صباح الفن

حليم .. بين الماء وبين النار

انتصار دردير
انتصار دردير

يتجاوز العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فكرة الغياب، فهو لايزال حاضرا بقوة، يكثف غيابه حضوره، ويشعل  الحنين إلى زمنه، وقد جدد حفل الموسيقار محمد الموجى الذى أقامته هيئة الترفيه بالسعودية مؤخرا مكانة عبد الحليم حافظ، وتفرد موهبته، وذكاء اختياراته، وصدق إحساسه، الذى قال عنه الشاعر الكبير كامل الشناوى «لا أصدق عبد الحليم حافظ إلا عندما يغنى»، ومع احترامنا لكل أصوات المطربين والمطربات، مصريين وعربا، الذين رددوا أغنياته بعد رحيله، فإنها لم ولن تكون بنفس إحساسه الصادق، ولا بقوة حضوره الواثق، ولابجماهيريته التى حظى بها فى حياته وبعد مماته.

عبد الحليم الذى تقترب ذكرى ميلاده من المائة - بعد ست سنوات من الآن- وتقترب ذكرى رحيله من عامها الخمسين-  بعد أربع سنوت - ( 21 يونيو 1929- 30 مارس 1977) لايزال ملهما لأجيال جديدة لم تعاصره، هذا الفنان الذى رفض منذ البداية أن يكون مقلدا لأصوات كبار المطربين الذين سبقوه، واختار لنفسه أسلوبا خاصا، فى الكلمات والأداء يعززه إحساس قوى لايضاهيه شىء آخر.

حياة العندليب المليئة بمحطات النجاح والفرح، ومواقف الألم والمرض، هى أيضا ملهمة مثل صاحبها، وفى أحدث تناول أدبى لها نسجت الأديبة رضوى الأسود من حياته الواقعية رواية مشوقة بعنوان «حليم بين الماء والنار»، فرغم أننا نكاد نحفظ عن ظهر قلب تفاصيل رحلته الإنسانية والفنية، منذ مولده يتيما، وحياته القاسية  فى الملجأ بمدينته الزقازيق ، وكيف شق طريقه كمطرب وعثرات البدايات، والنجومية الاستثنائية التى حققها عبر سنوات عمره المحدودة، لكن رضوى الأسود تستحوذ علينا بأسلوب سرد مغاير، لتطلق من محطة النهاية، لحظة الرحيل والحزن يكتسى الوجوه، والفتيات اللاتى أقدمن على الانتحار فى وداعه، لتنقلنا بين فصول روايتها بعناوين من أغنياته، عبر شخصيات ومواقف حقيقية بأسلوب أدبى بديع، تستعيد حكايته من النهاية للبداية بأسلوب «الفلاش باك» السينمائى، عبر شخصيات واقعية شكلت ملامح رحلته الفنية، ومن خلال 24 فصلا قصيرا تعرض لسيرته الذاتية وكيف أصبح صوت ثورة يوليو المعبر عنها، وهى رواية تستحق أن تتحول إلى عمل درامى لرحلة أسطورة لم تتكرر، ستبقى حاضرة وملهمة لأجيال عديدة.