ذكريات إذاعية| عبدالحليم حافظ.. و«الكشري»

فهمي عمر
فهمي عمر

■ بقلم: فهمي عمر

هناك الكثيرون.. خاصة البعض من النقاد الفنيين سينما ومسرحا وغناء يدعون فى أحاديثهم وكتاباتهم أنهم كانوا على علاقات وطيدة مع العندليب.. وكانوا يحكون فى هذا المجال الكثير من الحكايات.. منهم من كان يقول إن العندليب كانت آخر مكالمة هاتفية يجريها قبل أن يخلد إلى النوم هى الاتصال به ليعرف منه آخر أخبار الوسط الفنى ومايدور فيه من نميمة، كأن يعرف منه أخبار «الخناقة» التى حدثت بين اثنين من الفنانين أو يحكى له عن الفنانة الفلانية التى شوهدت فى سهرة حمراء فى بهو أحد الفنادق الكبرى مع أحد كبار رجال المال والصناعة أو يحكى له عن الفنانة التى تتحدث كثيرا عن مخرجين يطلبونها للعمل فى أفلامهم ولكنها ترفض لمجرد أن بطل الفيلم دمه تقيل على قلبها.. ومن هؤلاء أيضا من كان يقول إن عبدالحليم كان يبوح له بأسراره وإنه لايطيق «فلانا» أو أنه يحب فلاناً إلى غير ذلك من الحكايات التى يسردها عليه وهو سهران معه فى شقته بعمارة السعوديين المطلة على النيل بمنطقة العجوزة.. وأذكر مرة حكى لى حكاية «واسعة» فأردت أن أعرفه أن مايقوله أشبه بالحكاوى التى كانت تحكيها لنا جداتنا ونحن أطفال فسألته عما إذا كان قد سهر مع عبدالحليم فى منزله الذى كان يسكن فيه فى المنيل قبل أن ينتقل إلى شقة العجوزة فأجاب على الفور قائلا: «طبعا سهرت معاه مرات عديدة فقلت له ياترى الشقة دى كانت فى أى شارع فى المنيل فبهت وتلجلج قائلا: هذه تواريخ مضى عليها زمن طويل وضاعت من الذاكرة.

وكل ماذكرته فى هذا السياق «كوم» ولكن «الكوم الأكبر» هو فى الحكاية التالية.. ذات يوم كنت أستمع للراديو وجاء أحد هؤلاء متحدثا فى أخبار الفن وتطرق الحديث بينه وبين المذيع إلى العندليب فقال لافض فوه إن عبدالحليم كانت له عادة وهى أن يزورنى فى منزلى مرة كل شهر بسبب حبه لطبق الكشرى الذى كانت تصنعه له زوجتى حيث كان يقول لها إنها أستاذة فى صنع الكشرى وبعد أن يلتهم الطبق يجلس ليتسامر معى إلى أن يحين وقت الانصراف فيغادر إلى منزله. بعد يومين التقيت هذا الناقد فى إحدى ردهات مبنى الإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو وبعد السلام والتحية قلت له «ياراجل حرام عليك إنت وأنا نعرف إن عبدالحليم لو أكل كشرى لنقل فورا إلى المستشفى فكيف بالله عليك يأكل طبقا من الكشرى صنع أيدى الهانم».. هنا نظر إلى مليا وابتسامة خبيثة ترسم على وجهه وقال: «إذا كنت مش مصدقنى روح إسأله فى البساتين! ومعروف أن عبدالحليم مدفون فى قبره فى البساتين. وفى السياق أحكى عن الصداقة التى ربطت بين عبدالحليم ومجدى العمروسي وكيف بدأت إلى درجة أن مجدى كان مستشاره القانونى بل شريكا فى «صوت الفن»، أنا سأحكى الحكاية وأقول مسبقا إن اللى مش مصدقنى يروح يسأل عبدالحليم فى البساتين أو يسأل مجدى فى مدفنه بالإسكندرية..

