يقضى سنوات في الغربة وحيدًا لبناء مستقبل أبنائه

يوم عيد الأب| المغتربون في ميزان «الأبوة»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: آية فؤاد

يحتفل العالم في يوم 21 يونيو من كل عام بعيد الأب، فهو حصن الأمان والاستقرار بالنسبة لأبنائه، وقد تدفعه الحياة إلى التضحية للقيام بدوره على أكمل وجه، وهو ما يضطر إليه الكثير من الآباء الذين يتجرعون مرارة الغربة من أجل توفير معيشة ومستقبل أفضل لأسرهم ويتحملون ما يمرون به من الشعور بالوحدة وفقد أوقات ولحظات ممتعة مع أبنائهم وسنوات من أعمارهم.

لم يكن محمود يعلم ما سيعانيه فى الغربة بعد أن قرر الذهاب للعمل خارج البلاد وترك طفله الأول الذى لم يتجاوز 5 سنوات، وزوجته التى كانت على وشك وضع طفلهما الثانى.. قرار الغربة لم يكن سهلاً بالنسبة لهما، ولكن التخطيط لمستقبل أفضل كان هو الهدف ورغبتهما فى توفير مدارس وسكن أفضل للأبناء، فهو مهندس كفء والعمل فى إحدى الشركات الخاصة بالخارج يوفر له الراتب الذى يحقق لعائلته ما يتمناه، ولكن سنوات الغربة طالت وهو بعيد عن أفراد أسرته، فلا يراهم سوى أيام معدودة كل عام.

وحدة وخوف وقلق هى المشاعر التي سيطرت على محمود فى الغربة، لكنه كان يتحمل لتوفير مستقبل جيد لأبنائه، حيث يؤكد أنه افتقد لمواقف حياتية كثيرة مع أسرته مثل أعياد ميلادهم والمناسبات الدينية وأوقات نجاحهم ومرضهم، ويقول: «كان هذه المناسبات تمر علىّ بقسوة، وكذلك المواقف التى كنت أحتاج فيها لأسرتى بجانبى لم أجدهم فكنت أشعر بالوحدة وأحاول إخفاء الأخبار السيئة عنهم كمرضى أحيًانا أو تعرضى لأزمات فى العمل» .

◄ اقرأ أيضًا | أفكار بسيطة للهدايا في عيد الأب 2023

◄ غربة للأبد
لا يعانى الآباء وحدهم وجع الغربة، فالأبناء أيضًا لهم نصيب كبير من هذا الألم، نتيجة لعدم وجود الأب بجانبهم فى أهم لحظات حياتهم، لا سيما إذا توفى الأب فى نهاية المطاف خارج البلاد، كما حدث مع عز الابن الأكبر لأب اغترب لمدة 25 عامًا وكان لا يلتقى به سوى مرة لمدة شهر كل عام، وأحياناً مرة كل عامين أو ثلاثة، لأنه كان حريصًا على تعليمهم وتأمين مستقبلهم.

يروى عز معاناته، فيقول: مررتُ بلحظات كثيرة كنت أتمنى فيها وجود أبى بجانبى، خاصة فى أوقات النجاح، وكان دائمًا يعدنا بأنه سيأخذنا معه، ولكن هى فقط بضعة شهور قضيناها معه بعد أن تغيّر الوضع معه للأفضل، وفى المقابل بدأ جسده يعانى تداعيات الغربة.. لم يكن يخبرنا بألمه ومرضه حتى بعدما كبرنا والتحقت بكلية الهندسة وشقيقتى الصغرى بكلية التربية، والكبرى بكلية العلوم، وظللنا نعيش على أمل أن نجتمع معه يومًا حتى جاءنا خبر وفاته لنكمل حياتنا بدونه مجددًا، وقتها أدركنا حجم معاناته الذى فاق أى شعور سيئ كان ينتابنا أثناء غيابه.

◄ معاناة الزوجات
أما نبيلة فقد عانت بعد أن اضطرتها الظروف لأن تترك زوجها هى وأولادها بعد قضاء سنوات طويلة معه فى الغربة إلى أن وصل الأبناء لمرحلة دراسية كان لا بُد معها من الرجوع لأرض الوطن، فعادت مع أبنائها واستمر الأب بمفرده فى الغربة، فمن ناحية كانت تضحية الأب براحته واستقراره، ومن ناحية أخرى تحملت الأم مسئولية بيت وأبناء فى مرحلة المراهقة وهى ملزمة بالتعامل مع جميع تغيرات وتبعات هذه المرحلة بدون وجود فعلى للأب، موضحة أن الأم فى غياب الأب تضاعف مسئولياتها لنجاح المنظومة التى خططت لها مع زوجها من أجل حياة أفضل .

◄ شكر وتقدير
من جانبه، يقول أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية: نحتفل كل عام بعيد الأب، وإن هذا اليوم لا يحظى بالرواج المطلوب لأنه حديث نسبياً، ولكنه يعتبر نوعًا من التقدير والامتنان لدور الأب، ومن النماذج التى يُحتذى بها فى التضحية الآباء المغتربون والذين يعانون الحرمان فى كثير من الأمور الحياتية والشخصية نتيجة عدم وجودهم وسط أسرهم حتى أن معظمهم تجبره التكاليف المادية على التخلى عن إجازاته السنوية والتى قد تكون متنفسًا له تعينه على مواجهة الاشتياق لعائلته طوال العام ويكتفى بالنزول لوطنه مرة واحدة كل عامين، وهذا له تداعيات على الأب الذي يقيم فى الغربة بعيداً عن أسرته وبالتالى فهو دائماً يعانى الحرمان من الدفء الأسرى وقضاء المناسبات السعيدة مع عائلته وأقاربه وأصدقائه. ويؤكد أهمية أن يجد الأب المغترب التقدير والاحتواء والكلمة الطيبة من الأبناء والزوجة التى تحوى فى معانيها المساندة وفهم مدى تضحية الأب من أجلهم.

◄ سلبيات الغربة
فيما توضح نرمين عزالدين، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية، أن العالم يحتفل بعيد الأب، لأنه هو الذى يقع على كاهله عبء الحياة دون المساس براحه الأولاد، كما أنه يعيش فى قلق كبير على حاضر أولاده ومستقبلهم، ويكون كل همه توفير حياة مستقرة لهم، خاصة إذا كان الأب مغتربًا يتحمل مشقه العمل بالإضافة إلى مشقة الغربة والعيش وحيدًا بعيدًا عن أسرته وأولاده، لذا فالآباء المغتربون يستحقون أوسمة شرف على صدورهم.