بعد توجيهات الرئيس السيسي| فلاحون يحلمون بـ«عودة القرى المنتجة»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: علا نافع

بيوت طينية واسعة تصطف جنبًا إلى جنب، ماشية وطيور تكتظ بها الحظائر.. رائحة خبز القمح والذرة والمعروف بـ«العيش المرحرح» تملأ أجواء الريف.. أراضٍ زراعية تحتضن بأحشائها محاصيل استراتيجية متنوعة من خضر وقمح وبرسيم.. فلاحات يحلبن مواشيهن صباحًا ومساءً ويصنعن من ألبانها الزبدة والجبنة القريش، بينما يباشر الرجال زراعة الأراضي.. الأفران البسيطة تتربع داخل البيوت بوقودها من أخشاب الشجر، لا يحتاجون لغاز طبيعى أو السولار لإشعاله.. كان ذلك حال قرى مصر قديمًا، كل بيت كان وحدة إنتاجية مستقلة بذاتها تنتج ما يكفيها وتصدِّر فائضها للمدن المجاورة.

◄ يجب تشجيع الفلاح على زراعة المحاصيل الهامة.. وعودة الإرشاد الزراعي

◄ ضرورة التوسع فى إنشاء مصانع الأعلاف واعتماد «الزراعة التعاقدية»

وتبدّلت الأحوال وبات الريف مثله مثل المدينة.. الفلاح هجر أرضه ولم تعد المرأة الريفية تهتم بتربية الطيور أو إعداد الخبز بمنزلها، فأفران العيش الآلية أصبحت فى كل شارع، وتحوّل أهل الريف لمستهلكين بعد أن كانوا منتجين، ولعل هذا ما أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته لقرية الأبعادية بمحافظة البحيرة ضمن جولته التفقدية لعدد من مشروعات «حياة كريمة»، ويبقى السؤال: كيف يعود الريف المصري منتجًا كما كان؟

◄ دواجن وألبان
فى بيت واسع بأعمدة خرسانية قوية وفناء رخامى تجلس حسنيّة ذات الثمانين عامًا، تشعر بالاختناق والضيق فلم تعد تستمتع بنسمات الهواء الطبيعية فى الصيف أو الشمس الدافئة بشتاء قريتها قارس البرودة، فهذه الأعمدة حجـبت عنها الحياة التى اعتادتـهــا. يجلب لهــا أحفادها «البانيـه» والدجاج النصف مقلى، فتمصمص شفتيها وتقطب وجهها غاضبة وتقول إن الفلاحين لم يعرفوا يومًا هذه الأطعمة المستوردة والمليئة بالأمراض على حد قولها، فالفلاحة كانت تهتم بملء حظيرتها بشتى أنواع الدجاج والبط والأوز، وكذلك الماشية التى تحلبها وتجلب لبنها لتصنع منه الجبنة القريش والقديمة والزبدة البلدى، أما يوم «الخبيز» فى فرنها الطينى فكان يوم عيدٍ بالنسبة لأبنائها، ففيه يعدون كل ما لذّ وطاب ويخبزون العيش المرحرح و«الملـــدن» بمذاقهما المميز، وكذلك البطاطا المشوية التى يزرعها زوجها فى حقله المتواضع.

وترى حسنيّة أن عودة إنتاجية قريتها كما كانت فى الماضى تكمن فى اهتمام المرأة الريفية بتربية الدواجن توفير النفقات وتقليل الاعتماد على الدواجن المستوردة أو المهجنة، وكذلك تشجيع العودة لبناء الأفران الطينية القديمة بدلًا من البوتجازات وأفران الغاز وذلك فى البيوت القديمة التى لا يزال بعضها موجودًا حتى الآن، فتخصص ربات البيوت يومًا للخبيز بالتعاون مع بعضهن البعض اعتمادًا على القمح المطحون بالمنازل بدلًا من بيعه للتجار وأصحاب الأفران الآلية، وتطالب الحكومة بتقليل أسعار الماشية فلم تعد تظفر بوجبة مطبوخة من السمن البلدى بعد أن بات من الصعب على ابنها الأكبر شراء جاموسة.

◄ جشع التجّار
يقول محمود نوح (75 عامًا): ظل الفلاح محافظًا على مكانته فى إنتاج المحاصيل المهمة وإمداد المدن المجاورة بكل الاحتياجات من لحوم وألبان وخضر منذ أربعين عامًا ولكن مع تغيُّر السياسة الزراعية، انصرف الفلاحون عن زراعة الأراضى وباتوا يؤجرونها لآخرين ليس لديهم وعى كاف بأصول الفلاحة فضلًا عن غياب الجمعيات الزراعية التى كانت تمدنا بالتقاوى والمبيدات الزراعية خاصة فى موسم القطن والقمح، والأهم أن الأجيال الجديدة وجدت فى السفر والهجرة للمدن حياة أفضل خاصة أن الحكومات السابقة كانت تتركنا فريسة لجشع التجار وكبار ملاك الأراضي الزراعية.

