في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب.. العربية لحقوق الإنسان: التعذيب جريمة

 المنظمة العربية لحقوق الإنسان
المنظمة العربية لحقوق الإنسان

دعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بمناسبة «اليوم العالمي لمناهضة التعذيب»، الحكومات العربية لاتخاذ تدابير جادة في التشريع والممارسة لتعزيز الحظر والتجريم وتطوير آليات الرصد والمساءلة، باعتبارها أدوات جوهرية لمكافحة هذه الجريمة البغيضة، والتي عادت لتتفشى إقليمياً وعالمياً على نطاق مؤسف.

وأضافت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن جريمة التعذيب واحدة من الجرائم ضد الإنسانية، والتي يتشارك في حظرها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الجنائي الدولي، ولكونها جريمة ذات طبيعة مخزية، فضلاً عن آثارها الوخيمة التي لا تقتصر على ضحاياها، وتتجاوزهم إلى أسرهم وإلى المجتمع ككل، فضلاً عن تأثيرها أيضاً على الجناة مرتكبي هذه الجرائم أنفسهم على نحو ما أكدته دراسات علم النفس الحديث.

اقرأ أيضا|العربية لحقوق الإنسان تدين الإعتداءات الإسرائيلية على شمال الضفة الغربية

في مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 ديسمبر 1984 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في 26 يونيو 1987، على نحو كان يُبشر بعالم خالي من هذه الممارسة القاسية غير الإنسانية.

 وبينما كانت جريمة التعذيب قد لقيت حظراً واضحاً بموجب القانون الإنساني الدولي، وقررت اتفاقيات جنيف للعام 1949 كونها من الانتهاكات الجسيمة للاتفاقية التي تفرض واجباً على الدول الأطراف السامية المتعاقدة في الاتفاقيات الأربعة للتحرك في مواجهتها واتخاذ التدابير الكفيلة بالمحاسبة عليها، فقد أكد القانون الجنائي الدولي في مسار تطوره وصولاً إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 أنها تقع بين الجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب المساءلة والمحاسبة دولياً في حال لم تحظ بالانتصاف الكافي على المستوى الوطني.

 ولا تزال غالبية دول العالم دون تفعيل ملائم لالتزاماتها بتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب عبر ترك العديد من الفجوات التشريعية على الصعيد الوطني دون معالجة كافية، وهو ما يؤثر سلباً على تفعيل الاتفاقية على الأصعدة الوطنية، وخاصة في مجال المساءلة والمحاسبة، وبما سمح بإفلات جناة من العقاب في جريمة لا تقبل التسامح ولا تسقط بالتقادم، وتشكل واحدة من أكثر الانتهاكات الجسيمة شيوعاً.

 ونظراً لخطورة هذه الجريمة وتأثيرها العنيف على تمتع البشر بكرامتهم وأدميتهم، فقد جرى تطوير جهود مناهضة هذه الجريمة عبر إقرار البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في 18 ديسمبر 2002 لتطوير الجهود لمنع وقوع الجريمة عبر تدابير ذات طبيعة وقائية، تشمل إنشاء آليات وطنية مستقلة لتعزيز جهود الوقاية وتقديم التوصيات والمقترحات ذات الطبيعة العملية لتفعيل الحظر الكامل، بالإضافة إلى مساعدة جهات الإدعاء العام في النهوض بواجباتها عبر إحاطتها بأية شبهات أو إدعاءات.

 وفي حين إنضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة 176 دولة، فقد انضم للبروتوكول الاختياري الملحق للاتفاقية 91 دولة فقط، على نحو يثير التساؤلات حول جدية الدول في تفعيل رغبتها المعلنة في حظر الجريمة ومنع وقوعها.

وعلى الصعيد العربي، وفيما عدا الصومال التي عانت من حروب أهلية منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فقد اكتمل انضمام مختلف الدول العربية إلى اتفاقية مناهضة التعذيب بعد تصديق كل من سلطنة عمان وجمهورية السودان على الاتفاقية عامي 2020 و2021.

 ورغم بزوغ تقدمات جزئية متفاوتة - ولكن متزايدة في غالبية البلدان العربية في مجال المساءلة والمحاسبة على جرائم التعذيب وسوء المعاملة منذ العام 2015، فلم ينضم سوى خمسة بلدان عربية فقط للبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، وهي: لبنان وفلسطين وتونس والمغرب وموريتانيا، وهو ما يستدعي من السلطة السياسية التنفيذية والتشريعية في بقية البلدان العمل على النظر في هذا الخيار المهم بشكل عاجل.

 وقد عكست عديد من منتديات الحوار الوطنية والإقليمية التي شاركت فيها المنظمة خلال السنوات السبع الأخيرة عن قدر كبير من سوء الفهم بين صانعي القرار السياسي والتشريعي والقضائي فيما يتعلق بالبروتوكول، الذي يتم النظر إليه على أنه صك معني بالمحاسبة على غرار غيره من البروتوكولات الملحقة ببعض اتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما يتعلق البروتوكول بالأساس بتعزيز جهود الوقاية على المستويين الوطني والدولى.

 ويعد توازي تعزيز جهود المساءلة والمحاسبة مع استحداث آليات الوقاية فيما يتعلق بالتصدي لجرائم التعذيب واستئصال هذه الممارسة غير الأدمية الطريق الأمثل نحو بناء الدولة الحديثة، والذي يتسق مع التعهدات السياسية المعلنة بالتقدم في تعزيز سيادة القانون ضمن استراتيجيات التنمية المستدامة 2030 التي تبنتها غالبية البلدان العربية هدفاً واستحقاقاً.

إن التزام الدول باحترام وحماية حقوق الإنسان أمر لا يكتمل دون التصدي للانتهاكات للحقوق المحمية، ويشمل التصدي بطبيعته محاسبة مرتكبي الانتهاكات جنباً إلى جنب مع اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية الكفيلة بمنع التكرار.