خواطر الإمام الشعراوي .. واذكروا الله فى أيام معدودات

< الشيخ الشعراوى
< الشيخ الشعراوى

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية202 من سورة البقرة: «أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ»: إن النصيب هو الحظ، وأما «مِّمَّا كَسَبُواْ» فنعرف من قبل أن فيه (كسب) وفيه (اكتساب). والاكتساب فيه افتعال، إنما الكسب هو أمر عادى، ولذلك تجد أن الاكتساب لا يكون إلا فى الشر؛ كأن الذى يفعل الشر يتكلف فيه، لكن من يفعل الخير فذلك أمر طبيعى من الإنسان.

والمقصود ب «مِّمَّا كَسَبُواْ» هنا هو الكسب من استيفاء أعمالهم التى فعلوها فى الحج إحراماً، وتلبية. وطوافاً، وسعياً، وذهاباً إلى (منى)، وذهاباً إلى (عرفات) ووقوفاً بها، وإفاضة إلى (مزدلفة)، ورمياً للجمار. فى (منى)، وطواف إفاضة، وكل هذا كسب للإنسان الذى نال شرف الحج. وعندما نقرأ: «والله سَرِيعُ الحساب» فلنفهم أن السرعة هى أن يقل الزمن عن الحدث.

فبدلا من أن يأخذ الحدث منك ساعة، وقد تنهيه فى نصف ساعة، وكل حدث له زمن، والحدث حين يكون له زمن وتريد أن تقلل زمن الحدث فلابد أن تسرع فيه حتى تنجزه فى أقل وقت. وتقليل الزمن يقتضى سرعة الحركة فى الفعل، وذلك فى الأفعال العلاجية التى تحتاج مُعَالجة، وعملاً من الإنسان، لكن سبحانه يفعل ب (كُن) ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالى لا يحتاج إلى زمن، إذن فهو سريع الحساب؛ لأنه لا يحتاج إلى زمن، ولأنه لا يشغله شأن عن شأن، وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث.

لأن الحادث عندما يؤدى عملاً، فهذا العمل يشغله عن غيره من الأعمال، فلا يستطيع أن يؤدى عمليتين فى وقت واحد، لكن الواحد الأحد لا يشغله فعل عن فعل، وبالتالى يفعل ما يريد وقتما يريد ولكل من يريد. ولذلك سُئل الإمام على بن أبى طالب: كيف يحاسب الله الخلائق جميعاً فى لحظة واحدة؟. فقال: (كما يرزقهم فى ساعة واحدة). فهو سبحانه الذى يرزقهم، وكما يرزقهم يحاسبهم.

ويقول الحق من بعد ذلك فى الآية 203: « وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» ونلاحظ أن ذكر الله أمر شائع فى جميع المناسك، و»فى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» أى فى أيام التشريق. فى اليوم التاسع نكون فى عرفة وليلة العاشر نبيت فيها ب (مزدلفة)، ثم بعد ذلك نفيض من حيث أفاض الناس، نذهب لرمى جمرة العقبة.

وبعضنا يذهب ليطوف طواف الإفاضة وينهى مناسكه، أو قد يذهب ليذبح ويتحلل التحلل الأصغر، إن لم يكن معه امرأة، وإن طاف فهو يتحلل التحلل الأكبر. أما الأيام المعدودات أى أيام التشريق فهى الأيام الثلاثة بعد يوم النحر. وقد سميت بذلك نسبة إلى الشروق، والشروق خاص بالشمس، كانوا قديماً إذا ما ذبحوا ذبائحهم سميت هذه الأيام بأيام التشريق.

وعندما نسمع قوله: «فى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» نفهم منها أنها فوق يومين. وبعد ذلك يقول الحق: «فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقى».

قول الحق سبحانه وتعالى: «فى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» ثم قوله: «فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ» يدل على أن كلمة (أيام) تطلق على الجمع وهو الأكثر من يومين، أى ثلاثة أيام، لكن الحق سبحانه وتعالى جعل للقيام بيومين حكم القيام بالثلاثة، فإن تعجلت فى يومين فلا إثم عليك ومن قضى ثلاثة أيام فلا إثم عليه كيف يكون ذلك؟. لأن المسألة ليست زمناً، ولكنها استحضار نية تعبدية، فقد تجلس ثلاثة أيام وأنت غير مستحضر النية التعبدية؛ لذلك قال سبحانه: «لِمَنِ اتقى»، فإياك أن تقارن الأفعال بزمنها، وإنما هى بإخلاص النية والتقوى فيها.

ويذيل الحق الآية بالقول الكريم: «واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ». وقد جاء سبحانه وتعالى بكلمة «تُحْشَرُونَ» لتتناسب زحمة الحج؛ لأنه كما حشركم هذا الحشر وأنتم لكم اختيار، هو سبحانه القادر أن يحشركم وليس لكم اختيار. فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشرى الكبير فى الحج فاعرف أن الذى كلفك بأن تذهب باختيارك لتشارك فى هذا الاجتماع الحشد هو القادر على أن يأتى بك وقد سلب منك الاختيار.

إقرأ أيضاً|«الإفتاء»: من عزم الحج ومنعته الظروف كأنه ذَهب لأداء الفريضة