ويضيف: حتى يعود للريف مكانته لا بُد من تشجيع الفلاح على الزراعة وتوفير كافة احتياجاته، وتفعيل دور صناديق التأمين على المواشى، لأن وجودها شكلي، وأغلب الفلاحين لا يستطيعون الحصول على تعويضات مُرضية حال نفوق مواشيهم، لافتًا إلى انصراف ربات البيوت عن تربية الدواجن بسبب انتشار مزارع الدواجن المستوردة فى القرى، لذا فإن عودة زراعة الذرة الصفراء والبيضاء والتوسع فى إنشاء مصانع الأعلاف سيقلل من تكلفة تربية الدواجن.

◄ الثروة الحيوانية 
وقد كان الفلاح المصري يهتم بثروته الحيوانية بإطعام مواشيه بالبرسيم والتبن إذ كانت تمثل وعاءه الإدخارى فبيعها فى المواسم والأعياد يعود عليه بثروة لا بأس بها، هكذا يقول محمد عبدالستار نقيب الفلاحين الزراعيين، ويضيف: أصبحت تربية المواشى عبئًا كبيرًا على الفلاحين، فزيادة أسعار الأعلاف بشكل مبالغ وقلة المساحات المزروعة بالبرسيم تهددان بخطر كبير على العجول البلدية التى أصبحت مهددة خلال السنوات القادمة، لذا فإن عودة مكانة الريف كوحدة إنتاجية كبرى تبدأ بدعم جهود تنمية الثروة الحيوانية وتقليل خسائر المربين فضلًا عن تحسين سلالات الماشية المحلية والاهتمام برعايتها البيطرية.

ويتابع: لابُد أيضًا من إعــلان أسعار عادلة لتوريد المحاصيل الاستراتيجية، وهذا يشجع الفلاح على زراعتها وتحقيق اكتفاء ذاتى منها مثل القمح وفول الصويا والذرة الصفراء، إضافة إلى تطبيق نظام الزراعة التعاقدية، وهذا ما بدأت وزارة الزراعة تطبيقه، وأصبح لزامًا عليها شراء المحاصيل المختلفة من عبّاد شمس وذرة بيضاء وصفراء حتى لو انخفضت الأسعار العالمية، أما فى حال ارتفاعها فيكون الشراء بأسعار البورصة وقت البيع، مشيرًا إلى أن سياسة التحرر الاقتصادى جعلت الفلاح حرًا فى زراعة المحصول الذى يحقق له عائدًا ربحيًا أعلى بعد أن كان مهتمًا بزراعة المحاصيل الهامة لتأمين احتياجات أسرته طوال العام.

ويؤكد أن مبادرة «حياة كريمة» لتطوير قرى مصر اهتمت بتبطين الترع وتقليل ماء الرى المهدر وهذا يشجع الفلاحين على زراعة المحاصيل الهامة طوال العام، بخلاف الاهتمام بصحتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية ما يجعلهم مقبلين على العمل بنشاط.

◄ تطوير الزراعة 
فيما يقول الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي: لقد تغيرت التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للريف المصرى، فبعد أن كان شريكًا أساسيًا فى الاقتصاد أصبح يعتمد بشكل شبه كامل على المدينة، وزحفت الكتل الخرسانية على الأراضي الزراعية، بل أصبحت كل قرية مكدسة بالمقاهى ومحلات السوبر ماركت وغيرها، لذا فإن عودة إنتاجية القرى مرة أخرى يعتمد على تطوير الزراعة وإدارة التنمية الزراعية فضلًا عن إعادة تخطيط القرى لاستيعاب الزيادات السكانية المتلاحقة، وهذا من خلال الاستفادة من الظهير الصحراوى المجاور لبعض القرى القديمة، مشيرًا إلى أن ذلك يؤدى لتخفيف تيار الهجرة من الريف للمدن.

ويضيف: كما أنه لتحويل القرى لمنتجة لا بُد من إنشاء مؤسسات ومصانع قائمة على الإنتاج الزراعى مثل مصانع إنتاج المربى وعصائر الفاكهة، وكذلك عودة الإرشاد الزراعى مجددًا من قبل الجمعيات الزراعية، وهذا يتطلب عودة تكليف خريجى كليات الزراعة، إضافة إلى توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى لدعم صغار المزارعين، منوهًا بأن الريف الإنجليزى لا يزال محتفظًا بدوره فى إمداد المدن المجاورة بكافة احتياجاتها وأيضًا تركيبه سكانه، حيث لم تتأثر بالتغيرات المتلاحقة.

◄ اقرأ أيضًا | مواجهة حاسمة| مساندة الفلاحين فى مواجهة تغيرات المناخ

ويرى أن الحكومة عليها أن تقوم بدور فى توعية المرأة الريفية بأن تعود منتجة كما كانت سواء من خلال وسائل الإعلام أو لجان المرأة فى المجالس المحلية، وهذا لن يتحقق إلا بتشجيع وتحفيز الفلاحين على زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة الصفراء المستخدمة كغذاء للمواشي والدواجن بدلًا من استيرادها بملايين الدولارات، مؤكدًا ضرورة تفعيل توجيهات رئيس الجمهورية بإنشاء اللجنة العليا لتنظيم وصناعة الدواجن لحل مشكلات هذا القطاع المهم.