«طيب وأمير» .. دعوة للضحك

مسرحية طيب‭ ‬وأمير
مسرحية طيب‭ ‬وأمير

آية‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬المقصود

الضحك‭ ‬هو‭ ‬المبرر‭ ‬الكبير‭ ‬للحياة‭.. ‬وعليَّ‭ ‬القول‭ ‬إنني‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أعمق‭ ‬لحظات‭ ‬اليأس‭ ‬كنت‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الضحك،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الحيوان‭ .‬‭. ‬“‭ ‬الفيلسوف‭ ‬اميل‭ ‬سيوران”‭ . ‬

بعد‭ ‬غياب‭ ‬كبير‭ ‬للمسرح‭ ‬الكوميدى‭ ‬وللعروض‭ ‬المسرحية‭ ‬الكوميدية‭ ‬بمفهومها‭ ‬الحقيقى‭ ‬الذى‭ ‬عرفناه‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬والذى‭ ‬يعد‭ ‬أوج‭ ‬عصور‭ ‬الكوميديا‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬عاد‭ ‬المسرح‭ ‬الكوميدى‭ ‬وبقوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العرض‭ ‬المسرحى‭ ‬“طيب‭ ‬وأمير”‭ ‬الذى‭ ‬يعرض‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬ميامى‭ ‬التابع‭ ‬للبيت‭ ‬الفنى‭ ‬للمسرح،‭ ‬برئاسة‭ ‬الفنان‭ ‬ياسر‭ ‬الطوبجى،‭ ‬الذى‭ ‬أحدث‭ ‬طفرة‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬الكوميدى‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬المسرحية‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬فيلم‭ ‬“سلامة‭ ‬فى‭ ‬خير”‭ ‬للعملاقين‭ ‬بديع‭ ‬خيرى‭ ‬ونجيب‭ ‬الريحانى‭ ‬عن‭  ‬مسرحية‭ ‬فرنسية‭ ‬بعنوان‭ ‬“الزائرون”‭.‬

العرض‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بموسميه‭ ‬الأول‭ ‬والثانى،‭ ‬حقق‭ ‬نجاحا‭ ‬جماهيريا‭ ‬منقطع‭ ‬النظير،‭ ‬وكأن‭ ‬الجمهور‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تعطش‭ ‬لهذا‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬الكوميديا‭ ‬تحديدا‭ ‬لأنه‭ ‬يذكرنا‭ ‬“بمسرح‭ ‬زمان”،‭  ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الاسفاف‭ ‬والابتذال‭ ‬المنتشرين‭ ‬فى‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مما‭ ‬اعطى‭ ‬انطباعًا‭ ‬خاطئا‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاسفاف‭ ‬هو‭ ‬الشكل‭ ‬الحقيقى‭ ‬للمسرح،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الكوميديا‭. ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬العرض‭ ‬لهذه‭ ‬النظرة‭ ‬المغلوطة،‭ ‬لهذا‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬استقطاب‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬ومختلف‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬وخاصة‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعتادوا‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬المسرح‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المسرح‭ ‬الحقيقى‭ ‬الذى‭ ‬بات‭ ‬يحتل‭ ‬مرتبة‭ ‬هامة‭ ‬لدى‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭. ‬

“طيب‭ ‬وأمير”‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الكوميديا‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“سوء‭ ‬الفهم”‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات،‭  ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬تنفجر‭ ‬الكوميديا،‭ ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬المؤلف‭ ‬والكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬الملوانى‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬معالجة‭ ‬لفيلم‭ ‬“سلامة‭ ‬فى‭ ‬خير”‭ ‬وفيلم‭ ‬“صاحب‭ ‬الجلالة”‭ ‬اللذين‭ ‬استلهمتهما‭ ‬المسرحية‭ ‬بحداثة‭ ‬بديعة‭ ‬تناسب‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬كما‭ ‬اعتمد‭ ‬اعتمادا‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬كوميديا‭ ‬الموقف‭ ‬بشكل‭ ‬سلس‭ ‬وبسيط‭ ‬،‭ ‬“فكل‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬المتفرج‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ‬فقط‭ ‬“‭ ‬،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬حرفية‭ ‬المؤلف‭ ‬أحمد‭ ‬الملوانى‭ ‬والمخرج‭ ‬محمد‭ ‬جبر‭ ‬حمت‭ ‬العرض‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬“فخ”‭ ‬تقليد‭ ‬شخصيات‭ ‬الفيلمين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬جعل‭ ‬العرض‭ ‬يكتسب‭ ‬روحا‭ ‬جديدة‭ ‬وعصرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬انتباه‭ ‬مثلث‭ ‬الرعب‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬“‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬جبر‭ ‬والمؤلف‭ ‬أحمد‭ ‬الملوانى‭ ‬وياسر‭ ‬الطوبجى”‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الدقة‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬وترًا‭ ‬أساسيا‭ ‬عزفوا‭ ‬عليه‭  ‬لتحقيق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬الفنانين‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬الملابس‭ ‬والأزياء‭ ‬الذى‭ ‬أضفى‭ ‬حسا‭ ‬كوميديا،‭ ‬خاصة‭ ‬الأزياء‭ ‬الخاصة‭ ‬بالملك‭ ‬غندور‭ ‬وخادمه‭. ‬

