بداية

من وكالة الدين إلى الإرهاب

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬دين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬تحتكره‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬تنسب‭ ‬له‭ ‬زورًا‭ ‬إرهابًا‭ ‬أو‭ ‬تعصبًا،‭ ‬إلا‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي؛‭ ‬لديهم‭ ‬خيال‭ ‬مريض‭ ‬يتعاظم‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬بإسلام‭ ‬ابتكروه‭ ‬وحدهم،‭ ‬إسلام‭ ‬ليس‭ ‬موجودًا‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬خيال‭ ‬المتطرفين‭ ‬والمتشددين‭ ‬المريض‭ ‬فقط،‭ ‬إسلام‭ ‬يرفض‭ ‬الاجتهاد‭ ‬وإعمال‭ ‬العقل‭ ‬والحداثة،‭ ‬وأن‭ ‬دارس‭ ‬الفلسفة‭ ‬ملعون‭ ‬دنيا‭ ‬وأخرى،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأديان‭ ‬مثل‭ ‬براءة‭ ‬الأطفال،‭ ‬هادية‭ ‬ونقية‭ ‬ومفيدة،‭ ‬يسيرة‭ ‬في‭ ‬تعاليمها،‭ ‬ولا‭ ‬علينا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬نوغل‭ ‬فيها‭ ‬برفق،‭ ‬والمصريون‭ ‬أحبوا‭ ‬الأديان‭ ‬جميعًا‭ ‬لأن‭ ‬صلتهم‭ ‬بالسماء‭ ‬قديمة‭ ‬وعميقة؛‭ ‬إلا‭ ‬عصابة‭ ‬المقطم‭ ‬والمتسلفة،‭ ‬قرروا‭ ‬ومنذ‭ ‬نشأتهم‭ ‬احتكار‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬وكالة‭ ‬الدين،‭ ‬ورأينا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموتورين‭ ‬يدفعهم‭ ‬تطرفهم‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬من‭ ‬الكافر‭ ‬ومن‭ ‬المسلم،‭ ‬ووصلت‭ ‬بهم‭ ‬رغباتهم‭ ‬المجنونة‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬وإنما‭ ‬إلى‭ ‬إرهابه‭ ‬بقتله؛‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عندياتي‭ ‬أو‭ ‬اتجنى‭ ‬عليهم‭ ‬بالقول؛‭ ‬فأول‭ ‬خطبة‭ ‬ألقاها‭ ‬البنا‭ ‬الساعاتي‭ ‬على‭ ‬قطيعه‭ ‬من‭ ‬اتباعه‭ ‬قال‭ ‬لهم‭ ‬فيها‭ ‬نصًا‭: ‬‮«‬أيها‭ ‬الإخوان‭ ‬أنتم‭ ‬لستم‭ ‬جمعية‭ ‬خيرية،‭ ‬ولا‭ ‬حزبًا‭ ‬سياسيًا،‭ ‬ولا‭ ‬هيئة‭ ‬موضعية‭ ‬الأغراض‭ ‬محدودة‭ ‬المقاصد،‭ ‬ولكنكم‭ ‬روح‭ ‬جديد‭ ‬ونور‭ ‬جديد،‭ ‬وصوت‭ ‬داو‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬أردف‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬خائنًا‭ ‬متآمرًا‭ ‬زارعًا‭ ‬الفكر‭ ‬الإرهابي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬منكم‭ ‬–‭ ‬معشر‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬–‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬كتيبة‭ ‬قد‭ ‬جهزت‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬نفسها‭ ‬روحيًا‭ ‬بالإيمان‭ ‬والعقيدة،‭ ‬جسميًا‭ ‬بالتدريب،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬طالبوني‭ ‬بأن‭ ‬أخوض‭ ‬بكم‭ ‬لجج‭ ‬البحار‭ ‬واقتحم‭ ‬بكم‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ ‬وأغزوا‭ ‬بكم‭ ‬كل‭ ‬عنيد‭ ‬جبار،‭ ‬فإني‭ ‬فاعل‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬ألفوا‭ ‬الكتائب،‭ ‬وكونوا‭ ‬الفرق،‭ ‬وأقبلوا‭ ‬على‭ ‬الدروس،‭ ‬وسارعوا‭ ‬الى‭ ‬التدريب‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬أهداف‭ ‬الأصولية‭ ‬الإسلامية‭ ‬المقيتة؛‭ ‬حينما‭ ‬تقوم‭ ‬بتجنيد‭ ‬ضحاياها‭ ‬من‭ ‬الشباب،‭ ‬تستخدم‭ ‬التضليل‭ ‬باسم‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬الإلهية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬وحده،‭ ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬قادة‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابي‭ ‬أن‭ ‬يضللوا‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬ويضمونهم‭ ‬إلى‭ ‬صفوفهم،‭ ‬وهم‭ ‬يلجأون‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬ذوي‭ ‬النوازع‭ ‬الدينية‭ ‬الشديدة‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬يصدقون‭ ‬بجهل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬الديني،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬شيوع‭ ‬وشهرة‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬‮«‬الخرافية‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬خرافة‭ ‬‮«‬ابليس‭ ‬يحاور‭ ‬الرسول‭ ‬والمسلمين،‭ ‬وخاتم‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬سرقه‭ ‬الشيطان،‭ ‬وكشف‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬شعرها‭ ‬للوحي،‭ ‬وضمة‭ ‬القبر‭ ‬والثعبان‭ ‬الأقرع‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬بجثث‭ ‬الأموات‭ ‬تاركي‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬الشائعة‭ ‬التي‭ ‬يصدقها‭ ‬للأسف‭ ‬أغلبية‭ ‬المسلمين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسبروها‭ ‬أو‭ ‬يخضوعها‭ ‬للتفكير‭ ‬والتدقيق؛‭ ‬فيخدعونهم‭ ‬بشعارات‭ ‬دينية‭ ‬رنانة‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يستوعبوهم،‭ ‬يبدأ‭ ‬غسل‭ ‬الدماغ؛‭ ‬بهدف‭ ‬تحويلهم‭ ‬عن‭ ‬اتجاهاتهم‭ ‬وقيمهم‭ ‬وأنماطهم‭ ‬السلوكية‭ ‬وقناعاتهم‭ ‬التي‭ ‬تربوا‭ ‬عليها‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لقيم‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة‭ ‬يزرعونها‭ ‬زرعًا‭ ‬في‭ ‬عقولهم،‭ ‬وفجأة‭ ‬بعد‭ ‬التلقين‭ ‬والتدريب‭ ‬وحمل‭ ‬السلاح‭ ‬تبدأ‭ ‬مكاشفتهم؛‭ ‬بأن‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬القتل‭ ‬والاغتيال‭ ‬والتدمير‭ ‬والتفخيخ‭ ‬لنصرة‭ ‬الدين‭ ‬والمكافأة‭ ‬هي‭ ‬الحور‭ ‬العين‭ ‬تستقبلك‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الجنة،‭ ‬فاشية‭ ‬هي‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬فاشية‭ ‬موسوليني‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬وثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬

فلا‭ ‬مستقبل‭ ‬لوطن‭ ‬يجتمع‭ ‬فيه‭ ‬الثالوث‭ ‬المرعب‭: ‬التشدد‭ ‬الديني‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التطرف،‭ ‬والدجل،‭ ‬وإدمان‭ ‬المخدرات؛‭ ‬فهذه‭ ‬الأخطار‭ ‬الثلاثة‭ ‬تغيّب‭ ‬العقل‭ ‬وتطيح‭ ‬به؛‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محتشدًا‭ ‬بالعلم،‭ ‬متسلحًا‭ ‬بالتفكير‭ ‬العلمي‭ ‬والمنهجية‭ ‬في‭ ‬البحث،‭ ‬مطلعًا‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬ومتفاعلًا‭ ‬معها،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬الأوائل‭ ‬في‭ ‬عصرهم‭ ‬الذهبي؛‭ ‬لم‭ ‬يخجلوا‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى؛‭ ‬فعرفوا‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اليونانيين‭ ‬القدماء،‭ ‬ومع‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الميلادي‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬والعراق‭ ‬والشام‭ ‬ومصر‭ ‬انتعشت‭ ‬حركة‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬المنطق‭ ‬والفلسفة‭ ‬والطبيعة،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬يخجل‭ ‬الأوروبيون‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬أمهات‭ ‬الكتب‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتدريسها‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬جامعاتهم‭ ‬خلال‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى؛‭ ‬فنهلت‭ ‬أوروبا‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬الخوارزمي،‭ ‬وجابر‭ ‬بن‭ ‬حيان،‭ ‬وابن‭ ‬سينا،‭ ‬وابن‭ ‬رشد‭ ‬الذين‭ ‬اطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬الرشدية‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وابن‭ ‬خلدون،‭ ‬وأبو‭ ‬بكر‭ ‬الرازي،‭ ‬وابن‭ ‬الهيثم‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬خضنا‭ ‬معارك‭ ‬خاسرة‭ ‬انتصر‭ ‬فيها‭ ‬أصحاب‭ ‬الفكر‭ ‬المتخلف؛‭ ‬بزعم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬جاهلية،‭ ‬ولم‭ ‬يستثن‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬إلا‭ ‬انفسهم‭ ‬زاعمين‭ ‬أنهم‭ ‬وحدهم‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬الحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬وصكوك‭ ‬الغفران‭ ‬ومفاتيح‭ ‬الجنة‭ ‬ووكالة‭ ‬الدين؛‭ ‬فتراجعت‭ ‬أفكار‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والطبيب‭ ‬والفقيه‭ ‬والقاضي‭ ‬والفلكي‭ ‬والفيزيائي‭ ‬العربي‭ ‬المسلم،‭ ‬وحلت‭ ‬بدلًا‭ ‬منها‭ ‬أفكار‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يصلي‭ ‬الجمعة،‭ ‬وكان‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬سقطت‭ ‬بسقوط‭ ‬الخلافة،‭ ‬ولن‭ ‬تعود‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬عادت‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وابن‭ ‬تيمية‭ ‬الذي‭ ‬أجاز‭ ‬قتل‭ ‬المسلم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصل،‭ ‬وأبو‭ ‬الأعلى‭ ‬المودودي‭ ‬صاحب‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحاكمية‮»‬،‭ ‬ولأن‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬أسف‭ - ‬الشرق‭ ‬كله‭ ‬يشده‭ ‬التراث‭ ‬الديني‭ ‬بكل‭ ‬خرافاته‭ ‬التي‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬صحيح‭ ‬الدين،‭ ‬صدق‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬المودودي‭ ‬بأن‭ ‬الحكم‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشرك‭ ‬معه‭ ‬بشر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أي‭ ‬تشريعات‭ ‬أرضية‭ ‬فهي‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬نظره،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬جاهلي‭.‬

أوروبا‭ ‬كلها‭ ‬انتفضت‭ ‬أواخر‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬عندما‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬تخلفها‭ ‬هو‭ ‬سيطرة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬أسرى‭ ‬تابوهات‭ ‬لا‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬الجن‭ ‬والخوارق‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭.‬

[email protected]


 

;