحاس، ويقول د. رفعت السعيد فى كتابه «مصطفى النحاس.. السياسى والزعيم والمناضل» إن النحاس باشا كان سبباً فى التحاق الصف الأول من ضبّاط يوليو 1952 بالكلية الحربية، بعد توقيعه معاهدة 1936 وفتحت وزارته أبواب الكلية الحربية أمام أبناء الطبقة الوسطى، أى أن النحّاس كان صاحب فضل على ضبّاط يوليو 1952 الذين قابلوه بنكران وجحود عندما قدمت زوجته زينب الوكيل لمحكمة الثورة التى لم تثبت عليها شيئا !.
رحل النحاس باشا عن عالمنا بالإسكندرية فى 23 أغسطس 1965عن عمر 86 عاما ونقل جثمانه للقاهرة فى جنازة مهيبة ردد خلالها المشيعون «ماتت من بعدك الزعامة يا نحاس» .