أنجيلا روديل مترجمة الرواية الفائزة بالبوكر الترجمة أشبه بدويتو بين المترجم والكاتب

أنجيلا روديل
أنجيلا روديل

ما شعورك حيال الوصول بترجمتك لجائزة بوكر الدولية 2023، وماذا يمثل لك الفوز؟

كأنه حلم أخشى أن أستيقظ منه! أصبحتُ موسيقية، لذا سأستخدم استعارة موسيقية: لطالما كان يُنظر إلى الترجمة على أنها تُمَثِل «كمان ثانٍ» للكتابة، حيث يقدم المترجمون خلفية متناغمة لموسيقى المبدعين الحقيقيين. حين نؤدى عملنا بإتقان، فإن «موسيقانا المرافقة» تصير غير مرئية حتى للجمهور، الذى يجتاحه اللحن الرئيسى للكُتاب. تُبرِز جائزة بوكر الدولية هذا التناغم، مؤكدة أن كل ترجمة هى دويتو لن يتحقق جماله الحقيقى بدون تلاقى الصوتين أو اللحنين معًا. سيسلط الفوز بالجائزة الضوء أيضًا على الأدب البلغارى، الذى لطالما بدا كأنه فى مرتبة «الكمان الثاني» على مسرح الأدب العالمي. حتى الوصول للقائمة الطويلة كان شرفًا لا يُصدق: أنا فخورة بمشاركتى فى هذا «التقدم لصدارة المسرح».

ما المدة التى استغرقتها ترجمة الرواية، وكيف يبدو أسلوب عملك؟ هل قرأت الرواية عدة مرات أولاً؟ هل ترجمتِها بالترتيب الذى كُتبت به؟

بدأتُ ترجمة الكتاب قبل أن تسنح لى الفرصة لقراءته كاملًا، لأنه لم يكن قد انتهى بعد، ببساطة! بعد نجاح رواية جورجى السابقة، «فيزياء الحزن»، أراد العديدون التعرف على كتابه  الجديد وهو قيد العمل، وخاصة الزملاء من مركز كولمان، وكذلك وكيله وآخرون. وبالتالى فى خريف عام 2019، ترجمتُ مقتطفاً من 50 صفحة، ما سيصبح لاحقًا مفتتح «مأوى الزمن»، والتى نُشرت ب اللغة البلغارية فى ربيع عام 2020 سيئ السمعة. بمجرد أن أصبحت المسودة البلغارية النهائية الكاملة جاهزة، بدأتُ ترجمتها وانتهيت منها فى حوالى ستة أشهر.

 

عادةً، أقرأ الرواية كاملة مرة واحدة على الأقل قبل البدء فى ترجمتها ثم أعمل بالترتيب، من البداية إلى النهاية. ولكن نظرًا للاهتمام بمأوى الزمن، احتاج جورجى إلى بعض المشاهد الرئيسية من الرواية، مثل «إضافات للثورات»، قبل أن أنتهى من الرواية بأكملها، لذا فقد تجاوزتُ خطوات أكثر مما أفعل فى العادة.

كيف بدت لك تجربة العمل مع جورجى؟ ما مدى تقاربكما أثناء العمل معًا؟ هل كانت عملية تشاركية؟ هل مررتما بلحظات مفاجئة أثناء العمل، أو لحظات سعيدة، أو تحديات؟

عملتُ أنا وجورجى معًا منذ سنوات. ترجمتُ روايته السابقة بالإضافة إلى العديد من القصص القصيرة والمقالات والمسرحيات وحتى الكتاب المصور. لطالما كان تعاوننا الوثيق ممتعًا ومُلهمًا؛ رُغم سعة اطلاعه المخيفة إلى حد ما، فإن جورجى متعاطف بشكل غير عادى وكريم بوقته ومعرفته. يتفانى جورجى فى كتابته كشاعر، لذلك فهو مهتم جدًا بحرفة الترجمة ويحب الخوض فى تفاصيل كالإيقاع والجرْس. لحسن الحظ، يكون متاحًا دومًا لتناول الغداء أو القهوة كى نتمكن من التعمق فى مناقشة المواضع التى أواجه صعوبة فى التعامل معها. عرّفنى أيضًا على مُترجميه الآخرين إلى اللغات الفرنسية والإيطالية والهولندية والدنماركية والكرواتية وغيرها من اللغات حين زاروا العاصمة صوفيا، لذا تمكنتُ من الرجوع إلى شبكة المترجمين الواسعة لأعمال جورجى لمعرفة تصرفهم فى إشكالية تخص عبارة ما.

ربما كانت أكثر اللحظات مرحًا أثناء العمل على هذا الكتاب هى مناقشة العصور المختلفة – تعجبتُ مثلًا من وصفه الثمانينيات بعِقد الديسكو، لأني، كطفلة ولدت فى أوائل السبعينيات، لدى ذكريات مميزة من الرقص فى قبو والدَيّ على أنغام موسيقى فيلم «حمى ليلة السبت» فى العِقد ذاته. أدركنا أن هذا التباين يرجع إلى حقيقة أن الموسيقى الغربية اخترقت الستار الحديدى قليلاً خلال حقبة الثمانينيات، ما جعلها حقًا حقبة الديسكو فى الكتلة الشرقية. لذلك وجدنا طريقة لتمرير هذا فى النص بإضافة: «أنت تذكر دومًا أن الثمانينيات هى عِقد دخول الملل والديسكو إلى الشرق».

