يــونـيـو الآن

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

 نعم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬قامت‭ ‬ثورة،‭ ‬ثورة‭ ‬حركتها‭ ‬وحمتها‭ ‬جماهير‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬ثورة‭ ‬كأى‭ ‬ثورة‭ ‬أو‭ ‬تحرك‭ ‬جماهيرى‭ ‬يحكمه‭ ‬الاندفاع‭ ‬أو‭ ‬يطالب‭ ‬فقط‭ ‬بتغيير‭ ‬سياسى،‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬كانت‭ ‬جماهير‭ ‬يونيو‭ ‬فى‭ ‬حركتها‭ ‬وبعقلها‭ ‬الجمعى‭ ‬وإدراكها‭ ‬العميق‭ ‬بتاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬الموغلة‭ ‬فى‭ ‬الفعل‭ ‬الحضارى‭ ‬تنطلق‭ ‬وراء‭ ‬أهداف‭ ‬تعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬بحسها‭ ‬التاريخى‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬ليس‭ ‬أمرًا‭ ‬عابرًا‭ ‬أو‭ ‬بسيطًا‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬طريق‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬سهلا‭ ‬أو‭ ‬هينًا‭ ‬فالحراك‭ ‬الجماهيرى‭ ‬المدرك‭ ‬تمامًا‭ ‬لرد‭ ‬الفعل‭ ‬القادم‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬بجلاء‭ ‬أن‭ ‬فعله‭ ‬الثورى‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لقوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬التى‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬ترصدت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تمنعها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أحلامها‭ ‬فى‭ ‬التقدم،‭ ‬فهذه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وخلال‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث‭ ‬وهى‭ ‬تشن‭ ‬حملاتها‭ ‬وحروبها‭ ‬الشرسة‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬مشروع‭ ‬وطنى‭ ‬هدفه‭ ‬الرئيسى‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬مصرية‭ ‬حديثة‭  ‬

فى‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬الحملات‭ ‬التى‭ ‬استهدفت‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬وجهها‭ ‬القبيح‭ ‬وتحرك‭ ‬أساطيلها‭ ‬لضرب‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مباشرة‭ ‬منذ‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬لتأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬نسختها‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬باشا‭ ‬بل‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬سلاح‭ ‬الاحتلال‭ ‬البغيض‭ ‬لتضمن‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬النور،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬إرادة‭ ‬الجماهير‭ ‬منذ‭ ‬ثورتى‭ ‬1919‭ ‬و1952‭ ‬رافضة‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬ما‭ ‬لاترضاه‭ ‬أو‭ ‬تسرق‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬البغيضة‭ ‬حقها‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬مشروعها‭ ‬الوطنى‭ .‬

عندما‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬التاريخى‭ ‬العابر‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬أسئلة‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬بإلحاح،‭  ‬لماذا‭ ‬ترصدت‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬لحركة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬ولماذا‭ ‬رأت‭ ‬فى‭ ‬مشروعها‭ ‬الوطنى‭ ‬خطرًا‭ ‬يهدد‭ ‬مصالحها‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬نضخم‭ ‬من‭ ‬ذواتنا‭ ‬عندما‭ ‬نطرح‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقدمها‭ ‬الإجابات‭ ‬فنحن‭ ‬أمة‭ ‬لا‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الشفونية‭ ‬أو‭ ‬لاندرك‭ ‬حجمنا‭ ‬الحقيقى‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬التاريخ‭ ‬والعالم،‭ ‬فالأمة‭ ‬المصرية‭ ‬لاتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬تقديمات‭ ‬لتعلن‭ ‬عن‭ ‬فعلها‭ ‬الحضارى‭ ‬المساهم‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬صرح‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭ ‬وهذه‭ ‬حقائق‭ ‬يترصدها‭ ‬العدو‭ ‬ويعلمها‭ ‬الصديق‭ .‬

بنفس‭ ‬لغة‭ ‬المصالح‭ ‬التى‭ ‬يدركها‭ ‬المستعمر‭ ‬جيدًا‭ ‬تأتى‭ ‬إجابات‭ ‬الأسئلة‭ ‬فالمشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬بالفعل‭ ‬مثل‭ ‬ويمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬للنهب‭ ‬الاستعمارى‭ ‬الدائم‭ ‬لمقدرات‭ ‬الشعوب‭ ‬المستضعفة‭ ‬لأن‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬طوال‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬هى‭ ‬العدالة‭ ‬والنزاهة،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬دولة‭ ‬غازية‭ ‬أو‭ ‬مستغلة‭ ‬لموارد‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬كانت‭ ‬دائمًا‭ ‬عندما‭ ‬ينطلق‭ ‬مشروعها‭ ‬الوطنى‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬وعقب‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬تتحول‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬ومشروعها‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬جبارة‭ ‬تمد‭ ‬يد‭ ‬التعاون‭ ‬إلى‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬التى‭ ‬تقاوم‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بكافة‭ ‬اشكالها‭ ‬الشريرة‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تحريرها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬الناهبة‭ ‬لمقدراتها‭ .‬