الحكاية تبدأ منذ أن كنت طالبا فى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وكان مجدى زميل الدفعة فقد التحقنا معا سنة ١٩٤٥ وتخرجنا معا سنة ١٩٤9 كان مجدى معروفا بيننا نحن زملاءه بأنه يهوى الموسيقى والغناء وكان مسكن أسرته فى منطقة مسجد سيدنا أبوالعباس المرسى بها حجرة ضخمة تضم المئات من الأسطوانات الغنائية فقد كان والده كما قال لى يعشق الموسيقى والغناء ويدندن أغانى عبده الحامولى وأغانى عبدالوهاب وأم كلثوم التى سجلوها فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى.. وكان مجدى كثيرا ما يدندن بصوته بعضا من هذه الأغنيات ونحن جلوس فى حديقة كلية الحقوق بالشاطبى تخرجنا سنة ١٩٤٩ وعملت أنا بالإذاعة وتقطعت بيننا الأسباب إلى أن كانت ليلة الخميس الأول من شهر مارس سنة ١٩٥٤ عندما كلفت بتقديم حفل أم كلثوم بمسرح الأزبكية وعندما ترجلت من عربة الإذاعة فى طريقى إلى باب المسرح فوجئت بمجدى واقفا وكأنه ينتظر شخصا معينا، نظرنا إلى بعضنا البعض ثم وجدنا أنفسنا فى عناق وأحضان وعرفت منه أنه يدأب على حضور حفل أم كلثوم شهريا وكان صديقه عازف القانون «محمد عبده صالح» يحجز له مقعدا وأنه فى انتظار وصوله لكى يدخل إلى الصالة، وهنا قلت له لاداعى للانتظار وأخذته معى إلى بنوار الإذاعة.

ومنذ هذا التاريخ أصبح مجدى ضيفا على بنوار الإذاعة فى حفلات أم كلثوم حيث كان يحضر إلى مكتبى ونمضى الوقت معا إلى أن يأتى موعد الحفل فأصطحبه إلى بنوار الإذاعة وأقوم بعملية التعريف بينه وبين الزميل مذيع الحفل، وأذكر أنه يرحمه الله كان يستقبلنى بترحاب كبير عندما كنت أسافر إلى الإسكندرية وفى أحد الأيام جاء مجدى إلى القاهرة وفوجئت به يدخل منزلى قائلا: «بقى تحتفى بعيد ميلادك من غير ماتقولى»!!. تعرف مجدى على عبدالحليم وأذكر أن عبدالحليم عندما كان يغنى فى مسرح كامب شيزار كان مجدى دائما فى صحبته حيث كان يستقبله على رصيف الإسكندرية وينتقل به فى عربته وتدور الأيام ليصبح مجدى العمروسي مستشارا لعبدالحليم فى شئونه القانونية بل شريكا فى صوت الفن بل ونقل مكتبه للمحاماة إلى القاهرة ومن خلال تلك الصداقة تعرف مجدى على عبدالوهاب والعديد من أهل الفن وكنت عادة أداعبه قائلا: «لو كنت كتبت معاك عقد على أساس أن أتقاضى ١٠٪ من دخل شركتك مع عبدالحليم مقابل أننى كنت السبب فى معرفتك بالعندليب كنت طبعا هتوافق على طول ثم تعلو ضحكاتنا معا، ولعل جانبا مما ذكرته فى السطور السابقة سجلته السينما فى الفيلم الخاص بعبدالحليم وكم كنت أضحك كثيرا عندما كنت أسمع أو أقرأ أسبابا أخرى ومواقف أخرى هى التى كانت سببا فى معرفة عبدالحليم بالعمروسى وما ربط بينهما من ود إلى درجة أن مجدى أصبح مستشاره القانونى وشريكه فى صوت الفن. وعلى أية حال فإننى أختم سطورى بما طرحته فى مقدمة هذا المقال وهو: اللى مش مصدقنى يروح يسأل عبدالحليم فى البساتين أو مجدى فى مدافن أسرته بالإسكندرية.