بخلاف هذه الرواية، ما الكتابات الأخرى التى ألهمت عملك كمترجمة؟

ربما أعتبرُ كتابات جورجى السابقة هى الإلهام الأفضل - فالعديد من كتبه عبارة عن نصوص ما وراء النص، فهى تُحيل إلى بعضها البعض وتتوسع فى الموضوعات السابقة، وبالتالى شعرتُ أننى بحاجة إلى اتخاذ قرارات أثناء الترجمة تحمل أصداء من أعماله المختلفة. أما بالنسبة للكُتاب الآخرين، أرى أن «رحالة» لأولجا توكارتشوك مُلهمة، لأنها أيضًا تكتب بطريقة مُجزأة وغير خطية (لم أتفاجأ لاكتشاف صداقتها وجورجى لسنوات، بعد أن التقيا فى دائرة المهرجانات الأدبية). كما أننى استمددتُ الشجاعة من ترجمة جينيفر كروفت الرائعة للرواية، والتى تتدفق بإتقان دون ترويض أو تدجين ما يجعلها رواية فريدة.

ما الطريق الذى سلَكتِه لتصبحى مترجمة أدبية؟ بماذا تخبرين مَن يفكر فى مثل هذه المهنة لنفسه؟

بدأتُ بدراسة الأدب المقارن كطالبة جامعية فى جامعة ييل. درستُ الأدب الروسى والألماني، ثم تحولتُ إلى اللغويات، حيث أدركت أننى أحببت استكشاف بواطن اللغة، ومقارنة التراكيب المتناقضة - ربما كان ذلك هو ما أيقظ المترجم الناشئ بداخلي. حينها لم تكن لدى أى فكرة أن الترجمة الأدبية تمثل مسارا وظيفيا محتملا. لكن حين وجدت نفسى فى بلغاريا، متزوجة من شاعر، ومحاطة بالكثير من الكتاب فى دائرتنا الاجتماعية، فجأة أتت ثمار كل هذا الفضول اللغوي: بدأتُ أجرب فى ترجمة قصيدة هنا، قصة هناك، وكان عدد المتحدثين الأصليين للغة الإنجليزية ممن يتمتعون بفهم جيد للغة البلغارية قليل جدًا فى بلغاريا. حينها فقط أدركتُ أن هذا ما أحب أن أفعله ويمكننى اتخاذه كمهنة، وبالتالى عملتُ كمترجمة مستقلة للأدب المعاصر حصرًا لثمانىِ سنوات.

يسعدنى الإعلان عن وجود جيل جديد من المترجمين الأذكياء ممن يتقنون البلغارية والإنجليزية على حدٍ سواء، وقد كان من دواعى سرورى التدريس لبعضهم والإشراف على عملهم. أوصى بإيجاد طريقة لحماية طاقتهم الفنية – إذ أن الترجمة كعمل مستقل مرهقة، وقد يؤدى الإرهاق المترتب على الترجمة طوال اليوم وكل يوم إلى إخماد البهجة التى تحملها التجربة. يُدَرِّس معظم المترجمين فى الجامعات أو، كما فى حالتي، لديهم وظائف يومية متعلقة بالفنون تسمح لنا فقط بترجمة الأعمال التى نحبها حقًا، حتى يحمل كل نص طاقة واضحة فى صورته المترجمة النهائية.

لماذا تؤمنين بأهمية الاحتفاء بالترجمة الأدبية؟

كما ذكرتُ أعلاه، يبدو أن هناك اعتقادًا شوفينيًا فى العالم الناطق باللغة الإنجليزية بأن الترجمات هى «كمان ثانٍ» للأسف، يُنظر إليها بدونية بشكل أو بآخر أو تحظى باستحسانٍ أقل من الأعمال المكتوبة فى الأصل بالإنجليزية، ويتم إقصاؤها لتُعرض ضمن فئة «أدب مترجم» أو «الأفلام الأجنبية» رُغم اعتقادى بأن هذا يتغير، لحسن الحظ. جائزة دولية كبرى مثل بوكر الدولية تتحدى هذا الافتراض قصير النظر المتمحور حول الثقافة الإنجليزية وتوضح أن لدينا مسئولية أخلاقية تدفعنا لسماع أصوات من خارج منطقة اعتيادنا، لإدراك أن التجارب الحية لغير الناطقين بالإنجليزية تحمل نفس النظرة الثاقبة للأوضاع الإنسانية التى يحملها أدبنا.

إذا طُلِب منك اختيار ثلاثة أعمال أدبية ألهمت حياتك المهنية، فما هى ولماذا؟

أثارت «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكى ذهنى المراهِق القَلِق، إذ كانت إحدى أولى الروايات المترجمة التى قرأتها على الإطلاق، إلا أنى لم أسجل هذه الحقيقة حينها. ألهمنى دوستويفسكى لبدء دراسة اللغة الروسية، ما أخذنى إلى علم اللغويات السلافية، والذى قادنى فى النهاية إلى اللغة البلغارية. أعيد قراءتها بانتظام كل خمس سنوات أو نحو ذلك، بترجمات مختلفة، إذ أن لغتى الروسية صدئة جدًا ولا تحتمل قراءة الأصل فى هذه المرحلة، ولم أمَلّها بعد لحسن الحظ.

قرأتُ رواية توماس مان «الموت فى البندقية» بالإنجليزية لأول مرة ثم أعدتُ قراءتها بعد ذلك بزمن قصير بالألمانية، فكانت أول عمل يلفت نظرى للطاقة السحرية للترجمة، حيث يُبرِز الطريقة التى تعيد بها الترجمة خلق الأجواء، والتقاط ظلال ودرجات الألوان الخاصة باللغة والعالم.

وكاتبى المفضل طوال الوقت هو الروائى الكندى روبرتسون ديفيز - لا يسعنى سوى تمنى أن تقترب ترجماتى يومًا ما من استخدامه الذكى والرائع للغة الإنجليزية. اتضح أنه تم ترشيحه فى القائمة القصيرة لجائزة بوكر فى عام 1986. رفقة ملهمة تطمح إليها!