العرض‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬موظف‭ ‬الحسابات‭ ‬الأمين‭ ‬“‭ ‬نبيل”‭ ‬الشخص‭ ‬“الطيب”‭ ‬الذى‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬مصنع‭ ‬سيراميك‭ ‬“على‭ ‬بلاطة”،‭ ‬و‭ ‬يحظى‭ ‬بثقة‭  ‬صاحب‭ ‬المصنع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬أخيه،‭ ‬وقد‭ ‬أجاد‭ ‬الفنان‭ ‬هشام‭ ‬إسماعيل‭ ‬بخفة‭ ‬ظله‭ ‬المعهودة‭ ‬وتمكنه‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬بجديد‭ ‬عليه،‭ ‬ويقوم‭ ‬صاحب‭ ‬المصنع‭  ‬بتكليفه‭ ‬قبل‭ ‬سفره‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬بتحصيل‭ ‬مبلغ‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬فى‭ ‬حساب‭ ‬المصنع،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يتفاجأ‭ ‬بسرقة‭ ‬تليفونه‭ ‬المحمول‭  ‬قبل‭ ‬إيداعه‭ ‬المبلغ‭ ‬فى‭ ‬البنك‭.. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬“‭ ‬العقدة‭ ‬“،‭ ‬فيحاول‭ ‬أحد‭ ‬العابرين‭ ‬مساعدة‭ ‬“نبيل”‭ ‬فى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬عهدة‭ ‬الشركة‭ ‬بوضعها‭ ‬فى‭ ‬خزينة‭ ‬أحد‭ ‬الفنادق‭ ‬حتى‭ ‬لايتعرض‭ ‬للسرقة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬الشخصية‭ ‬تعتبر‭ ‬محركة‭ ‬للأحداث،‭ ‬ليثبت‭ ‬لنا‭ ‬شريف‭ ‬حسنى‭ ‬أنه‭ ‬كوميديان‭ ‬صاعد‭ ‬بقوة‭ ‬الصاروخ‭ ‬ليقدم‭ ‬لنا‭ ‬كوميديا‭ ‬“الفارس”‭ ‬بكل‭ ‬تمكن‭ ‬وإحترافية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬“سوء‭ ‬الفهم‭ ‬“‭ ‬والتحول‭ ‬الكبير‭ ‬الذى‭ ‬يحدث‭ ‬لهذا‭ ‬الموظف‭ ‬بعدما‭ ‬يعرض‭ ‬عليه‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬سرستان‭ ‬“الأمير‭ ‬غندور”‭  ‬الذى‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره‭ ‬عمرو‭ ‬رمزى‭ ‬أن‭ ‬يتقمص‭ ‬شخصيته‭ ‬لدوافع‭ ‬أمنية‭. ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬رمزي‭ ‬دوره‭ ‬بتمكن‭ ‬شديد‭ ‬بعد‭ ‬غياب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬المسرح،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬بحاجة‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة،‭ ‬لأنه‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬ممثل‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل‭  ‬“طلب‭ ‬منه‭ ‬الأمير‭ ‬تبديل‭ ‬الأدوار‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬“الشنطة”،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬المفارقات‭ ‬التى‭ ‬تصنع‭ ‬الكوميديا‭ ‬وتقودنا‭ ‬إلى‭ ‬“الحل”‭. ‬

العرض‭ ‬مليئ‭ ‬بالطاقات‭ ‬الفنية‭ ‬حيث‭ ‬نجح‭ ‬الفنان‭ ‬تامر‭ ‬فرج‭ ‬الذى‭ ‬قام‭ ‬بدور‭ ‬مساعد‭ ‬الملك،‭ ‬وهذا‭ ‬التميز‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬مسرحية‭ ‬“الحفيد”‭ ‬بما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬قبول‭ ‬شديد‭  ‬لدى‭ ‬الجمهور،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬أيضا‭  ‬الفنانة‭ ‬شيماء‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬التى‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬ابنة‭ ‬الشرير‭ ‬الذى‭ ‬يريد‭ ‬اغتيال‭ ‬الملك‭. ‬تميزت‭ ‬شيماء‭ ‬بصوتها‭ ‬الطفولى‭ ‬وخفة‭ ‬حركتها‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬فى‭ ‬جذب‭ ‬الانظار‭ ‬إليها‭.‬

كما‭ ‬تميزت‭ ‬أيضا‭ ‬نهى‭ ‬لطفى‭ ‬والتى‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬موظفة‭ ‬الاستقبال‭ ‬فى‭ ‬الفندق‭ ‬والتى‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬حبها‭ ‬“الأمير‭ ‬غندور”،‭ ‬وكذلك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أحمد‭ ‬السلكاوى،‭ ‬و‭ ‬محمود‭ ‬أمين‭ ‬الهنيدى،‭ ‬و‭ ‬جلال‭ ‬الهجرسى،‭ ‬ورانيا‭ ‬النجار،‭ ‬ومجدى‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭  ‬وأحمد‭ ‬النمرسى‭. ‬

“طيب‭ ‬وأمير”‭ ‬حالة‭ ‬مسرحية‭ ‬كوميدية‭ ‬خاصة‭ ‬جدا،‭ ‬ودعوة‭ ‬مفتوحة‭ ‬لكتاب‭ ‬الكوميديا‭ ‬الموهوبين‭ ‬أن‭ ‬تنير‭ ‬أعمالهم‭ ‬وإبداعاتهم‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬الكوميدى‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬فنان‭ ‬واع‭ ‬وكوميديان‭ ‬له‭ ‬طابع‭ ‬مختلف‭ ‬مثل‭ ‬ياسر‭ ‬الطوبجى،‭ ‬وأيضا‭ ‬بريق‭ ‬أمل‭ ‬للجمهور‭ ‬أنه‭ ‬مازال‭ ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬كوميدية‭ ‬حقيقية‭ ‬تحترم‭ ‬عقليته‭ ‬وترسم‭ ‬البسمة‭ ‬على‭ ‬شفتيه‭.. ‬“‭ ‬روحوا‭ ‬انبسطوا‭ ‬“‭ .‬

اقرأ أيضًا : ياسر الطوبجي: ضحك الجمهور الإيراد الحقيقي للمسرح


 

;