لا يوجد دين على وجه الأرض تحتكره جماعة أو تنسب له زورًا إرهابًا أو تعصبًا، إلا جماعات الإسلام السياسي؛ لديهم خيال مريض يتعاظم يومًا بعد يوم بإسلام ابتكروه وحدهم، إسلام ليس موجودًا سوى في خيال المتطرفين والمتشددين المريض فقط، إسلام يرفض الاجتهاد وإعمال العقل والحداثة، وأن دارس الفلسفة ملعون دنيا وأخرى، رغم أن جميع الأديان مثل براءة الأطفال، هادية ونقية ومفيدة، يسيرة في تعاليمها، ولا علينا سوى أن نوغل فيها برفق، والمصريون أحبوا الأديان جميعًا لأن صلتهم بالسماء قديمة وعميقة؛ إلا عصابة المقطم والمتسلفة، قرروا ومنذ نشأتهم احتكار الإسلام أو لنقل وكالة الدين، ورأينا هؤلاء الموتورين يدفعهم تطرفهم إلى تحديد من الكافر ومن المسلم، ووصلت بهم رغباتهم المجنونة لا إلى رفض الرأي الآخر وإنما إلى إرهابه بقتله؛ لا أقول هذا من عندياتي أو اتجنى عليهم بالقول؛ فأول خطبة ألقاها البنا الساعاتي على قطيعه من اتباعه قال لهم فيها نصًا: «أيها الإخوان أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًا، ولا هيئة موضعية الأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد ونور جديد، وصوت داو»، ثم أردف فيهم من عاش خائنًا متآمرًا زارعًا الفكر الإرهابي في العالم قائلًا: «في الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيًا بالإيمان والعقيدة، جسميًا بالتدريب، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار واقتحم بكم عنان السماء وأغزوا بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، ألفوا الكتائب، وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا الى التدريب»، هذه هي أهداف الأصولية الإسلامية المقيتة؛ حينما تقوم بتجنيد ضحاياها من الشباب، تستخدم التضليل باسم غياب العدالة الإلهية التي هي حق لله تعالى وحده، وقد استطاع قادة التنظيم الإرهابي أن يضللوا كثيرًا من الشباب ويضمونهم إلى صفوفهم، وهم يلجأون في أول الأمر إلى الشباب ذوي النوازع الدينية الشديدة أو الذين يصدقون بجهل كل ما يأتي في كتب التراث الديني، والسبب في ذلك هو شيوع وشهرة هذه القصص «الخرافية» مثل خرافة «ابليس يحاور الرسول والمسلمين، وخاتم سليمان عليه السلام الذي سرقه الشيطان، وكشف السيدة خديجة رضي الله عنها شعرها للوحي، وضمة القبر والثعبان الأقرع وما يفعله بجثث الأموات تاركي الصلاة في باطن الأرض»، وغيرها من القصص الشائعة التي يصدقها للأسف أغلبية المسلمين دون أن يسبروها أو يخضوعها للتفكير والتدقيق؛ فيخدعونهم بشعارات دينية رنانة وبعد أن يستوعبوهم، يبدأ غسل الدماغ؛ بهدف تحويلهم عن اتجاهاتهم وقيمهم وأنماطهم السلوكية وقناعاتهم التي تربوا عليها تمهيدًا لقيم أخرى جديدة يزرعونها زرعًا في عقولهم، وفجأة بعد التلقين والتدريب وحمل السلاح تبدأ مكاشفتهم؛ بأن الهدف هو القتل والاغتيال والتدمير والتفخيخ لنصرة الدين والمكافأة هي الحور العين تستقبلك على باب الجنة، فاشية هي أسوأ من فاشية موسوليني التي ظهرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
فلا مستقبل لوطن يجتمع فيه الثالوث المرعب: التشدد الديني إلى حد التطرف، والدجل، وإدمان المخدرات؛ فهذه الأخطار الثلاثة تغيّب العقل وتطيح به؛ بدلًا من أن يكون محتشدًا بالعلم، متسلحًا بالتفكير العلمي والمنهجية في البحث، مطلعًا على ثقافات ومتفاعلًا معها، مثلما كان المسلمون الأوائل في عصرهم الذهبي؛ لم يخجلوا من استيعاب الثقافات الأخرى؛ فعرفوا الفلسفة من خلال اليونانيين القدماء، ومع الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي في بلاد فارس والعراق والشام ومصر انتعشت حركة الترجمة في المنطق والفلسفة والطبيعة، وفي المقابل لم يخجل الأوروبيون من ترجمة أمهات الكتب الإسلامية في شتى العلوم الإنسانية وتدريسها في أكبر جامعاتهم خلال العصور الوسطى؛ فنهلت أوروبا كلها من علوم الخوارزمي، وجابر بن حيان، وابن سينا، وابن رشد الذين اطلقوا عليها الرشدية اللاتينية، وابن خلدون، وأبو بكر الرازي، وابن الهيثم وغيرهم الكثير، خضنا معارك خاسرة انتصر فيها أصحاب الفكر المتخلف؛ بزعم أن العالم كله يعيش في جاهلية، ولم يستثن أصحاب هذا الفكر إلا انفسهم زاعمين أنهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة المطلقة وصكوك الغفران ومفاتيح الجنة ووكالة الدين؛ فتراجعت أفكار الفيلسوف والطبيب والفقيه والقاضي والفلكي والفيزيائي العربي المسلم، وحلت بدلًا منها أفكار سيد قطب الذي لم يكن يصلي الجمعة، وكان يرى أن صلاة الجمعة سقطت بسقوط الخلافة، ولن تعود إلا إذا عادت الخلافة الإسلامية، وابن تيمية الذي أجاز قتل المسلم الذي لم يصل، وأبو الأعلى المودودي صاحب مفهوم «الحاكمية»، ولأن – مع أسف - الشرق كله يشده التراث الديني بكل خرافاته التي تتعارض مع صحيح الدين، صدق بما قاله المودودي بأن الحكم لله وحده ولا يجب أن يشرك معه بشر، وبالتالي أي تشريعات أرضية فهي حرام في نظره، والمجتمع الذي يحكم بها هو مجتمع جاهلي.
أوروبا كلها انتفضت أواخر العصور الوسطى عندما أدركت أن سبب تخلفها هو سيطرة رجال الدين على كل مناحي الحياة، ونحن لا نزال أسرى تابوهات لا أنزل الله بها من سلطان من نوعية الجن والخوارق في الإسلام.