لا‭ ‬تكتفى‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروعها‭ ‬الوطنى‭ ‬بهذا‭ ‬التعاون‭ ‬أو‭ ‬قيادة‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الاستعمار‭ ‬بل‭ ‬تبدأ‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬توازنات‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬أساسها‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬مصلحة‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬ويحكم‭ ‬التشكيل‭ ‬الجديد‭ ‬معايير‭ ‬العدالة‭ ‬والنزاهة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تسترد‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬حقوقها‭ ‬المسروقة‭ ‬طاردة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬جغرافية‭ ‬شاسعة‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬عالمنا‭ ‬ولهذه‭ ‬الإجابات‭ ‬يظل‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬تهديدًا‭ ‬مستمرًا‭ ‬لمصالح‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الشريرة‭ ‬والتى‭ ‬تعمل‭ ‬دائمًا‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعطيله‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭  ‬

عندمت‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬يونيو‭ ‬وفى‭ ‬بدايات‭ ‬ساعات‭ ‬الميلاد‭ ‬للثورة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬المواجهة‭ ‬الأولى‭ ‬قد‭ ‬تحققت‭ ‬بقيادة‭ ‬طليعة‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فجماهير‭ ‬يونيو‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬بإدراكها‭ ‬التاريخى‭ ‬المستمد‭ ‬من‭ ‬الجذر‭ ‬الحضارى‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬كانت‭ ‬تعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬أنها‭ ‬لاتواجه‭ ‬جماعة‭ ‬فاشية‭ ‬تسللت‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬عابرة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الوعى‭ ‬ومهد‭ ‬لهذا‭ ‬التسلل‭ ‬دوائر‭ ‬من‭ ‬التآمر‭ ‬الخارجى‭.‬

علمت‭ ‬جماهير‭ ‬يونيو‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬عدوها‭ ‬المستمر‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬ممثلا‭ ‬فى‭ ‬عملائه‭ ‬من‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خابت‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬فى‭ ‬المواجهات‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وهذه‭ ‬الأمة‭ ‬وأصبحت‭ ‬الهزائم‭ ‬المتتالية‭ ‬لقوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬المصرية‭ ‬مؤثرة‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬مظهر‭ ‬الهيمنة‭ ‬الزائف‭ ‬الذى‭ ‬تفرض‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬سطوتها‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬أدركت‭ ‬تمامًا‭ ‬جماهير‭ ‬يونيو‭ ‬تبعات‭ ‬المواجهة‭ ‬وأن‭ ‬معارك‭ ‬البدايات‭ ‬سيعقبها‭ ‬حروب‭ ‬لذلك‭ ‬ففى‭ ‬ساعات‭ ‬الميلاد‭ ‬الأولى‭ ‬للثورة‭ ‬بقيادة‭ ‬طليعة‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬تمت‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالفاشيست‭ ‬المتسللين‭ ‬لينتصر‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬فى‭ ‬أولى‭ ‬معارك‭ ‬ثورته‭ ‬وتم‭ ‬حذف‭ ‬عام‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬والفاشية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬السياسية‭ ‬المصرية‭ ‬وإن‭ ‬بقى‭ ‬شيء‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬العظة‭ ‬والعبرة‭ .‬

بالتأكيد‭ ‬فقدت‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬وعملاؤها‭ ‬من‭ ‬الفاشيست‭ ‬توازنهم‭ ‬أمام‭ ‬صدمة‭ ‬عنفوان‭ ‬الثورة‭ ‬والحراك‭ ‬الجماهيرى‭ ‬الهادر‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬هذا‭ ‬التوازن‭ ‬لجأت‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬مستخدمة‭ ‬الفاشية‭ ‬وعملائها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬الوسائل‭ ‬انحطاطًا‭ ‬وخسة‭ ‬فأطلقت‭ ‬جرزان‭ ‬الفاشية‭ ‬بسلاح‭ ‬الإرهاب‭ ‬الوضيع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاولة‭ ‬ضرب‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬وتعطيل‭ ‬أهداف‭ ‬جماهيرها‭ ‬ممثلة‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬مشروعها‭ ‬الوطنى،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشرس‭ ‬المعارك‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخها‭ ‬الحديث‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الخسيس‭ ‬وتصدت‭ ‬طليعة‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والشرطة‭ ‬للإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬وارتقى‭ ‬الشهداء‭ ‬وسالت‭ ‬الدماء‭ ‬الزكية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬حريته‭ ‬وأحلامه‭ ‬وشرفه‭ ‬رافضة‭ ‬فى‭ ‬غضب‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬فى‭ ‬مقدرات‭ ‬أمة‭ ‬بحجم‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬أشباح‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬الخسيس‭ .‬

