المصرية الفائزة بجائزة القصة العربية:أبحث عن الكامن خلف السطح

علم مصر العزيز يرفرف فى الدوحة بيدى صاحبة الجائزة
علم مصر العزيز يرفرف فى الدوحة بيدى صاحبة الجائزة

عبد الهادى عباس

فازت الأديبة المصرية نهى الطرانيسى بجائزة «كتارا» فى القصة القصيرة، وهى إحدى أرفع الجوائز العربية فى الأدب، وحصلت الطرانيسى على بكالوريوس الإعلام من كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 2002م، وبدأت كتابة القصة القصيرة القصيرة جدا فى سن مبكرة، وقد صدرت لها مجموعتان: الأولى بعنوان (كورال الدُّمَى) عن دار البشير 2018، والثانية بعنوان (عابرون فى الزحام) عن دار إشراقة 2022، ولها مجموعة ثالثة تحت الطبع، وتُرجم لها بكتاب (صفوة كُتّاب القصة القصيرة جدا فى مصر)، واختيرت بعض أعمالها القصصية ضمن عدد من الكتب الإبداعية الجماعية منها: كتاب (رياح وَترية للقصة القصيرة) وديوان (النوارس). كما تناول عدد من النقاد أعمالها الإبداعية، ومنهم: د.أحمد إسماعيل، ود. السيد العيسوي، ود. إيمان جلال، وعبد القادر أمين، وخالد جودة.

ما الدافع الأبرز عندك للكتابة الإبداعية؟

 يؤرقنى دائمًا سؤال الكتابة، واختيار الفكرة التى تترابط ترابطًا وثيقًا على المستوى النفسى والاجتماعي، وتشغل ذهن المتلقي، حتى لو كانت هذه الفكرة حدثًا عابرًا يغفل عنه الكثيرون. ما يهمنى أن يكون الحدث القصصى مؤثرًا. ربما جلستُ طويلا أقرأ حول الفكرة، وأجمع المعلومات حول أبعادها، حتى أعايشها معايشة حقيقية، ثم أنقلها إلى القارئ فى ثوب أدبى فلسفى لا يقف عند ظواهر الأشياء، بل يسبر أغوار الأفكار والأشياء ليصل إلى حقيقتها الكامنة خلف السطح. وبذلك يشارك القارئ معى متعة التفكر والتأمل؛ لذا فإن القصة الواحدة ربما تستولى على خاطرى وأفكارى شهرين متتابعين أو يزيد.

 ولكن لماذا القصة القصيرة تحديدًا؟

 القصة القصيرة بالنسبة إليّ عمل ليس بالهين؛ إنها تكثيف للأحداث وسبر لدوافع الشخصيات حتى يخرج العمل الإبداعى إلى النور فى صورة أطمئن إليها. فهدفى من كتابة القصة القصيرة ثنائى يحقق الاستمتاع بالعمل من جهة والتأمل الفكرى من ناحية أخرى؛ وإشراك القارئ فى عملية التفكر والدخول به إلى حالة نفسية تقوم على الارتقاء والتطهير.

 ما الذى يُميز القاصة نهى الطرانيسى عن باقى المبدعين؟

 أرى أن أسلوبى القصصى يتميز بدقة الوصف الحسى والمعنوى بالغوص فى أعماق الشخصيات واستجلاء دوافعهم الفكرية والنفسية والاجتماعية. إن كتاباتى ليست سطحية، إنها تحترم عقل الآخر وفكره وتثق فى قدراته على التأويل، وتركز على الجوانب الماورائية التى تفسر حركة السطح.

 موضوع الجائزة هذا العام كان «الاستدامة البيئية».. لماذا؟

أطلقت مؤسسة الحى الثقافى «كتارا» مسابقة «كتارا للقصة القصيرة» 2023 فى رمضان الماضي، واختارت موضوع «الاستدامة البيئية»، ليكون محورًا رئيسيًا تدور حوله القصص المشاركة لهذا العام، نظرًا لأهمية الاستدامة البيئية فى تجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها والحفاظ على جودة بيئية طويلة المدى، كما استهدفت مسابقة هذا العام مواكبة معرض «إكسبو العالمى» للبستنة والذى يهتم بشكل رئيسى بتنمية الوعى البيئى والاستدامة.

 إذن، هل كان الموضوع تحديا شخصيا واهتماما أدبيا معا؟

 لا شكّ أن هذا الموضوع يشكل تحديًا لأى قاصّ أو روائي، فماذا عساه المبدع أن يكتب حول هذا الموضوع غير المطروق على المستوى الإبداعي، تمخضت لحظة المعاناة الإبداعية عن فكرة قصّتى التى فازت بالمركز الأول بجائزة كتارا هذا العام، واخترت لها هذا العنوان: (قرص الذهب الساخن).

 وماذا عن الخط الإبداعى العام للقصة؟

تدور أحداث القصة حول شاب ينشأ فى إحدى الدول الإفريقية التى تعانى المجاعة وشحّ المياه، ومدى معاناته فى توفير الماء العذب له ولأسرته تحت وطأة حر الشمس والقتال الدائر بين القوى المتنافرة فى البلاد والذى كان أشد وطأة من العطش، ولهيب أشعة الشمس. لكن ذلك الفتى كان ممتلئًا بالتفاؤل، يصيح للشمس كل صباح: «مرحبا يا قرص الذهب الساخن»، عندما كانت تسأله أمه بوَجَل: «ماذا تعرف عن الذهب؟» كان يضحك مخبرًا إياها أنه رأى الذهب أثناء حفر أعمامه هناك فى سفح الجبل، كانت الشمس لديه فى اللاوعى مرادفةً للذهب، لكنه ذهب من نوع خاص، إنه كالقرص الساخن. يستطيع ذلك الشاب من خلال التعرف على أفراد قوافل الإغاثات أن يلتحق ببعثة لاستكمال دراسته فى أوربا، وبعد عدد من الأحداث المعقدة فى القصة تُلقى به الأقدار لدراسة تخصص (هندسة المواد) بجامعة برلين، وهناك يستطيع أن يواصل دراساته العليا حول (تكثيف الماء من الهواء الرطب) اعتمادا على طاقة الألواح الشمسية، ثم تتحول تلك الدراسة إلى واقع عملى بدعم من عدة مؤسسات، وكان ذلك كله يستلزم مناطق مشبعة بالرطوبة وبأشعة الشمس الساطعة طوال العام، لا مكانَ أنسب لتنفيذ الفكرة على أرض الواقع إلا وطنه الذى نشأ فيه تحت وطأة الشمس والرطوبة، عاد إلى وطنه.