حكايات رحلة الحجيج عبر السويس والطور ووصف معالمها الحضارية

رحلة الحجيج عبر السويس والطور
رحلة الحجيج عبر السويس والطور

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن هناك طريقًا للحج عن طريق عيذاب على البحر الأحمر المعروف بطريق قوص- عيذاب حيث يخرج الحجاج من القاهرة قبل شهر رمضان ثم يسيرون لقوص (640كم من القاهرة ) ثم يقطعون 160كم إلى عيذاب أو القصير ويظلوا شهرين فى انتظار الفلايك ويسمونها جلابا أو جلبة وهى سفن صغيرة غير محكمة الصنع وشراعها فى الغالب من الحصير وهى التى تحملهم إلى جدة.

وكانت بداية استخدام طريق الحج البرى حين ارتادته شجر الدر (645هـ / 1247م) واعتبرت أول مرتاد لهذا الطريق الذى صار الطريق الرئيسى للحجاج منذ أيام الظاهر بيبرس وأخرج الظاهر بيبرس قافلة الحجاج بين مصر ومكة المكرمة بطريق البر  واستمر طريق البحر بين عيذاب وقوص كطريق للتجار حتى بطل بعد عام (760هـ / 1359م) وتضاءل شأن قوص.

ويشير الدكتور ريحان إلى استخدم طريق قوص- عيذاب طريقًا للحج من (450 - 665هـ / 1058- 1266م) منذ أيام الشدة العظمى أيام المستنصر بالله وانقطاع الحج فى البر إلى أن كسا الظاهر بيبرس الكعبة المشرفة وعمل لها مفتاحًا ثم أخرج قافلة الحج فى البر عام (666هـ / 1267م) فقل اتخاذ الحجاج لطريق عيذاب واستمر هذا الطريق كطريق تجارى حتى بطل عام (760هـ / 1359م) وعلى الرغم من استتباب الأمن منذ حكم الأيوبيين إلا أن درب الحاج المصرى قد أصبح طريقًا حربيًا فى فترة الحروب الصليبية مما أبقى على طريق قوص - عيذاب مسارًا للحج .

ورصد الدكتور ريحان رحلة الرحّالة البريطانى رتشارد بيرتون الذى قام برحلة بحرية شهيرة إلى مصر والحجاز فى (23 رمضان 1269هـ / أول يوليو 1853م) ووصف سفينة الحجاج وكيفية الإبحار فى خليج السويس والبحر الأحمر وميناء الطور والمعالم الحضارية بها ركب بيرتون سفينة الحجاج من ميناء السويس وكان يطلق عليها سنبوك حمولتها 50 طن تقريبًا وعلى جانبى السفينة خطوط لقياس الجزء الغاطس فى الماء وهى فارغة أو محملة وليس لها سطح علوى إلا فوق المؤخرة والذى يرتفع بما فيه الكفاية ليقوم بدور الشراع فى مواجهة الريح العاتية ولهذه السفينة صاريان يكادان يميلان نحو مقدمة السفينة والصارى الأقرب للمؤخرة مزود بمثلث خشبى ضخم وليس فى هذه السفينة وسائل لثنى الشراع وليس بها بوصلة ولا جهاز لقياس سرعتها ولا حبال وأسلاك لسبر غور الأعماق ولا حبال احتياطية ولا حتى ما يشبه الخريطة، وهذه السفينة بقمرتها (كابينتها) الشبيهة بالصندوق ومخزنها المضلع تشبه السفن الهندية المعروفة باسم التونى أو الزورق الشجرى وهو زورق يصنع بتجويف جذع شجرة.

ويتابع الدكتور ريحان بأن صاحب السفينة اسمه مراد وقد وعد بأن يصطحب معه ستين مسافرًا إلا أنه زاد العدد إلى سبع وتسعين وقد ازدحمت السفينة بأكوام الصناديق والأمتعة من مقدمتها إلى مؤخرتها وسفن البحر الأحمر تبحر نهارًا بالقرب من الساحل وترسو ليلًا عند أول خليج صغير تجده ولا يبحر البحارة فيه إذا كانت الريح عاصفة خاصة فى الشتاء، وكانت المحطة الثانية فى الرحلة هى عيون موسى حيث وصلوا إليها عند غروب الشمس ويصفها لنا بأنها منطقة تحوى بساتين النخيل متجمعة حول عيون موسى.

ووصف بيرتون ميناء الطور بأنها تتميز بوفرة مؤنها من الفاكهة والماء يجعلها من بين أهم موانئ البحر الأحمر وتتوفر بها الآبار وتقع بلدة الطور فوق السهل الذى يمتد بارتفاع تدريجى من البحر إلى عقدة جبال سيناء الشامخة وسكان الطور يتعيشون من بيع الماء والمؤن للسفن وفى الطور أكلوا بلحًا وعنبًا ورمانًا حمله السكان إلى الساحل لإطعام الحجاج الجوعى و تجول بعض الحجاج المغاربة على الشاطئ وبعضهم ذهب لملئ قربهم (أوعية من الجلد) بالمياه.

ولم يتمكنوا من الإقلاع فى صباح يوم (2 شوال 1269هـ / 9 يوليو 1853م) لوجود ريح عاتية كما كان البحر هائجًا لذلك خرجوا لزيارة عيون موسى الكبريتية بمدينة طور سيناء (حمام موسى) راكبين حمير هزيلة متجهين شمالًا عبر السهل فى اتجاه شريط طويل ضيق به نخيل وتحيطه أسوار طينية مهدمة حتى دخولهم منطقة بساتين .

وأردف الدكتور ريحان بأن رحلة بيرتون قدّمت لنا وصفًا لحمام موسى بطور سيناء بأنه مبنى صغير من طابق واحد يشبه ما هو موجود فى الريف الإنجليزى أو الأحياء الفقيرة فى لندن بناه عباس باشا ليستخدمه استراحة وكان مطليًا باللون الأبيض الساطع ومزين بستائر من قماش الكاليكو ذوالألوان المتدرجة الرائعة، والحوض الخاص بالحمام يقع بالحجرة الداخلية للمبنى ومياهه دافئة فى الشتاء وباردة فى الصيف، طعمها مالح مائل للمرارة وتشتهر بخواصها المنشطة،  وفى منطقة الحمام أكلوا بلح الطور الأصفر الصغير الذى يذوب فى الفم كعسل النحل .

ثم توجهوا بالحمير إلى منطقة بئر موسى حيث وصلوا فى غضون نصف ساعة ويصف بيرتون بناءً قديمًا جميلًا حول هذا البئر مسقوف بقبة من أحجار مربعة ويشبه كثيرًا المبانى الريفية بجنوب انجلترا وفى قاع البئر ماءً عذبًا غزيرًا وجلسوا على مقهى مجاور للبئر لحمايتهم من الشمس الحارقة وكان المقهى عبارة عن ظلة من جريد النخيل وحصيرة مفروشة على الأرض وجلس معهم مجموعة من أهل الطور وتم مغادرة الطور فى 11 يوليو 1853م .