منذ‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬وجماهيرها‭ ‬تعرف‭ ‬أهدافها‭ ‬وتحققها‭ ‬وتصدت‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لموجات‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الجبهات،‭ ‬ولم‭ ‬تنس‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وقيادتها‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬غمار‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬فبدأت‭ ‬ومازالت‭ ‬مستمرة‭ ‬أضخم‭ ‬عمليات‭ ‬التنمية‭ ‬فى‭ ‬البشر‭ ‬والحجر‭ ‬واستطاعت‭ ‬القيادة‭ ‬المصرية‭ ‬بتوازن‭ ‬دقيق‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬بناء‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬والتصدى‭ ‬للموجات‭ ‬للإرهابية‭ ‬حتى‭ ‬نجح‭ ‬الرجال‭ ‬الأبطال‭ ‬فى‭ ‬دحر‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الخسيس‭ .‬

عند‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬ثورة‭ ‬يونيو‭ ‬الفريدة‭ ‬فى‭ ‬حدثها‭ ‬أدت‭ ‬ماعليها‭ ‬واستنفذ‭ ‬الزخم‭ ‬الجماهيرى‭ ‬طاقته‭ ‬فى‭ ‬اندفاعاته‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬كامل‭ ‬؟‭ ‬تستطيع‭ ‬النجاحات‭ ‬التى‭ ‬توالت‭ ‬خلال‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬الى‭ ‬دحر‭ ‬الإرهاب‭ ‬تقدم‭ ‬الإجابات‭ ‬وتقول‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالانتصارات‭ ‬ونؤخر‭ ‬قليلا‭ ‬تحليل‭ ‬الحدث‭ ‬واستعادة‭ ‬الدرس‭ ‬لوقت‭ ‬آخر،‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬حكمة‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية‭ ‬وحجم‭ ‬التحديات‭ ‬التى‭ ‬واجهتها‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬منذ‭ ‬الانطلاقة‭ ‬الأولى‭ ‬لثورة‭ ‬يونيو‭ ‬تشير‭  ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬بعد‭ ‬وأن‭ ‬ماتحقق‭ ‬هو‭ ‬الأهداف‭ ‬المباشرة‭ ‬للثورة‭ ‬ومازال‭ ‬الزخم‭ ‬الجماهيرى‭ ‬فى‭ ‬حراكه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إكمال‭ ‬المشروع‭ ‬الوطنى‭ ‬المصرى‭ ‬بكافة‭ ‬رؤاه‭ ‬ولعل‭ ‬الرؤية‭ ‬الأولى‭ ‬هى‭ ‬إزالة‭ ‬آثار‭ ‬عدوان‭ ‬الفاشيست‭ ‬والقوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التى‭ ‬تحركهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬منذ‭ ‬تسلل‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬الفاشية‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬نهاية‭ ‬بتسللها‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬فى‭ ‬لحظة‭ ‬غياب‭ ‬الوعى‭ .‬

إن‭ ‬لحظة‭ ‬التسلل‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬حدثت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬حتى‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يونيو‭ ‬لم‭ ‬تمر‭ ‬بلا‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بل‭ ‬خلفت‭ ‬وراءها‭ ‬عدوانًا‭ ‬شرسًا‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المجتمعية‭ ‬المصرية‭ ‬وكانت‭ ‬ذروة‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬فى‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬عندما‭ ‬تغلغل‭ ‬تجار‭ ‬الدين‭ ‬والفاشسيت‭ ‬وأذنابهم‭ ‬من‭ ‬المتسلفة‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬ونشروا‭ ‬خرافاتهم‭ ‬وفيروساتهم‭ ‬فى‭ ‬الجسد‭ ‬المجتمعى‭ ‬واهتزت‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬المصرية‭ ‬الأصيلة‭ ‬وغطى‭ ‬ضباب‭ ‬الجهل‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬المصرية‭ ‬أعرق‭ ‬الهويات‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬الإنسانى‭ .‬

عندما‭ ‬تراقب‭ ‬كافة‭ ‬الظواهر‭ ‬المجتمعية‭ ‬الكارثية‭ ‬التى‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬تجد‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬وراءها‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الفاشى‭ ‬الذى‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬مجتمعنا‭ ‬طوال‭ ‬مايقرب‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬لقد‭ ‬خرجت‭ ‬النظرة‭ ‬الدونية‭ ‬للمرأة‭ ‬والتحرش‭ ‬من‭ ‬كهوفهم‭ ‬العفنة‭ ‬ورؤوسهم‭ ‬المريضة‭ ‬لقد‭ ‬تأسس‭ ‬اقتصاد‭ ‬الخراب‭ ‬و‭ ‬تحريم‭ ‬قيمة‭ ‬العمل‭ ‬المنتج‭ ‬وإعلاء‭ ‬النهب‭ ‬والتواكل‭ ‬وضرب‭ ‬اقتصاد‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬شركات‭ ‬توظيف‭ ‬الأموال،‭ ‬والآن‭ ‬يتسلم‭ ‬المستريحون‭ ‬الراية‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسين‭ ‬لسيرك‭ ‬النصب‭ ‬على‭ ‬المصريين‭ ‬،‭ ‬ستجد‭ ‬آثار‭ ‬عدوانهم‭ ‬واضحة‭ ‬فى‭ ‬وسائط‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬فقد‭ ‬بثوا‭ ‬سمومهم‭ ‬فى‭ ‬عقول‭ ‬المتلقين‭ ‬فانهارت‭ ‬قيم‭ ‬الاحترام‭ ‬وأصبحت‭ ‬رذائل‭ ‬فاحش‭ ‬القول‭ ‬والحقد‭ ‬والكذب‭ ‬والشماتة‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الأموات‭ ‬هى‭ ‬السائدة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وبوستات‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضى‭ ‬ويدعى‭ ‬الفاشيست‭ ‬وأذنابهم‭ ‬المتسلفة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬والدين‭ ‬منهم‭ ‬براء‭ .‬

أطلقوا‭ ‬مصائب‭ ‬التكفير‭ ‬وسربوا‭ ‬الفتن‭ ‬الطائفية‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬دين‭ ‬وآخر‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الدين‭ ‬الواحد‭ ‬وأرادوا‭ ‬تقسيم‭ ‬الناس‭ ‬شيعًا‭ ‬،‭ ‬ألبسوا‭ ‬صورة‭ ‬المجتمع‭ ‬تدينًا‭ ‬شكليًا‭ ‬مقيتًا‭ ‬وزائفًا‭ ‬وانطلقوا‭ ‬بتدينهم‭ ‬الشكلى‭ ‬الزائف‭ ‬يوزعون‭ ‬صكوك‭ ‬الغفران‭ ‬ويقبضون‭ ‬الثمن،‭ ‬حولوا‭ ‬الخرافة‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬تحكم‭ ‬عقل‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحط‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء‭ ‬عدا‭ ‬بالطبع‭ ‬مايسمونهم‭ ‬علمائهم‭ ‬والحقيقة‭ ‬ماهم‭ ‬سوى‭ ‬تجار‭ ‬دين‭ ‬وعملاء‭ ‬لسيدهم‭ ‬المستعمر‭ ‬يطبخون‭ ‬فتاويهم‭  ‬المسمومة‭ ‬فى‭ ‬مطبخ‭ ‬السيد‭ ‬المستعمر‭ ‬والتى‭ ‬غرضها‭ ‬الوحيد‭ ‬هدم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬وطنى‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬،هذه‭ ‬إشارات‭ ‬قليلة‭  ‬مما‭ ‬يفعلونه‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الطيب‭ .‬

ابحث‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الكوارث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التى‭ ‬تعرض‭ ‬ويتعرض‭ ‬لها‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬هم‭ ‬وعدوانهم‭ ‬ورائها‭ ‬بوضوح‭ ‬وأن‭ ‬أغلب‭ ‬المشكلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يمكن‭ ‬حلها‭ ‬عندما‭ ‬يزول‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬وآثاره‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬يونيو‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نطمئن‭ ‬لانتصارات‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬وماحققناه‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬لأن‭ ‬مازال‭ ‬عدوانهم‭ ‬وآثاره‭ ‬تجسم‭ ‬على‭ ‬صدرمجتمعنا‭ .‬

فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فجماهير‭ ‬يونيو‭ ‬التى‭ ‬أطاحت‭ ‬بتسللهم‭ ‬السياسى‭ ‬والمخطط‭ ‬الاستعمارى‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬تستطيع‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬قيادتها‭ ‬التى‭ ‬أعطتها‭ ‬ثقتها‭ ‬الكاملة‭ ‬يوم‭ ‬الثورة‭ ‬وإلى‭ ‬الآن،‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬الجماهير‭ ‬بوعيها‭ ‬ومخزونها‭ ‬من‭ ‬الحراك‭ ‬الثورى‭ ‬أن‭ ‬تجرى‭ ‬أعظم‭ ‬تحولا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬يزيل‭ ‬نهائيًا‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬وآثاره‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬أرجاء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الخالد‭. ‬


 

;